رشا حلوة: عن معاني التضامن الواسع مع إسراء غريب ضد جريمة قتلها

  • 9/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في مقالها* لـ DW عربية تتناول الكاتبة الصحفية رشا حلوة أهمية التضامن الواسع مع الفتاة الفلسطينية إسراء غريب ضد جريمة قتلها. منذ أيام الجريمة الأولى، والتي نُفذت بحق الفتاة الفلسطينية إسراء غريب، تحت ما يُسمى بجرائم "شرف"، كان من الواضح والمحسوس أن هنالك تضامنا شعبيا مع هذه القضية، سواء على المستوى الفلسطيني وامتدادًا للعربي والعالمي أيضًا. في حديثي عن التضامن، أقصد مجموعة لا بأس بها من الناس، والتي ترجمت غضبها عبر منصات السوشيال ميديا وكذلك في الشوارع (في رام الله والقدس)، ضد كل أشكال الجرائم الذكورية بحق النساء، العنف والتعنيف المستمر لهن بأنواعه العديدة والبشعة. حتى لحظات كتابة هذا المقال، كان بالإمكان متابعة المنشورات والمقالات التي ما زالت تُكتب وتُنشر من نساء ورجال حول قضية مقتل إسراء غريب على يد أفراد عائلتها الأقرب إليها،  أصوات رفعت صوت صراخها النابع مما سُمع من تسجيلات لصوت إسراء وهي تصرخ مستنجدة الرحمة عندما كان جسدها يقبع تحت ضربهم الوحشي. إن جريمة مقتل إسراء ليست بالجريمة الجديدة. نعيش في مجتمعات تُقتل فيها نساء يوميًا على يد أقرب الناس إليها. نعيش في مجتمعات نمشي في شوارعها وهنالك من يضرب زوجته في الشارع ولا يتحرك المشاة لأن هذا "شأن عائلي"، هذا "الشأن العائلي" الذي يرى بكل ما هو متعلق بالمرأة، سواء صورة نشرتها عبر الانستغرام، أو مارست الجنس خارج الزواج، وأي تعبير كان عن حريتها الفردية والإنسانية، يهدد "شرفه" ويسمح له بتعنيفها، وفي بعض الأماكن، لا يحمي القانون الضحية. هنالك أسئلة طُرحت حول العلاقة ما بين هذا التضامن الواسع مع إسراء ضد الجريمة. ما سببها؟ عن هذا، وفي حديث مع الباحثة والناشطة النسوية الفلسطينية، همّت زعبي، قالت: "قتل إسراء يحمل تصعيداً في قضايا العنف المجتمعي عموماً والعنف ضد النساء خاصّة، ويحمل مؤشرات عميقة تفكك "السلطة" وسيادتها، وحول تفكك المجتمع عامّة، أخلاقياً بالأساس"، وتتابع: "هل يعقل هذا التعدي في مكان عام مثل مستشفى دون التوقع من أن يتدخل أحد؟ وهل يعقل أنه لم يكن بمقدور أحد أن يتدخل؟ لا طبيب ولا ممرضة ولا مريض ولا أي شخص يستدعي الشرطة؟ إلى أين وصلنا؟". حسب رأيي، فإنه في ظلّ هذا التصعيد من العنف المجتمعي تجاه النساء، والذي يحدث في أماكن عديدة في العالم وبصور متنوعة وبحماية القانون في أحيانٍ كثيرة، سواء في الفضاءات الخاصّة (البيوت) أو العامّة (الشوارع ومكاتب العمل) أو الفضاء الافتراضي (الإنترنت)، هنالك بالمقابل أيضًا تصعيد في مواجهته من قبل أصوات نسائية ونسوية على اختلافاتها. هذه المواجهة تتجسّد في منشورات عبر فيسبوك وتويتر، أحاديث في الفضاءات العامّة وكذلك مظاهرات وغيرها. وهنا، لا أقول أن الحراك ضد أي شكل من أشكال القمع والعنف ضد المرأة هو جديد ووليد الأمس، ففي ظلّ فعل تراكمي للنضال النسوي العربي، بإمكاننا أن نشعر بنتائجه الإيجابية، والمؤسف في الأمر هو أن هذه النتائج الإيجابية تُلمس عندما تحدث كوارث للنساء… وهذه النتائج، غالبًا لن تحمي الضحية القادمة للأسف، لكنها بالضرورة خطوات، ولوّ قليلة، نحو التغيير. في إجابة عن سؤالي لو هنالك تحوّل ما بالخطاب النسوي المتنوع الذي لُمس بعد جريمة مقتل إسراء، قالت الباحثة والكاتبة النسوية اللبنانية مايا الحلو: "عندما نقول أن هنالك تحوّل في الخطاب نعني أن الخطاب كان ثابتًا، وهو لم يكن، بل أن الخطاب النسوي هو في حركة دائمة. بالمقابل، هنالك تحوّل ما، لكنه تحوّل نابع من حركة"، وتتابع: "لكن ما هو المميز في قضية إسراء هو وضوح الجريمة، بلا ثغرات عديدة تملأها العقليات الذكورية لتبرير العنف. الجريمة واضحة لدرجة أن أطياف نسوية وأيديولوجية عديدة ومتنوعة تضامنت مع إسراء ضد الجريمة. وهذا مهم وجيّد، لكنه محزن أيضًا". لماذا محزن؟ يعيدني ذلك لما ذكرته أعلاه، حول محاولة تسليط الضوء على إيجابيات التضامن والضجة التي أثارتها الجريمة، رغم ثقل الكارثة. وهذا يحملني إلى نقطة أخرى، لاحظتها من خلال رصدي لمنشورات كتبتها نساء بعد مقتل إسراء، هو التركيز على ضرورة مناهضة ممارسات ذكورية تحدث في تفاصيل حياتية صغيرة، داخل عائلاتنا وبين دوائر أصدقائنا وصديقاتنا وفي الكلمات التي نستخدمها أحيانًا لوصف شيء ما أو في استخدام العضو التناسلي للمرأة للتعبير عن الغضب أو السخرية، هذه المناهضة صعبة، لأنها تمس حياتنا اليومية، وتفتح مساحة لطرح الأسئلة وللعمل على بلورة وعي جمعي تعيش النساء فيها بعدالة وكرامة كبشر. سيبقى مقتل إسراء غريب قاسيًا في ذاكرتنا، قسم مننا لن ينسى التسجيلات التي احتوت على صراخها وهي تحت الضرب، وقسم آخر، سيواصل محاولة فهم عقليات تعيش بيننا قادرة على مواصلة ضرب الجثث، خاصة لو كانت جثة امرأة، للومها على ما آل بها من مأساة.  وإن كان جزء كبير وأساسي من التضامن مع إسراء ضد الجريمة يمنح أملًا وتفاؤلًا بالتغيير، لكن قسوة "ضرب الجثة" الذي حدث ويحدث بأشكال عديدة، بمساعدة السلطات الرسمية من جهة، وإيمان "بوجود جن عاش في جسد إسراء"، كل هذا يشعرنا أحيانًا كم أن الطريق ما زال طويلًا… لكن، ربما كل ما نريده اليوم، هذه الرغبة العملية الأساسية رغم كل شيء، هي أن نحمي الضحية القادمة، وأحيانًا ممن هم من لحمها ودمها، كما حدث مع إسراء غريب. على أمل، أن الفعل التراكمي لهذا التضامن يغيّر عقليات ومؤسسات ذكورية ما زالت تحمي المجرم وتلوم الضحية. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :