رشا حلوة: جريمة تزويج الطفلات..هل لحملات التوعية نتائج إيجابية؟

  • 11/7/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تنطلق الكاتبة الصحفية رشا حلوة في مقالها* لـ DW عربية من قصة حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتزويج فتيات قاصرات في لبنان. الجدل حول الموضوع يكشف حجم الظاهرة ومخاطرها في العالم العربي. أثارت مؤخرا صفحة على موقع انستغرام تحمل الاسم "بدّك عروس صغيرة، طلبك عنا"، ضجة كبيرة في الشارع اللبناني، حيث نُشرت في الحساب صور مظللة لطفلات وقاصرات مرفقة بإعلان للراغبين في الزواج بفتيات لم يبلغن سنّ الرشد. بعد حملات تبليغ ضد الصفحة، تم إغلاقها من قبل انستغرام، ومن ثم، أعلن "التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني" مسؤوليته عن هذه الصفحة، وذلك في ظلّ حملة توعوية لمكافحة تزويج القاصرات. يختار ناشطون/ات ومؤسسات حقوقية ونسوية عديدة إطلاق الاسم "تزويج الطفلات" على ظاهرة "تزويج القاصرات"، من جهة للتشديد على هذه الجريمة من خلال التسمية المعبّرة عن واقع الفتيات اللائي يتم تزويجهن قبل بلوغهن سنّ الرشد، أي 18 عامًا، بالإضافة إلى تسمية الظاهرة بتزويج وليس زواج، حيث أن الطفلة في أغلب الحالات، يتم تزويجها دون إرادتها، بل إرادة أحد أفراد العائلة، الأهل، وأحيانًا ابن العمّ، في مجتمع للأسف، يقرر مصير بشر كثير فيه، خاصّة النساء منه، على مبدأ "حارة كل من إيده، إله". بداية، إن التعريف الرسمي لـ "تزويج الطفلات" أو ما يُسمى بزواج القصر هو "زواج رسمي أو غير رسمي للأطفال دون سن البلوغ، 18 عامًا. لوحظ أن الغالبية العظمى من المتضررين من الممارسات هم من الفتيات، ومعظمهن في أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنية. في حالات كثيرة، يكون أحد الزوجين طفل، وعادة ما تكون الأنثى، ويرجع ذلك إلى أهمية العذرية المفروضة على الإناث. المحرّك الأساسي لزواج الطفلات يكمن في الفقر والمهر، والتقاليد الثقافية والقوانين التي تسمح بزواج الأطفال، والضغوط الدينية والاجتماعية والخوف من العنوسة والأمية وعدم تقبل عمل المرأة من أجل المال". تطرقت أبحاث وإحصائيات عديدة إلى هذه الظاهرة في العالم العربي، إلى أسبابها وازديادها في بعض البلدان العربية، على سبيل المثال، أشارت جمعيات حقوقية مغربية إلى أنه تم تسجيل حوالي 30 ألف حالة زواج سنويًا لطفلات في المغرب خلال العام 2017، وفي سوريا، قد تفاقم الوضع بسبب الواقع السياسي، حيث سجّلت حالات تزويج القاصرات ارتفاعًا من 7 إلى 30 في المائة في العام 2015 بحسب المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية. من أهم القنوات لمكافحة هذه الظاهرة/ الجريمة، هي حملات توعية للحدّ منها، حيث تنظم منذ سنوات حملات عديدة عبر منصات متنوعة، منها رقمية، بالاضافة إلى تسليط الضوء على المخاطر التي تتعرض لها الطفلات إثر تزويجهن، منها الجسدية والنفسية، حيث سُجلت حالات وفاة عديدة لطفلات بسبب الحمل والولادة، لأن أجسادهن لم تتحمل كل البشاعة التي تُمارس فيها وعليها! في حديث مع سعاد غريوس، وهي ناشطة حقوقية لبنانية، قالت: "لا أفهم كيف يتم تزويج طفلة ذات 14 عامًا! ما زالت روح الطفولة داخلها، يقررون تزويجها لأنهم خائفون على شرفها!؟ شرف الفتاة يُنتهك عندما تُعنَف، عندما يُفتعل بها علاقة جنسية. يتم تزويجها، وتتفاجأ برجل غريب بجسد عارٍ يريد أن يمارس الجنس معها! هنالك فتيات تموت إثر ذلك لأن أجسادهن لا تتحمل. إن حملات التوعية مجدية، هنالك عدد كبير من الأهالي بدأ يعي خطورة الظاهرة، وهنالك أمهات تستمدن قوتهن من هذه الحملات، وتتساءل حول جدوى تزويج ابنتها صغيرة، وتحاول جاهدة رفض ذلك. العمل الأساسي يجب أن يكون مع الأهل". تسليط الضوء على الأسباب المتواصلة التي تدفع عائلات عديدة لتزويج بناتها الطفلات مهمّ لإيجاد الحلول اللازمة للحدّ من هذه الظاهرة. الكثير من الأسباب تعود لمنظومة مجتمعية ذكورية، تعمل على تعنيف الفتاة بأشكال عديدة، وتتعامل معها أحيانا "كسلعة" لها، أي للعقليات الذكورية هذه، الأحقية بتقرير مصيرها، لأسباب بشعة تعود فقط بالفائدة إلى مواصلة بقاء هذه المنظومات على ما هي عليه. في حديث مع حنان مرجية، وهي ناشطة نسوية وحقوقية فلسطينية، قالت: "إن هدف الكثير من الحملات التوعوية هي تغيير أنماط التفكير الذكورية وتحميل الدول مسؤولية حماية الطفلات. في الدول العربية الظاهرة معروفة وقديمة جدًا، أسبابها دومًا كانت العادات والتقاليد المجتمعية والنظرة الدونية للمرأة كإنسان مستضعف. الظاهرة تزيد في مناطق النزاع، وعندما تشعر المجتمعات بعدم الأمان. على الدول أن تأخذ دورها بحماية النساء، من الناحية القانونية وفرض العقوبات على من يقوم بهذه الجريمة التي لها تأثير سلبي متواصل على الفتيات، نفسيًا وجسديًا من تعرضهن للعنف أيضًا، كما أن نسبة الوفيات مرتفعة بين أجيال 15 و19 عامًا، وهي ترتبط بالحمل والولادة". وبالعودة إلى الحملة التي أطلقها "التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني"، وهي حملة "صادمة" بطرحها، جلبت الحديث "المخفي" لظاهرة تزويج القاصرات الذي يحدث داخل البيوت إلى العلن والمنصات الرقمية. هذا الطرح أثار الجدل وردود فعل متنوعة، توافق على شكله أو تعارضه، لكنه بالضرورة، أعاد القضية إلى طاولات عديدة، على الأقل، أن نشعر قليلًا بثقل المآسي التي تتعرض لها الطفلات التي يتم تزويجهن. في حديث مع حياة مرشاد، مسؤولة الحملات والتواصل في "التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني"، قالت: "منذ 4 سنوات نعمل على هذه القضية وننظّم حملات عديدة، منها عن الآثار الصحية للتزويج. لكننا شعرنا طوال الوقت أن الحملات لا تلقى صدى لدى النواب، لذلك حاولنا تجريب طريقة صادمة، ونقل ما يحدث على أرض الواقع إلى المنصات الرقمية، من تدبير طفلات للزواج والتجارة بهن، إلخ... هذه الحملات ضرورية لأن الناس بعيدة عن الواقع، ومن المهم أن نقترب منه لنتخيّله كي نتفاعل معه ونغيّره"، وتتابع حياة: "قمنا أيضًا بتقديم اقتراح قانون مدني لتحديد سن الزواج في لبنان، ليسري على كل المقيمين على الأراضي اللبنانية، وأيضًا يعاقب كل من يحرض ويساهم بتزويج طفلة من رجال دين إلى أهالي... نحن نعتبر أن إقرار الحماية القانونية هو مدخل أساسي للحدّ من الظاهرة". ظاهرة "تزويج الفتيات" موجودة في دول عربية كثيرة، بالمقابل، تعمل جمعيات حقوقية ونسوية كثيرة على مكافحتها بشتى الوسائل، هنالك نتائج إيجابية للحجّ منها، إلا أنها ما زالت حاضرة وفقًا لسياقات سياسية واجتماعية ودينية عديدة. بالضرورة، للحدّ منها وإيقافها تمامًا، علينا العمل على قنوات توعوية عديدة، وأساسها القانون لمعاقبة كل من يقوم بهذه الجريمة بحق الطفلات والبشرية كلها، معاقبة كل من يسمح لإرسال طفلة إلى جحيم يومي، على نفسها وجسدها الصغير. * الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :