يواجه كبار الفنانين والفنانات في مصر أزمة فنية كبيرة، تتمثل في انصراف جهات الإنتاج الدرامية عنهم لاعتبارات عدة، بينها تراجع الطلب عليهم من القنوات الفضائية، بعدما كان مجرد ذكر أسمائهم في فترة من الفترات يمثل مكسباً كبيراً لمن يفوز بالتعاقد معهم حتى من دون وجود نصوص مكتوبة، وتركيز غالبية المواضيع المكتوبة حالياً على الشباب من الفنانين والفنانات، وهو ما يجعل هؤلاء الكبار في حيرة من أمرهم، إذ تتضاءل فرص الاختيار أمامهم في شكل كبير، ومن ثم إما أن يخضعوا إلى شروط سوق الإنتاج الدرامي، وإما يوافقوا على المشاركة في أعمال الشباب بأدوار ثانية أو ثانوية لا تليق وما قدموه من بطولات مطلقة وأدوار أولى عبر عقود طويلة... أو يؤثرون السلامة ويبتعدون عن المشاركة في حال طلب منهم المشاركة في هذه الأعمال، ومن ثم ابتعادهم عن الأضواء التي طالما عاشوا فيها، وهو ما يمثل ضربات صادمة لهم، رغم إدراكهم أن هذا الأمر من سنن الحياة. ولكن ما يدعو للتساؤل أن الدراما حتى وقت قريب كانت تجمع أجيالاً مختلفة معاً، فجيل فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي كثيراً ما تعاون مع الأجيال التالية من الفنانين، من أمثال نور الشريف وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز ومحمود ياسين وآخرين. أما الآن فإن غالبية المسلسلات تقتصر على الشباب فقط، ومنهم أحمد السقا ومحمد رمضان وأحمد عز وكريم عبدالعزيز وأحمد مكي ومنى زكي وأمير كرارة وهاني سلامة ونيللي كريم وياسر جلال ومنة شلبي ويوسف الشريف وهند صبري ومصطفى شعبان وخالد النبوي ودنيا سمير غانم وحسن الرداد وايمي سمير غانم وأكرم حسني ومي عزالدين وعلى ربيع. وساهم في ذلك انتشار ورش السيناريو التي ترتكز على عشرات الشباب الذين يلبون طلبات دراما الشباب فقط، ويأتي في مقدم الفنانين الذين يواجهون ما يشبه الاعتزال الاجباري نادية الجندي الملقبة بـ «بنجمة الجماهير»، والتي كانت الأفلام السينمائية تكتب خصيصاً لها، وتحقق من خلالها إيرادات كبيرة. ومع انتشار السينما الشبابية وابتعادها عن جيل الكبار، اتجهت إلى الدراما التلفزيونية وراهنت على أن تحقق فيها ما حدث معها في السينما، اذ قامت العام 2004 ببطولة مسلسل «مشوار إمرأة» وحاولت أن تنقل من خلاله نموذج «المرأة الحديدية» الذي حرصت على تقديمه في السينما. ورغم عدم تحقيق التجربة النجاح المأمول، فإنها كررتها في ثلاثة مسلسلات تالية في شكل متباعد، وهي «من أطلق الرصاص على هند علام» (2007)، و»ملكة في المنفى» (2010)، و»أسرار» (2015)، وابتعدت بعدها تماماً بفعل ظروف السوق الدرامي، رغم ما تردد عن وجود عمل تحضر له. ولم تكن منافستها التقليدية في السينما نبيلة عبيد صاحبة لقب سبق كثيراً أفلامها السينمائية «نجمة مصر الأولى»، أفضل حالاً منها على صعيد الدراما، اذ تفاءلت كثيراً بمسلسلها «العمة نور» الذي قدمته العام 2003، وكررت المحاولة بدرجة أعلى من التراجع في «البوابة الثانية» عام 2009، وكان التراجع الأكبر العام 2012 حين شاركت في الجزء الثاني من «كيد النسا» بديلة لسمية الخشاب أمام فيفي عبده. ويواجه الأزمة ذاتها من الفنانين من الجيل ذاته، محمد صبحي الذي يبدو أن رصيده الدرامي نفذ بعد سلسلة طويلة من المسلسلات الكوميدية الناجحة، وذلك بعد تقديمه الجزء الثامن من مسلسله «يوميات ونيس» العام 2013. ولإدراكه ظروف التسويق الصعبة في الدراما قرر العودة إلى المسرح، حيث أعاد العام الماضي تقديم مسرحية «غزل البنات»، ويعرض حالياً مسرحية جديدة عنوانها «خيبتنا». ورغم ابتعاد سميرة أحمد منذ قدمت مع محمود ياسين «ماما في القسم» عام 2010، فإنها حاولت العودة طوال السنوات الماضية، وكان آخرها العام الماضي عبر مسلسل «بالحب هنعدي» والذي توقف تنفيذه لأسباب تسويقية وإنتاجية. وابتعد لظروف صحية كل من محمود ياسين بعد آخر مسلسلاته «ماما في القسم»، وصلاح السعدني بعد «القاصرات» (2013). ويبدو أن مسلسل «قصر العشاق» الذي عرض قبل عامين، شهد ما يشبه المباراة التكريمية درامياً (الاعتزال) لعدد من المشاركين فيه، ومنهم عزت العلايلي وبوسي وفاروق الفيشاوي وسهير رمزي، حيث تسبب الفشل الذريع للمسلسل في الاطاحة بما تبقى لهم من رصيد لدى المنتجين والموزعين والقنوات الفضائية. واستبشرت فردوس عبدالحميد خيراً منذ عامين حين شاركت في بطولة مسلسل «الأسطورة»، خصوصاً أنه لم يتول زوجها محمد فاضل إخراجه، بعدما لعبت بطولة غالبية مسلسلاته، لكنها لم تتلق بعده أية عروض بالمشاركة في أعمال درامية. ومن الأجيال التالية تواجه ليلى علوي مأزقاً كبيراً، يتمثل في رفض الفضائيات اسناد بطولات تلفزيونية مطلقة لها كما حدث في السابق في مسلسلاتها «شمس» و»فرح ليلى» و»حكايات بنعيشها» و»نور الصباح» و»بنت من شبرا»، وهو ما اضطرها قبل عامين إلى أن تتقاسم مع خالد الصاوي بطولة مسلسل «هي ودافنشي». وهو ما يتكرر مع الهام شاهين التي شاركت قبل عامين في بطولة الجزء السادس من «ليالي الحلمية» من تأليف أيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين وإخراج مجدي أبوعميرة، ولم يحقق أي نجاح يذكر مقارنة بأجزائه الخمسة التي كتبها وأخرجها الراحلين أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ. ورغم تقديم عبلة كامل ورياض الخولي لخمسة أجزاء من مسلسل «سلسال الدم»، فإن الطلب عليهما تراجع لاحقاً، وبات تقديم أي منهما لمسلسل من بطولته أمر في غاية الصعوبة، وفي مقابل هؤلاء لا يزال عدد من كبار الفنانين لا يتجاوزون أصابع اليدين، يقاومون ظروف سوق الإنتاج للدراما، ومنهم عادل إمام ويحيى الفخراني ويسرا وميرفت أمين وحسين فهمي وسمير غانم ودلال عبدالعزيز وهالة صدقي. بصمة العمر على الوجوه (الحياة)
مشاركة :