كل من لديه تفكير منطقي سيجيب عن سؤال عنواني بـ"كلا"، ولكن للأسف في عرف الكثير ممن يعانون من قضية البطالة ومن يبحث لها عن حلول نجد أن الإجابة "نعم"! المشكلة أننا نعالج القضية من منطلق المشاعر ونتوقف عندها ولا ننتقل إلى تفعيل الفكر للوصول إلى الحلول الإبداعية في البحث عن موارد رزق تتناسب مع قدرات أو موهبة الفرد. نجد أن الأغلبية تؤمن أنه بعد التخرج أصبح الجميع - وبدون أدنى شك - مؤهلين ولديهم القدرات على الخوض في سوق العمل من أوسع أبوابه! حسناً إذا كان هذا السوق مغلقا ولا يستطيع أن يستوعب هذه الأعداد الكبيرة من الخريجين والخريجات، سواء لعدم الاحتياج أو لإيمان – وأحيانا بعد تجارب مريرة – بأن ناتج التعليم العام والتعليم العالي غير قادر على القيام بمتطلبات الوظائف المطروحة؛ منها الالتزام والتكييف واللغة والحاسب وغيرهم من المهارات والقدرات المتوقع وجودها في الفرد كي يستطيع أن يواكب ضغوط ومتطلبات سوق العمل في القرن الحالي؛ فهل نتجمد أمام الأبواب المغلقة أم نبحث عن النوافذ التي من حولنا، التي إن توقفنا عن الغضب والشكوى والتذمر واستدرنا استدارة بسيطة تمكننا من ملاحظة الأشعة الواضحة التي تشير إلى حلول أخرى، قد لا تكون ما نريده في الوقت الحالي ولكن بالتأكيد أفضل من كلمة "عاطل" أو "عاطلة" عن العمل. نعم من حق كل مواطن أن تكون له وظيفة تمكنه من العيش الكريم، بل وظيفة يرتقي بها ويتقدم من خلالها في مسيرة حياته العملية ولا يتجمد في خانة واحدة، بحيث يصبح عبئا على المؤسسة وعلى المجتمع والوطن.. ولكن نحن نركز على هذا الحق من المواطن على الدولة ولا نقترب من حق المواطن على نفسه! من المفترض أن المواطن درس وتعلم واستغل جميع الفرص التعليمية والتدريبية التي قدمت له خلال وجوده في الحرم الجامعي، أي كان حريصا على المشاركة الفاعلة في المحاضرات والدورات وورش العمل لعلمه بأن كل ذلك سوف يساعده فيما بعد على قنص أفضل الفرص في سوق العمل، بل كان يفضل أن يقوم بنفسه ومن خلال مجهوده الشخصي، بجميع المتطلبات من بحوث ومشاريع وعروض مستخدما أحدث أنواع التقنية، وأن يصر على تعلم اللغة لما لها من أهمية ليس فقط في مجال العمل بل أيضا في إمكانية البحث والاستمرار في التعلم من خلال العروض التعليمية المجانية التي تعج بها الشبكة العنكبوتية، وألا يفرط بأي يوم تعليمي لعلمه بأن ذلك حق له وبأن الغياب والإجازات فوق الإجازات ما هي سوى هدر للتأهيل الذي يحتاجه فيما بعد للولوج إلى سوق عمل أقل ما يمكن وصفها بالشرسة والتي لا ترحم ولا تراعي الظروف ولا مكان فيها للمشاعر بما أن الربح والإنتاج هو الهدف الأساس، سواء رضينا بذلك أم لم نرض. نعود ونقول من المفترض.. فهل تم ذلك من قبل الأغلبية؟ لو تم لوجدت أنه ليست فقط أسواقنا التي ستتهافت على خرجينا بل حتى الأسواق العالمية، لماذا هنا أركز على الطالب؟ لأننا قد تحدثنا (ولست وحدي من تعرض للقضية في وسائل الإعلام) في مجالات سابقة عن دور مؤسسات التعليم في التأهيل والتدريب ليواكب المنتج احتياجات ومتطلبات سوق العمل، كما تحدثنا عن دور المجتمع في التأهيل والتدريب وإيجاد فرص العمل، ولم ننس دور الأسرة في تأهيل الفرد لسوق العمل، أما هنا فما أريده من هذا الخريج أن يتوقف ويتأمل وضعه ويدرك دوره، أن يخرج عن الصندوق ويحلل موقفه، ويبدأ في البحث عن حلول إبداعية في إيجاد مورد رزق، والأفكار كثيرة والفرص أكثر فقط لو أننا أعطينا الفرصة للعقل أن يفكر، وابتعدنا عن الاعتماد على الغير في إيجاد الحلول لنا.. وليست قصص نجاح الكثير بغريبة عنا، فنحن نسمع عنها وكل يوم نصفق ولكن لا نعتبر أو نسير على نهجهم، لقد جاؤوا بأفكار إبداعية بسيطة ثم شيئا فشيئا تم التوسع، بل منهم من جمع رأسمالاً بسيطا من المجال الذي أوجده لنفسه، وأسس من خلاله مشروعه الذي كان يحلم به ويتمناه أو الذي هو مؤهل له.. الإجابة بأنه لا يحدنا سوى خيالنا.. ولكن نحن من يبني الأسوار ويخنق هذا الخيال، إما لاعتبارات نحن من يسمح لها أن تقيدنا، أو لعدم رغبتنا وإصرارنا على وظيفة معينة، ولسان حالنا يقول إما هذه أو لا شيء آخر! لنصلح العود كي يستقيم الظل، وإلا سنبقى نصارع الظلال ونشتكي ونتذمر والأنكى من ذلك سنبقى مكانك سر!
مشاركة :