أعوج "معتدل"

  • 11/8/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

القول إن تنظيم “الإخوان المسلمين” “تنظيم معتدل” فيه من الزور والبهتان ما يكفي لجعل المرء يَدهش، إما من فرط حماقة هذا الاعتقاد، أو من فرط ما ينطوي عليه من “استهبال”. مع ذلك، فإن الحقائق حقائق، ولابد من تبسيطها ومباشرها كسبيل للاختبار. هناك عشرة شروط على الأقل، أو قل بديهيات، لن يتمكن، لا الإخوان ولا كل من لف لفهم، أن يلاقوها، إما لأسباب أيديولوجية، أو لأسباب تتعلق بطبيعة مشروعهم التخريبي بالذات. شروط، لا يستقيم من دونها أي اعتدال. وهي تكفي لتكشف أن تنظيمات “الإسلام السياسي” لا يمكنها فكريا ولا سياسيا أن تتسم بالاعتدال، حتى ولو كان النفاقُ هو لغة الناس. ثمة طبيعة بنيوية في هذه التنظيمات تجعلها عاجزة عن ممارسة الاعتدال، أو فقه مقوماته. ولكن هبّ أن مُجادلا طيب القلب، جاء بحزمة كبيرة من أزاهير النوايا الحسنة ليغمر بها أمنياته، فهل سيرى أيا من تلك المقومات العشرة قابلا للتحقيق؟ كل مَنْ لم تغمره الحماقة سيعرف، أن لكل مقوّمٍ منها أسانيدَ تناقضه، استهلكت عشرات الكتب في فكر وطبيعة هذه التنظيمات، مما يجعلها تسخر، هي نفسها، من فكرة الاعتدال، دع عنك تبنّيه. 1 - أن يقبل الآخر ولا يكفّره أو يُقصيه. أو يؤمن على الأقل، بقوله تعالى “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.فلا يحكم على إيمان أحد، أو يجرده منه. 2 - أن يكون جزءا من النظام المؤسسي، لا بديلا أو نقيضا له، ويقبل بالشراكة الوطنية فيه. 3 - أن ينبذ كل وجه من وجوه العنف اللفظي أو المسلح، على حد سواء. 4 - أن يكف عن “تأميم الله” لصالحه، فلا يعتبر نفسه ممثلا شرعيا وحيدا له، أو ناطقا باسمه، أو عارفا وحيدا بأصول شريعته، فيفصّل فيها، ويلبس منها، على هواه. وألا يحزبن الدين ويجعله ملكا له. 5 - أن يعتبر دوره في السلطة مؤقتا وقائما على أساس برنامج أرضي (اجتماعي واقتصادي) لا على أساس برنامج سماوي غير قابل للمساءلة والحساب. 6 - أن يقبل بالوطن كقيمة نهائية، فلا ينظر إليه كامتداد لدولة لا حدود لها، أو يجعله جزءا من وهم أيديولوجي عريض. 7 - ألا يُحرّم ويحلل على هواه، ويترك أمور الحلال والحرام لمختصين بشؤون الإفتاء ممن لا يوظفونها لأغراض سياسية. 8 - ألا يسعى إلى أسلمة المسلمين، لأن في ذلك نكرانٌ لإسلامهم، وتعالٍ عليهم. 9 - ألا يحارب الطوائف والأقليات وينظر إلى أبنائها كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ولا يميز ضدهم. 10 - ألا يقيم علاقات مع قوى خارجية ولا يتلقى أموالا منها، وأن يقدم كشف حساب موثوق عن ارتباطاته، وينبذ العمل في الخفاء. هذه قواعد أكثر منها شروط، ولسوف تقبل بها كل قوة سياسية تزمع أن تكون قوة بناء، أو قوة اعتدال تضع مصالح الأوطان والناس، فوق مصالح الحزب أو الجماعة. ودونها سفك دماء، وتمزقات، وتشظيات، حتى لكأنك ألقيت قنبلة عنقودية وسط حشد من الناس، اختلفوا في ما بينهم على تعريف ديانتهم وهوياتهم وانتماءاتهم وماضيهم ومشاغلهم كلها. فلا تجد لهم وجهة، ولا هم يعرفون من هم أصلا. إنها مقوّمات بسيطة، حدَّ أنها بديهيات، إلا أنه ما من جماعة من جماعات “الإسلام السياسي” سوف تقبل بها، لأنها تناقض – بهذا المقدار أو ذاك – صورتها عن نفسها، وتصوّرها عما تريد. الذين يريدون إقناعنا بأن “الإخوان المسلمين” تنظيم معتدل، يستطيعون أن يخدعوا أنفسهم، أو يغرقوا بالحماقة بمقدار ما يشاؤون، ولكنهم لا يستطيعون فرضها على أحد ممن رأوا العَوج، ورأوا عواقبه. إنما للعوج أساس. وهو لن يعتدل، حتى لو وضعته في قالب. مع ذلك، فهناك مَنْ يتمسكون، حماقةً أو استهبالاً، بالنظر إلى القالب على أنه معتدل!

مشاركة :