دراسة حول حصانة العضوية بالمادة 16 من اللائحة في منظومة الحصانات والضمانات الدستورية (1-2)

  • 11/11/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كان قرار مجلس الأمة يوم الثلاثاء 30 أكتوبر عدم الموافقة على إسقاط عضوية النائبين د.وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش مفاجئاً للكثيرين وصادماً للبعض، وذلك لعدم حصول قرار الإسقاط على أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس (33 صوتاً)، إذ وافق على إسقاط العضوية 31 عضواً ورفض إسقاطها 29. وقد تبوأت محبة وتقدير النائبين قلوب النواب جميعاً، وهو ما عبر عنه النائب المحترم عبدالله الرومي الذي وافق على إسقاط العضوية، رغم المحبة التي يحملها لزميليه، لأن الأمر يتعلق بالممارسة السليمة للصلاحيات الدستورية، وكل التقدير لأعضاء المجلس المنتخبين الذين قالت أغلبيتهم كلمتها الحاسمة في وجوب الالتزام بأحكام الدستور. ولم تكد عاصفة إسقاط العضوية تهدأ ويزول غبارها، حتى بدأت عاصفة جديدة نشرتها صحيفة «الجريدة» في صفحتها الأولى يوم الخميس 1/ 11 بعنوان «جدل دستوري جديد»، والذي ذكرت تحته أنه «يلوح في الأفق خلاف دستوري جديد بعد تهديد النائب محمد المطير باستجواب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الصباح، إذا ألقي القبض على النائبين المدانين بحكم التمييز». كما طالب البعض بتعديل المادة (16) من اللائحة الداخلية لما تنطوي عليه في رأي هذا البعض من شبهة مخالفة أحكام الدستور. كما تداعى البعض أمام المحكمة الدستورية للطعن على تلك المادة دستوريتها، وعلى الأرجح سوف تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى، لأن تفسير المجلس الذي بنى عليه قراره السالف الذكر بأن للمجلس سلطة تقديرية كاملة، وهو سيد قراره في إسقاط العضوية، يقابله تفسير آخر للمادة ذاتها بأن سلطة المجلس مقيدة في هذا الأمر بالحكم القضائي الصادر بعقوبة جناية بما لا يجوز معه إسقاط الحكم تبعاً لإسقاط العضوية، لأن جوهر استقلال القضاء هو احترام وتنفيذ أحكامه، بما لا يخل بهذا الاستقلال أو بمبدأ الفصل بين السلطات، وقد ترى المحكمة تكييف الدعوى بأنها طعن انتخابي لعدم إعلان المجلس خلو مقعدَي النائبين بصدور الحكم بإدانتهما بعقوبة جناية، وتقضي في الدعوى بخلو المقعدين، وهو حكم سوف يصبح عنواناً للحقيقة الدستورية لن يجادل أحد فيه. ولكن سيظل الجدل الدستوري محتدماً حول ما أثاره الموضوع من قضايا دستورية كثيرة، سنتناولها في هذه الدراسة من منظور دستوري وقانوني لا أملك سوى أدواتهما بعيداً عن أي تحليل سياسي للموضوع أو استخلاص للنتائج منه. ونتناول في هذه الدراسة الموضوع من نواحيه المختلفة في مباحث ثلاثة تبدأ بالمبحث الأول اليوم يليه المبحثان الثاني والثالث غداً إن كان للعمر بقية. المبحث الأول: مدى دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية سمو الدستور حيث يقوم نظام الدولة القانونية ومبدأ المشروعية على تدرج الاعمال القانونية، بمعنى ان القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني، ترتبط ببعضها ارتباطا تسلسليا وأنها ليست جميعا فى مرتبة واحدة من حيث القيمة والقوة القانونية بل تتدرج فيما بينها بما يجعل بعضها اسمى مرتبة من البعض الاخر (تدرج القرارات الادارية ومبدا المشروعية – د. ثروت بدوي- ص 10) فتتحدد مرتبة كل قاعدة بالقياس الى مرتبة غيرها في هذا التدرج، ويتم هذا التحديد تبعا لتدرج السلطة او الهيئة التي تصدر القاعدة، فكلما كانت الهيئة اعلى مرتبة كان لقراراتها قوة أكبر (مبادئ القانون الاداري– د. توفيق شحاتة ط 54 - 55 ص40) ولا يقتصر علو الدستور وسمو احكامه في بناء النظام القانوني الوضعي على المعيار الشكلي او العضوي السابق، بل يسمو الدستور على غيره من قواعد قانونية في هذا البناء على اساس موضوعي هو طبيعة الموضوعات التي يقررها باعتباره القانون الاساسي الاعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الاساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية واساس نظامها، فحق لقواعده ان تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها اسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة بكافة سلطاتها التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من صلاحيات، والدولة فيى ذلك انما تلتزم اصلا من أصول الحكم الديمقراطي، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور (المحكمة الدستورية بمصر جلسة 4/1/1992 - الطعن رقم 27 لسنة 8 قضائية دستورية). لهذا حرص الدستور في المادتين 169 و170 على ان يبسط رقابة القضاء الإداري على مشروعية قرارات السلطة التنفيذية شاملة ولاية الإلغاء والتعويض، في حال مخالفتها للقوانين، كما حرص كذلك في المادة (173) على بسط رقابة القضاء على المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وقد عهدت هذه المادة الى القانون بكفالة حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن امام القضاء في دستورية القوانين واللوائح. لذلك كان الإنجاز التشريعي الأكبر في الفصل التشريعي الحالي هو اقراره للقانون رقم 109 لسنة 2014 بتعديل قانون المحكمة الدستورية الذي اباح للأفراد التقاضي امام المحكمة الدستورية بدعوى اصلية، بعد ان كان اختصاصها قصرا على ما يحال اليها من محكمة الموضوع من تلقاء نفسها او بناء على دفع بعدم دستورية قانون او لائحة، او بالطعن امام لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية على قرارات محاكم الموضوع الصادرة بعدم قبول الدفع بعدم الدستورية لعدم جديته، فانتصف مجلس الأمة من نفسه للمحكمة الدستورية حين اخضع القوانين التي يقرها لرقابة المحكمة الدستورية في نطاق أوسع مما كانت عليه (انظر مقالنا على صفحات «الجريدة» في عددها الصادر بتاريخ 22/6/2014 تحت عنوان: مجلس الأمة ينتصف للمحكمة الدستورية من نفسه». وهو المقال الذي قلت فيه ان مجلس الأمة بإقرار هذا التعديل بموافقة 31 عضوا من أعضاء مجلس الأمة ورفض عضو واحد، وامتناع الحكومة عن التصويت، بسبب التحفظات التي ابداها المجلس الأعلى للقضاء على هذا التعديل يدخل موسوعة غينس لأنه انفرد دون سائر برلمانات العالم بأنه انتصف من نفسه للشرعية الدستورية وللمحكمة الدستورية في المعادلة الصعبة بالتوفيق بين مبدأ سيادة الدستور، الذي تصونه المحكمة الدستورية، ومبدأ سيادة الأمة من خلال ممثليها في المجلس فيما يقرونه من تشريعات. وترتيبا على هذا التعديل استطاع البعض اللجوء الى المحكمة الدستورية من خلال إقامة دعوى اصلية امام المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، كرد فعل «لصدور قرار مجلس الأمة بعدم الموافقة على اسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، والذي كان مفاجئا للكثيرين، وقد تناولته في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان «عود حميد للدكتور وليد..... ويبقى الدستور». ولعل من لجأ الى المحكمة الدستورية بهذه الدعوى، أراد من خلال الطعن بعدم دستورية المادة (16) اسقاط قرار المجلس سالف الذكر بعدم اسقاط عضوية النائبين، دون الطعن فيه امام القضاء ذلك لأن القرار سالف الذكر لا تبسط عليه المحكمة الدستورية رقابتها باعتباره من الاعمال البرلمانية. (حكم المحكمة بجلسة 19/6/1994 في الطعن رقم 2 لسنة 1994)، ولا يبسط عليه القضاء الإداري، قضاء المشروعية أيضا، باعتباره قراراً في شؤون الحكم. المعطية الأولى: اللائحة الداخلية وثيقة دستورية تنص المادة 117 من الدستور على أنه «يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، وتبين اللائحة الداخلية الجزاءات التي تقرر على مخالفة العضو للنظام او تخلفه عن جلسات المجلس او اللجان بدون عذر مشروع». ومؤدى هذا النص أن المشرع الدستوري تخلى عن تنظيم او استكمال تنظيم بعض المسائل التي تعتبر بطبيعتها من المسائل الدستورية، ليفوضها الى مجلس الأمة، لينظمها او يستكمل تنظيمها بقرار منه. والدستور بهذا التفويض يضفي على قرار مجلس الأمة الصادر بتنظيم هذه المسائل الصفة الدستورية، لأن هذا القرار صادر من مجلس الأمة بتنظيمها، وبناء على هذا التفويض يعتبر كأنه صدر من المجلس التأسيسي، وكأنه جزء لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية، هذه هي طبيعة التفويض وهذه هي الاثار التي تترتب عليه بحيث يعتبر القرار الصادر بأداة أدنى كأنه صادر بالأداة التي قررت التفويض. ويذهب جانب من الفقه الدستوري الى أبعد من هذا حتى في غياب تفويض الدستور البرلمان لوضع لائحته الداخلية، إذ يلحق اللوائح الداخلية للمجالس البرلمانية بالدستور، بمعناه الموضوعي أو المادي (أسس القانون الدستوري- د. سعاد الشرقاوي ود. عبدالله ناصف ص 25). وفي شرعية هذا التفويض نسوق ما يلى: 1 - ورد في المذكرة التفسيرية لدستور الكويت أن حظر الدستور نزول أي من السلطات الثلاث عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور، بموجب المادة (50) لا يمنع السلطة التشريعية من تفويض الحكومة بتولي امر معين بالذات، ولظرف خاص يتولاه المشرع بقانون... كما لا يتعارض نص هذه المادة مع قوانين السلطة التامة، حيث تعهد السلطة التشريعية إلى التنفيذية بمواجهة أمر هام معين في جملته... واستناداً إلى هذا التفويض، صدر المرسوم بالقانون رقم 1 ورقم 2 لسنة 1967. 2 - وفي طلب تفسير المادة 114 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة المقيد امام المحكمة برقم 2 لسنة 1981 الذي تقدمت به الحكومة الى المحكمة الدستورية، قررت «الدستورية» بجلستها المعقودة 11/7/1981 في طلب التفسير سالف الذكر أنه لما كانت القاعدة التي أوردتها المادة 114 من القانون رقم 12 لسنة 63 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتي تشترط اغلبية خاصة لرفض المراسيم بقوانين انما تكون قد شرعت على سند من تفويض تشريعي بمقتضى نص المادة 117 من الدستور، وفي نطاق الاستثناء الذي أوردته المادة (97) من الدستور، وبالتالي لا مخالفة فيها للدستور، ويتعين الحكم بدستوريتها. 3 - وفي تطبيق احكام المادة (37) من اللائحة الداخلية باستبعاد الورقة غير الصحيحة من الحضور في انتخابات الرئاسة التي جرت بجلسة 26/10/1996 والتي اعلن فيها رئيس السن فوز النائب احمد السعدون بالرئاسة لحصوله على 30 صوتا من أصوات الحاضرين الصحيحة وقدرها 59، بعد استبعاد ورقة غير صحيحة من الحضور الفعلي 60 صوتا، اعمالا لأحكام المادة (37) من اللائحة الداخلية التي كانت – قبل تعديلها بالقانون رقم 8 لسنة 2007، التي كانت تنص على اعتبار الامتناع عن التصويت والورقة غير الصحيحة غيابا عن الجلسة في حساب الاغلبية المطلقة للحاضرين المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور. وقرر المجلس بجلسته المعقودة بتاريخ 19/11/1996 إحالة طلب تفسير نص المادة 92 الى المحكمة الدستورية، وقد كانت 97 من الدستور، تتطلب لصدور قرارات مجلس الأمة حصول القرار على الأغلبية المطلقة للحاضرين، دون ان تستبعد الامتناع عن التصويت او الورقة غير الصحيحة التي اعتبرتها المادة (37) في حكم الغياب عن الجلسة، وهو ما بنى عليه المرشح المنافس (الرئيس الراحل محمد جاسم الخرافي) اعتراضه على اعلان فوز النائب احمد السعدون بالرئاسة، وما اثاره هذا الاعتراض من جدل دستوري حول شبهة مخالفة المادة 37 من الدستور للمادة (97) من الدستور، قبل التعديل الذي ادخله عليها النائب السابق مشاري جاسم العنجري في رؤيته الشاملة لنصوص اللائحة التي تتطلب الممارسة العملية البرلمانية تعديلها وهو التعديل الذي صدر به القانون رقم 8 لسنة 2007 سالف الذكر. حيث قررت المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 8/1/1997 في طلب التفسير سالف الذكر المقيد امامها برقم 26 لسنة 1996 ان المقصود بالأغلبية المطلقة للحاضرين المنصوص عليها في المادة 92 من الدستور، انما يجري التعرف عليه في ضوء غيرها من المواد المرتبطة، وبخاصة المادتان 97 و 117 من الدستور والمواد 28، 36، 37 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والعبرة في الحضور الذي تحسب على أساسه تلك الأغلبية هي حضور من شارك في التصويت فعلا بشكل إيجابي وصحيح، فتستبعد من حساب الحاضرين الأصوات الباطلة والممتنعة، وهو ما يسري حكمه على الورقة البيضاء التي يعتبر صاحبها ممتنعا عن التصويت، أي بمثابة الغائب عن الجلسة، كل ذلك متى كانت النسبة الدستورية اللازمة لانعقاد المجلس متوافرة والاغلبية المطلقة تعنى اكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة، أيا كان قدر هذه الزيادة، وبناء على ذلك يكون من حصل على ثلاثين صوتا من اصل (59) قد توافرت له الاغلبية المطلقة. وتأسيسا على ما جاء في أسباب قرار المحكمة الدستورية من ان صدور اللائحة بتفويض من الدستور بموجب المادة (117) سالفة الذكر، فإنه استنادا الى هذا التفويض الدستوري وضع مجلس الأمة اللائحة الداخلية الصادرة بالقانون رقم 12/63، والتي تضمنت نظام سير العمل بالمجلس وأصول المناقشة والتصويت الذي يشمل في معناه ويندرج تحت مفهومه التصويت عامة- ما عدا ما هو منصوص عليه في الدستور على وجه الخصوص- سواء كان تصويتا لانتخاب رئيس المجلس او تصويتا على مشروع قانون او قرار، فضلا عن تحديد أسلوب التصويت سواء كان اقتراعا سريا او علنيا. وكان الأهم في أسباب التفسير السابق للمحكمة، ما جاء في أسبابه من انه «وإذ كانت تلك اللائحة صادرة استنادا الى ذلك التفويض الدستوري فقد أضحت مكملة لأحكام الدستور بخصوص وظيفة المجلس التشريعية، وسائر صلاحياته الدستورية، وتغدو وثيقة ذات طبيعة دستورية تأخذ حكم القوانين الأساسية وذلك في حدود التفويض الدستوري. المعطية الثانية: المادة 16 لا تخالف القصور ولا نستند في ذلك الى الطبيعة الدستورية التي اضفتها المحكمة الدستورية، على اللائحة لصدورها بناء على تفويض من المادة (117) من الدستور فحسب، بل لموافقة المادة (16) من اللائحة لأحكام الدستور، بل هي تعبير عن مقاصده. وليس معنى ذلك ان تخالف اللائحة احكام الدستور او ان تتعارض معها، فلا يمكن للسلطة التي تضع الدستور ان تعهد الى سلطة ادنى منها بإهدار الاحكام التي وضعتها بنفسها وارتضتها لإرساء القواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في الدستور. لذلك فإنه يتعين ان توزن احكام المادة (16) من اللائحة الداخلية بميزان اتفاقها او اختلافها مع احكام الدستور، وهو ما سوف نتناوله في هذه المعطية، باعتبار ان تقرير ضمانات في اللائحة الداخلية للنائب عند فقدانه شروط العضوية او فقدانه اهليته المدنية، هو في نطاق التفويض الدستوري المخول للائحة بموجب المادة (117) من الدستور، باعتبار هذه الضمانات تندرج في سائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، التي فوضت فيها اللائحة، فضلا عن تفويض هذه المادة اللائحة بيان»الجزاءات التي تقرر على مخالفة العضو للنظام او تخلفه عن جلسات المجلس او اللجان بدون عذر مشروع»، وقد تشددت اللائحة الداخلية للمجلس في الجزاء على تكرار تخلف العضو عن جلسات المجلس او لجانه الى الحد الذي اعتبرت المادة (25) من اللائحة العضو مستقيلا عند تكرار الغياب بالشروط الواردة فيها. اما المادة (16) من اللائحة فهي على العكس من ذلك لا تقرر جزاء بل تقرر الضمانات الدستورية لحصانة العضو ضد أي عسف او تعسف في اقصائه من عضوية المجلس، في حال فقدانه شرطا من شروط العضوية، او فقد اهليته المدنية. فالمادة (16) بالضمانات الدستورية التي قررتها لحصانة العضوية تأتي استكمالا للضمانات الدستورية في الحصانة النيابية وغيرها، الامر الذي يجب ان تؤخذ معه هذه الحصانات جميعا سواء تبوأت موقعها في الدستور، او في اللائحة باعتبارها متكاملة ومترابطة فيما تحمله من معان، ولو كان لكل نص من نصوصها مضمون محدد يستقل به عن غيره من نصوص المنظومة، إنما هو استقلال لا يعزلها عن بعضها، بل يقوم منها في مجموعها ذلك البنيان الكامل في حماية النائب من اي عسف أو تعسف قد يقصيه عن ممارسة مسؤولياته الدستورية، وقد يصل هذا العسف أو التعسف إلى اقصائه عن عضوية المجلس التي اكتسبها بثقة الناخبين، فأصبح باكتسابها يمثل الامة بأسرها (المادة 108) من الدستور. فالمادة (16) من اللائحة الداخلية طائر في سرب الضمانات الدستورية ورافد في نهرها، ولا يجوز الحديث عن الطائر دون الحديث عن سربه كما لا يجوز الحديث عن الرافد دون الحديث عن نهره. وهو ما سنتناوله فيما يلي: أولا- منظومة الضمانات والحصانات الدستورية يحفل الدستور بنصوص دستورية تكفل للنائب ضمانات دستورية منذ انتخابه وخلال القيام بمسؤولياته الدستورية وحتى انتهاء الفصل التشريعي، فقد عهد الدستور الى المجلس الفصل في صحة انتخاب أعضائه، ولا يعتبر الانتخاب باطلا الا بموافقة اغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس (ماده 95) قبل ان ينعقد اختصاص المحكمة الدستورية بها اعمالا لأحكام هذه المادة التي اجازت ان يعهد بهذا الاختصاص الى جهة قضائية. ولا يجوز في غير دور الانعقاد، في غير حالة الجرم المشهود، ان تتخذ نحو العضو اجراءات التحقيق او التفتيش او القبض او الحبس او أي اجراء جزائي اخر الا بإذن المجلس (111). كما عهد الدستور الى المجلس بقبول استقالة أعضائه (مادة 96)، اى ان مجلس الأمة وبقرار منه يكون حاضنا للضمانات المقررة لعضوية المجلس ولكافة الحضانات النيابية. وفي ممارسة العضو لمسؤولياته الدستورية يحفل الدستور بالضمانات، فلا سلطان لأي هيئة على العضو في عمله بالمجلس او لجانه (108) ولا تجوز مؤاخذة العضو على الآراء والافكار التي يبديها في المجلس او لجانه (110). وينأى الدستور كذلك بالعضو عن تعارض المصالح في المواد 119، 120، 121، 122، وهي منظومة متكاملة من الضمانات الدستورية تصاحب العضو منذ توليه عضوية المجلس حتى انتهاء الفصل التشريعي وتحميه من اي عسف او تعسف يحد من رقابته البرلمانية ومن مسؤولياته التشريعية. ويجيز الدستور إعادة انتخاب العضو بعد انتهاء الفصل التشريعي، وجريان الانتخابات لفصل تشريعي تالٍ (مادة 83). وانطلاقا من هذه الضمانات واستكمالا لها جاءت المادة (16) من الدستور لتضيف الى هذه الضمانات والحصانات حصانة العضوية، لتصبح جزءا من هذه المنظومة الدستورية، وهي بدورها تعهد الى مجلس الامة بالتحقق من فقدان النائب لعضويته للأسباب التي حددتها بقرار يصدر من المجلس حيث يحظر اسقاط العضوية الا بموافقة اغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، اعمالا للمادة (3) من اللائحة التي تنص في فقرتها الثانية على ان «تثبت صفة النيابة للعضو من وقت إعلان انتخابه حتى نهاية مدة المجلس ما لم تزل عنه تلك الصفة قبل ذلك». فالأمر لا يتعلق باختصاص مقرر لمجلس الأمة إذا انفردت رئاسة المجلس بالأمر كله ودقت الرئاسة بمطرقتها لإعلان خلو محل أحد الاعضاء بسبب سقوط عضويته اعمالا لأحكام المادة (18) من اللائحة الداخلية التي توجب على رئيس مجلس الوزراء فورا إبلاغه بهذا الخلو لانتخاب عضو اخر وفقا للمادة (84) من الدستور، بل بالضمانات الدستورية للنائب في ممارسة واجباته ومسؤولياته، في الذود عن حريات الشعب وامواله التي اقسم عليها (م91)، بل يتعلق بالإخلال بمنظومة كاملة ومتكاملة من الضمانات الدستورية لعضو مجلس الامة، وردت في نصوص كل من الدستور وقانون الانتخاب واللائحة الداخلية لمجلس الأمة. وهو ما قد يؤدي تخلفه الى الاستبداد فى دار الديمقراطية ومحرابها، عندما تنفرد الرئاسة بقرار اسقاط العضوية، في الحالات التي حددتها المادة (16) من اللائحة الداخلية لإسقاط العضوية، لأنه لا يمكن ان تتساوى هذه الحالات مثلا مع وفاة العضو التي تؤدي الى خلو مقعده وإعلان الرئيس خلوه وما توجبه عليه المادة (18) من اللائحة من وجوب ان يبلغ رئيس مجلس الوزراء فورا بهذا الخلو لانتخاب عضو آخر، وفقا لأحكام المادة (84) من الدستور. ثانيا - حصانة العضوية ونقتصر في هذه الدراسة على حصانة العضوية، لما يتردد الآن في الشارع السياسي بل وبين المتخصصين من رجال القانون من ان هناك شبهة في مخالفتها لأحكام الدستور، وما يردده البعض من وجوب تعديل احكامها لتقليص دور مجلس الأمة في اسقاط العضوية. وهي الحصانة التي يتمتع بها عضو مجلس الامة في الحفاظ على عضويته في مواجهة اى عسف او تعسف يؤدي الى إقصائه من عضوية المجلس، وهو ما يحدث في بعض المجالس التشريعية في الدول النامية التي يكون للحكومات فيها أغلبية كبيرة في هذه المجالس، عندما تقصي هذه الاغلبية من طريقها رموز المعارضة وقادتها. والبين من استعراض احكام هذه المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الامة انها احاطت عضوية النائب في المجلس بسياج من الضمانات هي: الضمانة الأولى: قصر اسقاط العضوية على حالات حددتها المادة ( 16) على سبيل الحصر، دون ان تترك للمجلس اي تقدير في اضافة حالات اخرى فيما نصت عليه من انه: «اذا فقد العضو احد الشروط المنصوص عليها في المادة ( 82) من الدستور او في قانون الانتخاب او فقد اهليته المدنية....». وهي حالات يقتصر دور المجلس فيها على التحقق من وجودها المادي، ومع ذلك احاط الدستور اسقاط العضوية فيها بالضمانات التالية ايضا. الضمانة الثانية: ما تنص عليه المادة (16) من إحالة الرئيس الأمر الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، لتقدم تقريرها الى المجلس خلال أسبوعين على الأكثر من احالته اليها، ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسة تالية، تقديرا من المشرع لخطورة استمرار العضو في ممارسة مسؤولياته الدستورية وهو فاقد لعضوية المجلس، وقد يرجح صوته قانونا او طرحا للثقة، فسرعة البت في اسقاط العضوية امر ضروري. الضمانة الثالثة: ما تنص عليه المادة (16) في فقرتها الاخيرة من انه: «لا يكون اسقاط العضوية الا بموافقة اغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس»، وهي أغلبية خاصة تشددت فيها اللائحة، كما استخدمت اللائحة في هذا الحكم صيغة النهي، وهي اشد واقوى من صيغة الوجوب او الأمر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه». الضمانة الرابعة: وجوب ان يكون التصويت في هذه الحالة بالنداء بالاسم. الضمانة الخامسة: يجوز للمجلس ان يقرر جعل التصويت سريا، تأسيا بالمداولة السرية في اصدار الأحكام القضائية، رفعا للحرج عن الاعضاء. وللمجلس أيضا استخدام الرخصة المخولة له في المادة (94) بعقد الجلسة سرية بناء على الحكومة او رئيس المجلس او عشرة أعضاء وتكون المناقشة في هذا الطلب في جلسة سرية. الضمانة السادسة: سماع دفاع العضو. وهو ما توجبه المادة (16) على اللجنة التشريعية والقانونية، إن امكن ذلك، فقد يكون العضو رهن الحبس تنفيذا للحكم القضائي.وللعضو أيضا طبقا لأحكام هذه المادة ان يبدي دفاعه، على أن يُستبعد من التصويت على قرار العضوية. ثالثاً- حالات إسقاط العضوية ونقتصر في هذا السياق على الضمانة الاولى، وهي الضمانة التي استهلت بها المادة (16) من اللائحة الداخلية احكامها فيما تنص عليه من انه «إذا فقد العضو احد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور او في قانون الانتخاب او فقد اهليته...»، وتنص المادة (82) من الدستور على انه يشترط في عضو مجلس الأمة «أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب...». وتنص المادة (2) من قانون الانتخاب في فقرتها الأولى على انه «يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية او في جريمة مخلة بالشرف او الامانة الى ان يرد اليه اعتباره». ومؤدى ذلك ان فقدان العضوية مقصور، طبقا لأحكام المادة (16)، على ثلاث حالات هي: 1 - الحكم الصادر بعقوبة جناية. 2 - الحكم الصادر في جريمة مخلة بالشرف او الامانة. 3 - فقدان الاهلية المدنية. وهي ضمانه جوهرية واساسية في حماية حصانة العضوية حتى لا يؤدي هذا التحديد والحصر الى ما يحدث في بعض التجارب الديمقراطية الأخرى في بعض الدول من تعسف في اسقاط العضوية، حين يتصور البرلمان أنه سيد قراره في اقصاء من يراه بسبب تصرف صدر من احد الأعضاء، مهما كانت تفاهته، سببا لإسقاط العضوية. حيث تتوسع هذه الانظمة في إسقاط العضوية عن النائب الى حد ان البرلمان التركي في فترة الحكم التي كان الجيش يسيطر فيها على كل مفاصل الدولة، حال البرلمان دون اداء نائبة اليمين الدستورية بعد فوزها في الانتخابات لإصرارها على عدم خلع الحجاب، وهو ما لا يمكن ان يحدث في احدى الدول الغربية التي تتبوأ فيها امرأة مسلمة مقعدا في البرلمان. كما اسقط البرلمان المصري عضوية احد نوابه في عام 1943، لأنه وزع منشورات في جميع ارجاء البلاد ينتقد فيها مجلس النواب. وأسقط البرلمان المصري في مساء الجمعة 14/5/1971 العضوية عن رئيس المجلس ووكيليه وخمسة عشر من اعضائه عقب اقصاء اقطاب نظام الحكم قبل تولى الرئيس السادات رئاسته، والذين احيلوا الى القضاء لاتهامهم بتدبير مؤامرة ضد الرئيس الراحل محمد انور السادات، وكان القرار بإجماع 263 عضوا، والسبب موالاة أعضاء البرلمان لمن تجرى محاكمتهم في المؤمراة. كما أسقط مجلس الشعب في 14/2/1977 عضوية كمال الدين حسين، لأنه ارسل برقية الى رئيس الجمهورية يقول له فيها «اتق الله» فأصبحت ذات الرئيس مصونة لا تمس. وأسقط مجلس الشعب عضوية النائب عاشور محمد نصر، لأنه ابدي اراء في مناقشات المجلس بجلسة 27/3/1978 حول ازمة رغيف الخبز، فاعتبرها المجلس مساسا به. واسقط المجلس عضوية النائب ابو العز الحريري في 2/6/1977 لقيادته مظاهرة، باعتبار ذلك اخلالا بواجبات وظيفته، بالرغم من ان المحكمة افرجت عنه دون ضمان. وأسقط المجلس بتاريخ 20/9/1978 عضوية النائب عبدالفتاح حسن، لسابقة تقلده منصبا وزاريا وقت ان كان منتميا لحزب من الأحزاب قبل ثورة 23 يوليو وكان قد صدر القانون رقم 33 لسنة 1987 بحماية الجبهة الداخلية، والذي يحرم العضو في هذه الحالة من الحقوق السياسية. وفي فترة حكم الرئيس مبارك اسقط المجلس عضوية النائب احمد فرغلي بتاريخ 12/8/1981 لأنه اتهم الحكومة في مؤتمر صحفي بأنها تدبر حملة لاغتيال خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي. كما أسقط المجلس بتاريخ 22/8/1981 عضوية النائب طلعت رسلان لقيامه بجذب وزير الداخلة من سترته محاولا الاعتداء عليه خلال رد الوزير على الاستجواب الموجه له، وكان نواب المعارضة بمن فيهم رسلان قد اعترضوا على عرض الوزير لتسجيلات مكالمات تلفونية لرئيس حزب الوفد الراحل فؤاد سراج الدين في الرد على الاستجواب احتراما لحق الخصوصية، التي انتهكها الوزير بهذه التسجيلات. كما أسقط العضوية عن النائب محمد السادات ابن اخي الرئيس الراحل، لإرساله رسالة الى الاتحاد البرلماني الدولي عن غير طريق المجلس. ******* ويتبع غداً بالمبحثين الثاني والثالث. لماذا لم ترد هذه الضمانات في الدستور؟ تساؤل مشروع... لماذا وردت هذه الضمانات في المادة 16 من اللائحة ولم ترد في الدستور، خصوصا أن قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 نص في المادة (50) على أن «تسقط العضوية عن مجلس الأمة إذا فقد أحد الشروط المشترطة في العضو أو تبين له أنه فاقدها قبل الانتخاب، ويعلن سقوط العضوية بقرار من المجلس». وقد وافق المجلس التأسيسي على كل من الدستور وقانون الانتخاب، دون فاصل زمني بينهما، فقد صدر الدستور في 11/11/1962، وصدر قانون الانتخاب في 12/11/1962. واعتقد ان مجلس الامة حين وافق بعد أقل من ستة أشهر على اللائحة الداخلية لمجلس الامة، التي صدر بها القانون رقم 12 لسنة 1963، قد استدرك ما فات الدستور في مسألة حصانة العضوية ذاتها، خاصة وقد كان جميع أعضاء المجلس التأسيسي عدا الرئيس أعضاء في اول فصل تشريعي لمجلس الامة. وهو استدراك شبيه بالاستدراك اللائحي ما فات الدستور في المادة (117) عندما نص على أن «يضع مجلس الامة لائحته الداخلية...» اي يضعها بقرار من المجلس، إلا أنه عند اقرار مجلس الامة للائحته الداخلية فقد اقرها بقانون ليستدرك ما فاته من أن وضعها بقرار كان سيوقع النظام القانوني في مأزق دستوري لان اللائحة تصطدم بكثير من القوانين المدنية والتجارية والجزائية، فلابد أن تكون في مرتبة هذه القوانين لتعتبر قيدا عليها باعتبارها أحكاما خاصة. لذلك، وللنأي باللائحة عن التعارض مع القوانين سالفة الذكر، قرر الخبير الدستوري د. عثمان خليل ان بعض نصوصها قد تكون مخالفة للقانون المدني او مخالفة للقانون الجزائي او مخالفة للقانون التجاري، فإذا صدرت بقانون فتكون مغطاة، وضرب الخبير الدستوري مثلا لذلك بالحصانة النيابية للاعضاء، فلو كانت اللائحة الداخلية صادرة بقرار فيرد على النص الخاص بالحصانة مخالفته لقانون الجزاء (مضبطة مجلس الامة الثامنة ص85). وقد كانت الحصانة النيابية للاعضاء واردة في المادتين 110، 111 من الدستور، ولم تكن غائبة عن نصوص الدستور عندما اقر المجلس التأسيسي المادة 117 من الدستور، والدستور أعلى مرتبة من كل القوانين، الا ان اصدارها بقانون بالمخالفة للنص الدستوري كان استدراكا من مجلس الامة لتفعيل أحكام الدستور فيما تضمنته اللائحة من احكام خاصة بالحصانة النيابية وغيرها، لانه لا تثريب على الدستور ان يخالف القانون لانه اعلى مرتبة منها، اما اللائحة فإن صدورها بقرار من المجلس سيضعها في مرتبة ادنى من مرتبة القوانين، فلن تتمتع بكونها احكاما خاصة تقيد الاحكام العامة في القوانين، لانها ادنى مرتبة من هذه القوانين إذا كانت أدنى مرتبة من هذه القوانين. تخلف ضمانات المادة 16 في تجارب الدول الأخرى حالت التجارب الأخرى في بعض الدول دون أداء نائبة في البرلمان التركي اليمين الدستورية لعدم خلعها الحجاب في فترة الحكم العسكري وأسقطت عضوية كمال الدين حسين في البرلمان المصري لانتقاده رئيس الجمهورية، كما أسقطت عضوية النائب عاشور محمد نصر بسبب إبدائه رأياً في مناقشات مجلس الشعب.

مشاركة :