القراءة الثالثة: قراءة قانون المحكمة الدستورية للمادة (95) قرأ المشرع المادة 95 قراءة سليمة، وفهمها فأتقن فهمها عندما أراد أن يعهد باختصاص مجلس الأمة بالطعون الانتخابية المنصوص عليه في هذه المادة إلى جهة قضائية، فحرص على أن يعهد إلى المحكمة الدستورية، بالاختصاص بالفصل في صحة العضوية بالإضافة إلى الطعون الانتخابية، فيما نصت عليه المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية من أنه "تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة (أو) بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزما للكافة ولسائر المحاكم". ومؤدى هذا النص فيما يخص حصانة العضوية المنصوص عليها في المادة (95) من الدستور، أن اختصاص المحكمة الدستورية ليس قصراً على الطعون الانتخابية في نتائج الانتخابات البرلمانية، بل يمتد إلى الفصل في صحة العضوية، سواء كان الفصل في صحة العضوية بمناسبة طعن انتخابي في الانتخابات العامة أو بمناسبة فقدان العضو شرطاً من شروط العضوية يتمخض عن طعن انتخابي في عدم إسقاط المجلس لعضويته رغم فقدانه هذا الشرط، وما يستتبع ذلك من عدم إعلان المجلس خلو مقعده، أو طعن انتخابي من العضو الذي أسقطت عضويته تعسفاً أو بالمخالفة لأحكام الدستور، وما يستتبع ذلك من الإعلان عن خلو المقعد، وهو لا يزال مستحقاً للعضوية. ويعزز اختصاص المحكمة الدستورية بالمراحل المتعاقبة سواء السابقة على إجراء الانتخاب أو اللاحقة لإجرائه ما يلي: 1- «فاقد الشيء لا يعطيه» إن ما عهدت به المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية إلى مجلس الأمة بالفصل في صحة عضوية أعضائه يؤكد بلا جدال أن هذا الاختصاص كان معقودا لمجلس الأمة بموجب المادة 95 من الدستور، لأن اختصاص المحكمة بهذا الأمر إنما تستمده من أحكام هذه المادة التي نصت على أنه يجوز أن يعهد باختصاص مجلس الأمة المنصوص عليه في هذه المادة إلى أي جهة قضائية و"فاقد الشيء لا يعطيه". 2- استقلال الفصل في صحة العضوية إن قانون إنشاء المحكمة الدستورية ذاته قد فصل بين اختصاصها بالفصل في الطعون الانتخابية، واختصاصها بالفصل في صحة العضوية استقلالا، عندما لم يعطف الاختصاص الأخير على الاختصاص الأول، فلم يستخدم بعد "الفصل في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة" (و) "الفصل في حصة عضويتهم"، بل استخدم (أو) "الفصل في صحة عضويتهم"، ومن المعلوم لغة وفي أصول تفسير النصوص التشريعية أن (و) تعني العطف على الحكم الأول أما (أو) فتعني استقلال كل حكم بمضمونه. 3- عدم الحاجة إلى نص تشريعي ولعل ما يؤكد هذا الاستقلال كذلك أن اختصاص المحكمة بالفصل في صحة العضوية لدى نظرها الطعون في نتائج الانتخابات البرلمانية ليس في حاجة إلى نص تشريعي يقرره، لأنه مستفاد من اختصاصها الأصلي بالطعون الانتخابية، ولهذا وردت كل النصوص التي تنظم الفصل في الطعون الانتخابية- كما أسلفنا– في اللائحة الداخلية تحت مسمى "الفصل في صحة العضوية"، لأن هذا الفصل الأخير، من لزوم اختصاصها بالفصل في الطعون الانتخابية، وهي ليست في حاجة إلى نص تشريعي يقرره لها، لأن الفصل في صحة العضوية من ناحيه توافر شروطها مسألة أولية قبل الفصل في صحة انتخابه لأن على المحكمة أن تتحقق من توافر شروط العضوية في المطعون على انتخابه، إذا دفع أمامها بذلك، قبل أن تتحقق من سلامة العملية الانتخابية وما شاب إجراءاتها من مخالفة للقانون. 4- تفسير المادة (82) من الدستور إن المادة (82) من الدستور فيما نصت عليه من شروط يتطلبها الدستور في عضو مجلس الأمة لم تقصر هذه الشروط على المترشح للانتخابات، فيقتصر أثر تخلفها على بطلان انتخابه، بل نصت المادة على أنه "يشترط في عضو مجلس الأمة: أ- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون. ب- أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. جـ- ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية. د- أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها". فكل هذه الشروط هي شروط ابتداء واستمرار في العضوية، فقد يفقد الكويتي أثناء عضويته جنسيته الأصلية إذا تجنس مختارا بجنسية أجنبية، وقد يحرم في هذه الأثناء من حق الانتخاب بحكم جزائي نهائي باتّ أنزل به عقوبة الجناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة. وقد يثبت بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية وبعد ثبوت عضويته في الطعن الانتخابي، أنه عاجز عن القراءة والكتابة أو أنه كان في يوم الانتخاب أقل من السن التي حددتها المادة (82) من الدستور للرشد النيابي، وأنه ارتكب غشا أو تزويرا في هذا الأمر، حتى لو كان قد استكمل السن المحددة دستوريا أثناء عضويته في المجلس، لأن التزوير أو الغش يفسد التصرفات جميعا والانتخابات أيضا. 5- تفسير النصوص الدستورية باعتبارها وحدة واحدة فلا يجوز في التفسير عزل النصوص عن بعضها، وتفسير المادة 95 من الدستور كما لو كانت هائمة في فراغ، بل يجب أن تفسر كل نصوص الدستور على أنها وحدة واحدة خاصة بالنسبة الى الحصانات البرلمانية وبالمادة (82) من الدستور والمادة (84). القراءة الرابعة: قراءة المحكمة الدستورية للمادة 95 من الدستور في حكمها الصادر بجلسة 28/ 10/ 2009 في الطعن رقم 20 لسنة 2009، وفي حكمها الصادر في الجلسة ذاتها في الطعن رقم 22 لسنة 2009. في الطعن الأول المرفوع ضد النائبتين السابقتين أسيل العوضي ورولا دشتي، ببطلان انتخابهما لمخالفتهما أحكام القانون رقم 17 لسنة 2005 الذي سمح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية، مشترطا في ذلك التزامها بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية، والتي تلزمهما بالحجاب وإخفاء زينتهما عن الرجال من غير محارمهما، فدفعت النائبتان السابقتان بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطعن، لأنه لا يتعلق بعملية الانتخاب بمعناه الغني الدقيق من تصويت وفرز وإعلان النتيجة، وأنه يتمخض عن طلب بإسقاط العضوية مما ينحسر الأمر فيه عن اختصاص هذه المحكمة، وينعقد لمجلس الأمة، فكان رد المحكمة على هذا الدفع هو رفضه على سند مما قالته المحكمة في أسباب طعنها بأن مجلس الأمة لا يستأثر بشؤون أعضائه إلا بعد التثبت من سلامة إجراءات عملية الانتخاب وصحة إسباغ صفة العضوية على من أعلن فوزه في الانتخابات. كما قضت في الطعن رقم 22 لسنة 2009 برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطعن بمقولة إنه لا يتعلق بعملية الانتخاب، بل ينصرف إلى شروط العضوية في الترشح في الانتخابات وهي مرحلة سابقة على عملية الانتخاب مما ينحسر عن اختصاص هذه المحكمة الفصل فيها. وجاء في الأسباب التي أقام عليها حكم المحكمة قضاءه برفض الدفع بعدم اختصاصها واختصاصها بنظر الطعن "بأن اختصاصها منوط في الأساس بخوض المرشح الانتخابات وهو مستوفٍ لجميع شروط الترشيح... وأن العضوية في مجلس الأمة أساسها إرادة الناخبين... فإذا سمح للمرشح بخوض الانتخابات وهو فاقد لشرط من شروط الترشيح سواء لأسباب سابقة أو معاصرة لعملية الانتخاب، فإن إرادة الناخبين في هذه الحالة تكون قد وردت على غير محل صالح للتصويت والاقتراع عليه، ولا يكون إعلان نتيجة الانتخابات بفوزه فيها متضمنا إعلانا عن إرادة الناخبين. ومع ذلك فليست هناك سلطة مطلقة، بل يتقيد اختصاص المجلس بكل المبادئ الدستورية التى حاد عنها القرار الصادر من المجلس في 30/ 10/ 2018 برفض إسقاط عضوية النائبين، والتي كشف عنها حكم المحكمة الدستورية.
مشاركة :