الديمقراطية الليبرالية في أزمة

  • 11/10/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"لا إفراط". هذا الشعار، المعروف أيضا بـ "الوسط الذهبي"، كان معروضا في ضريح دلفي القديم. مثل هذا التحفظ أمر حاسم بشكل خاص للحفاظ على الديمقراطية الليبرالية، التي هي تركيبة هشة من الحرية الشخصية والعمل المدني. اليوم يجب استعادة التوازن بين هذين العنصرين. جادل لاري دياموند، من جامعة ستانفورد، بأن الديمقراطية الليبرالية لديها أربعة عناصر ضرورية وكافية: انتخابات حرة ونزيهة، ومشاركة فعالة من الناس – باعتبارهم مواطنين، وحماية الحقوق المدنية وحقوق الإنسان لجميع المواطنين، وسيادة القانون التي تربط جميع المواطنين بالتساوي. السمة البارزة للنظام هي القيود التي يفرضها على الحكومة وبالتالي على الأغلبية، ما يعني أن أي انتصار سيكون مؤقتا. من السهل رؤية السبب في ضعف هذا النظام. اليوم هذه الحقيقة، مع الأسف، ليست نظرية. في تقريرها لعام 2018 قالت "فريدوم هاوس"، المنظمة الأمريكية غير الربحية الموقرة التي تمولها الحكومة الفيدرالية: "الديمقراطية في أزمة. القيم التي تجسدها - ولا سيما الحق في اختيار القادة في انتخابات حرة ونزيهة، وحرية التعبير، وسيادة القانون - تتعرض للهجوم وتشهد تراجعا على الصعيد العالمي". هذا "الركود الديمقراطي"، كما وصفه البروفيسور دياموند، لا يقتصر على البلدان الناشئة أو الشيوعية السابقة، مثل هنغاريا أو بولندا. الالتزام بمعايير الديمقراطية الليبرالية، بما في ذلك حق التصويت والحقوق المتساوية لجميع المواطنين، يشهد تراجعا حتى في الديمقراطيات الراسخة، بما في ذلك الولايات المتحدة. لماذا حدث هذا؟ في كتاب صدر أخيرا، بعنوان "الشعب مقابل الديمقراطية"، وفي مقالة سابقة، يجادل ياشا مونك، من جامعة هارفارد، بأن كلا من "الليبرالية غير الديمقراطية" و"الديمقراطية غير الليبرالية" تهددان الديمقراطية الليبرالية. بموجب الأولى، الديمقراطية ضعيفة فوق الحد: يتم التضحية بالروابط الاجتماعية والأمن الاقتصادي على مذبح الحرية الفردية. وبموجب الأخيرة، الليبرالية ضعيفة فوق الحد: القوة يسيطر عليها الدهماء الذين يحكمون باسم أغلبية غاضبة أو على الأقل أقلية كبيرة، يقال لها إنها "الشعب الحقيقي". الليبرالية غير الديمقراطية تنتهي إلى حكم النخبة. والديمقراطية غير الليبرالية تنتهي إلى الحكم الاستبدادي. علاوة على ذلك، حجة مونك هي أن الليبرالية غير الديمقراطية، ولا سيما الليبرالية الاقتصادية، تفسر إلى حد كبير صعود الديمقراطية غير الليبرالية: "مساحات شاسعة من السياسة تم تطويقها من قبل المنافسة الديمقراطية". ويشير إلى دور البنوك المركزية المستقلة وإلى الطريقة التي تحكم فيها السيطرة على التجارة من خلال الاتفاقيات الدولية التي أنشأتها مفاوضات سرية تتم داخل مؤسسات بعيدة. في الولايات المتحدة، كما يشير، اتخذت المحاكم غير المنتخبة القرار بشأن كثير من القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل. في مجالات مثل فرض الضرائب، يحتفظ الممثلون المنتخبون بالحكم الذاتي الشكلي. لكن الحراك العالمي لرأس المال يقيد حرية السياسيين، ما يقلل من الاختلافات الفعالة بين الأحزاب القائمة من يسار الوسط ويمين الوسط. إلى أي مدى تعمل مثل هذه الليبرالية غير الديمقراطية على تفسير الديمقراطية غير الليبرالية؟ الجواب هو: أنها تفعل، لكن إلى حد معين. من المؤكد أن الاقتصاد الليبرالي لم يحقق ما كان يرجى منه. الأزمة المالية كانت صدمة قاسية بشكل خاص. أحد أوجه مثل هذه الليبرالية - الهجرة - كما يجادل الكاتب البريطاني ديفيد جودهارت في كتابه "الطريق إلى مكان ما"، أقنع كثيرا من "الناس من مكان ما" – أولئك المرتبطون بمكان ما - أنهم يخسرون بلادهم لمصلحة دخلاء غير مرحب بهم. علاوة على ذلك، المؤسسات التي تمثل الجزء الأكبر من الأشخاص العاديين - النقابات العمالية وأحزاب يسار الوسط - لم تعد موجودة أو توقفت عن أداء دورها. أخيرا تم الاستيلاء على السياسة من قبل "الأشخاص من أي مكان" - المتنقلين والحاصلين على تعليم عال. يقترح توماس بيكيتي أن "برهميا يساريا" و"تاجرا يمينيا" يسيطران الآن على السياسة الغربية. هاتان المجموعتان قد تختلفان بشكل حاد عن بعضهما بعضا، لكن كلاهما مرتبط بالليبرالية - الاجتماعية في حالة البرهميين، والاقتصادية في حالة التجار. الشعب لاحظ ذلك. هناك نقطة مهمة هي أنه إذا قطعت الليبرالية غير الديمقراطية شوطا فوق الحد لمصلحة جزء كبير من جمهور الناخبين، فإن تلك الليبرالية ليست اقتصادية فقط: لا يتعلق الأمر فقط بالليبرالية الجديدة. علاوة على ذلك، ليست لها علاقة تذكر بالمؤسسات الدولية ذات القوة الفائقة، مع استثناء قابل للجدل هو الاتحاد الأوروبي. في الواقع، الازدهار الذي ترغب فيه البلدان ذات الدخل المرتفع يرتبط ارتباطا كبيرا بالتجارة الدولية. هذا، بدوره، ينطوي حتما على أكثر من سلطة قضائية واحدة. المستقبل الذي لا يتضمن التعاون الدولي بشأن قوانين عبر الحدود أو فرض الضرائب لن ينجح. يجب إدراك هذا أيضا. وجهة النظر القائلة إن البعد الاقتصادي لليبرالية غير الديمقراطية يدفع الناس نحو الديمقراطية غير الليبرالية مبالغ فيها. الصحيح هو أن الليبرالية الاقتصادية ذات الإدارة السيئة ساعدت في زعزعة استقرار السياسة. هذا يساعد في تفسير رد الفعل القومي العنيف في البلدان ذات الدخل المرتفع. لكن الديمقراطية غير الليبرالية من النوع الذي نراه في هنغاريا أو بولندا، المتجذر في تاريخ كل منهما، ليست نتيجة حتمية في الديمقراطيات الراسخة. سيكون من الصعب على دونالد ترمب أن يصبح نسخة أمريكية من فيكتور أوربان، رئيس هنغاريا. لكن لا يمكننا ببساطة أن نتجاهل الضغوط. من المستحيل بالنسبة للديمقراطيات أن تتجاهل الغضب العام والقلق المنتشرين على نطاق واسع. يجب أن تشجع النخبة قدرا أقل من الليبرالية، وتظهر المزيد من الاحترام للروابط التي تربط المواطنين ببعضهم بعضا، وتدفع المزيد من الضرائب. البديل عن ترك جزء كبير من السكان يشعرون بالحرمان يعد أمرا خطيرا فوق الحد. هل يمكن تصور إعادة التوازن التي من هذا القبيل؟ هذا هو السؤال الكبير.

مشاركة :