مع بدء سريان مفعول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران والتي تستهدف على وجه التحديد قطاع النفط، بعدما كانت الحزمة الأولى طاولت عمليات تجارية ونقدية، هل يكون لبنان الذي يعاني من أزمات اقتصادية كبيرة في منأى عن تأثيرات هذه العقوبات ربطاً بكون «حزب الله» شريكاً سياسياً شرعياً في لبنان وترتبط منظومته المالية بالاقتصاد الإيراني. وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أعلن في مقابلة تلفزيونية أن «العقوبات تهدف إلى منع النظام الإرهابي، من تمويل ميليشيات حزب الله اللبناني». وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية أن «رئيس الجمهورية ميشال عون، الحليف لحزب الله، تجنّب زيارة إيران على رغم دعوات عدة وجّهت إليه لزيارتها، ويراعي الموقف الدولي ضد إيران والموقف اللبناني الداخلي لفريق كبير من اللبنانيين الذين ينتقدون تدخلات إيران في الدول العربية». وكانت إيران عرضت مرات عدة على لبنان بناء محطتي إنتاج للكهرباء في دير عمار (في الشمال) والزهراني (في الجنوب)، عبر شركة إيرانية خاصة لتوليد الطاقة الكهربائية، وتقديم مساعدة عسكرية تشمل أسلحة ومعدات، لكن لبنان تجنّب أيضاً التجاوب مع هذين العرضين، ما اعتبره الجانب الإيراني، «ضغطاً أميركياً مورس على لبنان». يعبّر عضو لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط النيابية هنري حلو (عضو كتلة اللقاء الديموقراطي) لـ «الحياة» عن قلقه من أن «تؤثر هذه العقوبات بشكل غير مباشر على لبنان، عبر زيادة سعر برميل النفط الذي ربما يصل إلى 100 دولار أو 120 دولاراً، ما يفاقم العجز في الموازنة». ويعتبر حلو أن العقوبات الأميركية الجديدة صارمة، لكنه يلفت إلى أن «المصارف في لبنان تعمل تحت سقف التشريعات والقوانين الدولية والإدارة الأميركية تعلم ذلك». ويستبعد عضو لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية هنري شديد (عضو كتلة المستقبل النيابية) تأثير العقوبات في الاقتصاد اللبناني في شكل كبير، خصوصاً أن التبادل التجاري بين لبنان وإيران يحصل لكن في شكل بسيط، لذلك تبقى التأثيرات محدودة في الاقتصاد»، مشيراً إلى أن «المنتجات الإيرانية التي نستوردها ليست مهمة وليست ضرورية للبنان». ويقول: «التأثير السياسي هو الأهم والأخطر، ونحن نراهن على حكمة حزب الله بأن يحاول أن لا يزيد الطين بلة ويتعامل مع هذه العقوبات بطريقة لا تؤثر في المجتمع اللبناني اقتصادياً واجتماعياً». ويضيف: «ما دام لبنان يتبع سياسة النأي بالنفس بهدف حسن العلاقات مع كل الدول لن يتأثر بشيء»، لافتاً إلى أن «مصالح لبنان تتعارض مع سورية أكثر ما تتعارض مع إيران لهذا السبب تم فتح معبر نصيب». ويؤكد أن «أميركا ما زالت على قرارها دعم الاستقرار في لبنان وعدم المس باقتصاده ووضعه المالي»، معتبراً أن «العقوبات الأميركية تؤثر سلباً في حزب الله بطريقة غير مباشرة بسبب تأثيرها في إيران، وتعاطيه مع المصارف في الصين واليابان وغيرها...». أما عضو اللجنة ذاتها النائب جورج عقيص (عضو تكتل الجمهورية القوية) فينبّه من أن «هذه العقوبات تأتي في ظرف دقيق جداً». ويقول لـ «الحياة»: «نخشى أن تفاقم العقوبات الوضع الاقتصادي السيء في لبنان وأن تؤدي إلى تشنجات سياسية تؤدي إلى مزيد من العرقلة، خصوصاً في موضوع تشكيل الحكومة»، متمنياً أن «تمر المسألة بأقل أضرار على المصلحة الوطنية من دون أن يكون لدينا أي موقف من فحوى هذه العقوبات وألا تكون عاملاً سلبياً إضافياً نحن بغنى عنه». ويقول: «لطالما طالبنا بالنأي بأنفسنا عن الصراعات الإقليمية لأنه إذا كنا طرفاً فيها ليست لدينا قدرة على أن نتجنّب سلبياتها وهذه العقوبات هي وجه من أوجه الارتدادات التي نعانيها نتيجة انخراط فريق لبناني في الصراعات الإقليمية». أما الخبير الاقتصادي والمالي غازي وزني فيوضح لـ «الحياة» أن «تأثير هذه العقوبات في لبنان محدود جداً»، باعتبار أن «العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية اللبنانية– الإيرانية محدودة». ويلفت إلى أن «التبادل التجاري بين لبنان وإيران لا يتجاوز 80 مليون دولار، 16 مليون دولار صادرات لبنانية إلى إيران و64 مليوناً استيراد»، مشيراً إلى أن «العلاقات الاقتصادية اللبنانية - الإيرانية لم تتطوّر على نحو ملموس خلال فترة 2015–2018، فعلى رغم كل الزيارات التي قام بها اللبنانيون إلى إيران من رجال أعمال ومستثمرين، لم تتطوّر علاقاتنا الاقتصادية، وفي الوقت نفسه فإن العلاقات المصرفية والمالية بين إيران ولبنان بقيت محدودة وضعيفة جداً. من هنا فإن لبنان لا يتأثر بموضوع العقوبات الأميركية على إيران». ويضيف: «في ما يتعلق بالعلاقات الخاصة بين إيران وحزب الله، الكل يعلم أن عملية التمويل الإيراني لحزب الله، التي هي خارج الإطار الرسمي والمصرفي القانوني في لبنان تراجعت لدى انخفاض أسعار النفط عالمياً وهذه المساعدات تتأثر بحسب مداخيل إيران». ويشدد على أن «عدم تشكيل الحكومة عامل سلبي على الاقتصاد في لبنان».
مشاركة :