لا يقاس نجاح الأطفال في مراحل التعليم الأولى بالتفوق والحصول على درجات عالية كهدف نهائي للتعليم، بل تحتاج كل عملية ناجحة إلى أساليب تربوية ناجحة، وتطوير للنظريات العلمية لكي يمكن الوصول إلى تعليم ينمي شخصية الطفل ويستفيد من قدراته، ويمنح أسرته فرصة لجني ثمار تعبها وجهودها. نادية النشار القاهرة – يكون المعلم مفتاحاً رئيسياً للعلم ودعم الثقة وتحمّل المسؤولية وتهذيب السلوك في مرحلة التعليم الأولى بالنسبة للصغار، ومن بين أدواره تحفيز الإبداع لدى الطفل وتعليمه كيفية التعامل مع البيئة، وهذا ما يشترط أن يكون المعلم مدركا لجميع أدواره ومتحمسا لأداء مهمته، ويشجع التلاميذ، ويساعدهم على الارتباط بالمكان، ويوقظ تفكيرهم وقدراتهم، ويعدّهم لرؤية شاملة في الحياة. قدمت دينا ناصف، معلمة مادة التربية الفنية في إحدى مدارس القاهرة، تجربة في تعليم الأطفال وتحفيزهم على الدراسة، وطبقت دراستها وطورتها لتؤدي دوراً تربوياً ملهماً لكثير من الأسر المصرية، وأصبحت نموذجا محببا للأطفال الذين تعاملوا معها وتعرّفوا على طريقتها الجذابة في الكشف عن المواهب. وتخرجت دينا من كلية التربية الفنية منذ ثمانية أعوام، وتعلمت أن المناهج التربوية لا بد أن تدعم التلاميذ، وتحرك السلوك الإنساني نحو الإبداع عبر أدوات تشويقية، وأدركت أن تعميم هذه التجربة من الممكن أن يقود إلى تحسين مستوى كثير من الأطفال الذين بحاجة إلى ترسيخ الثقة في قدراتهم، وأن لديهم ملكات جيدة، حتى لو كانت محدودة، فتطويرها مهمة ضرورية. وتقول إحدى الأمهات “عملت دينا معلمة بمدرسة ابنتي في المرحلة الإعدادية، وهي مرحلة الدراسة المتوسطة، وحين لم تقتنع ابنتي برسمتها للأشجار ومزقتها وألقت بها في سلة المهملات، أخذت معلمتها الورق الممزق وجمعته ولصقته وأعادته تقريبا إلى شكله الأول". ولم تخبر المعلمة الطفلة، وتقدمت بالرسمة إلى لجنة تحكيم، فإذا باللوحة الممزقة تفوز، وتسلمت التلميذة جائزتها بعد فوز لوحتها بالمركز الأول، بينما فازت المعلمة بمكانة في قلوب الأطفال وأولياء الأمور وجميع الأسر التي سمعت قصتها. التعليم والفن يمكنهما المساهمة في حل المشكلات الاقتصادية للأسرة المصرية، وتجاوز الكثير من العقبات التي تعتريها لتربية أطفالها، فتنمية الحس الفني لدى الأم يقود إلى غرسه في نفوس الأطفال يستطيع المعلم أن يقدم نموذجا للتفتح والتفهم واحترام التلميذ، بتوظيف المعرفة واعتمادها كأساس للإبداع، ومفتاح التربية الفنية يكمن في اكتشاف قدرات المتعلم علـى التواصـل مع مجتمعه، والإحساس باحتياجاته وفهم ثقافته، واستثمار مؤهلاته في التفكير الإبداعي لحل مشاكله، وهنا يكمن وجه الاختلاف بين المعلمين، فمنهم الذين يدخلون الفصول لوضع قائمة مشتريات لمنتجات باهظة الثمن ويتصوّرون أنهم قاموا بواجباتهم. وتقول دينا ناصف في حديث لـ”العرب”، “آمنت بأن نقل الخبرات عملية تساهم في تأصيل سلوك الإنسان وتوطد ارتباطه ببيئته وبموروثاته، وتساعد على تكوين نظرته الخاصة للحياة وتساعده على الإبداع، لتبني شخصية سوية وفاعلة، وليست متخاذلة، ما يخفّف المعاناة عن الكثير من الأسر”. وحصلت المعلمة على درجة الماجستير في تطوير نظريات التعليم، وكانت رسالتها بعنوان “نظريات البيداغوجيا المعاصرة مصدر لإعداد طلاب كليات الفنون وتأهيلهم لسوق العمل”، ونجحت في تحقيق التوازن بين الأهداف الخاصة والعامة، وطبّقت الكثير من مفاهيم البيداغوجيا على أسر مصرية. ويحمل مفهوم البيداغوجيا في حد ذاته دور المعلم وهو مكوّن من كلمتين الأولى “بيد” وتعني الطفل والثانية “أغوجي” وتعني القيادة والإرشاد ومرافقة الأطفال، والبيداغوجي فهو الشخص الذي يرافق الطفل في طريقه إلى التعلم، ويتلقى العلم معه ويستوعبه ليقوم بعد ذلك بتمرير المعلومة للطفل، يعني يمكن أن نسميه المربّي المصاحب للطفل، وهو الذي يساعد الأسرة في حسن رعايته. ارتبطت البيداغوجيا بتهذيب الخُلق والسلوك القويم، بينما اقتصر التعليم الحالي على التحصيل المعرفي فقط، وهي نظرية تنطوي على رؤية شاملة لكل ما يفعله المعلم للتأثير في الآخرين. ابداع وتضيف دينا أنها لم تتعلم وتدرس ليقبع العلم حبيس النظريات، بل درجت على اصطحاب الأطفال إلى الأماكن المفتوحة ليرفهوا عن أنفسهم وتتكون أحاسيسهم تجاه ما يحيط بهم ويستفيدون من الفضاء العام في تكوين صورة رحبة للعالم، وهو ما يستوجب على أسرهم تنميته باستمرار. وترى أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الأسر والمجتمعات يمكن أن تخفف حدتها من خلال تقديم حلول إبداعية، لذلك صنعت مع تلاميذها من مخلفات البيئة لوحات متنوعة، واستخدمت معجون ورق الجرائد والزجاجات الفارغة والخيوط والمعادن لتطوير قدرات الأطفال، مؤكدة “إذا وجد هؤلاء الرعاية ذاتها من أسرهم بعد انتهاء اليوم الدراسي أو في فترة الإجازات، سوف يكون لهم شأن آخر، ومرونة في التعامل مع الآخرين". وتُعدّ ناصف رسالة دكتوراه عن الصناعات الثقافية الإبداعية كمصدر لتنمية المرأة المعيلة، وتجوب محافظات مصر، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، لتصنع نموذجاً للمرأة وأثرها في المجتمع وتكوين الأسرة، وتعلمهن صناعة الورود والتطريز والمنتجات الفنية من الزجاجات الفارغة، علاوة على الرسم على القماش القديم واستخدام بواقي الخشب. وتسعى المعلمة الشابة لإثبات أن التعليم والفن يمكنهما المساهمة في حل المشكلات الاقتصادية للأسرة المصرية، وتجاوز الكثير من العقبات التي تعتريها لتربية أطفالها، فتنمية الحس الفني لدى الأم يقود إلى غرسه في نفوس الأطفال، ويفضي إلى راحة في التعامل معهم، وبالتالي توفير درجة عالية من الهدوء داخل الأسرة. وتهدف دينا من وراء تجربتها مع الأطفال والأسرة بشكل عام إلى تحقيق التوازن بين المعنوي والمادي، لتؤكد أن الأحاسيس والإبداعات قد تكمن في خامات مهدرة، وهي تؤمن أن الطفل يولد بملكات وقدرات على الإبداع، ويعتمد تطويرها على التدريب والممارسة، ليساعد الفن في بناء اقتصاد العائلة، وسد حاجاتها بطريقة مبتكرة، توفر المال وراحة البال لجميع أفراد الأسرة. وتحرص على مساعدة الأسر والسيدات على تسويق إبداعاتهنّ في المعارض المحلية، وتشجع المتدربات على تسويق منتجاتهن عبر الإنترنت، فالإبداع لديها أداة تساعد الأسرة على مواجهة مشاكلها المعيشية. وتشير ناصف إلى أن الإبداع مبادرة تجعل صاحبها، يخرج من طابور تتساوى فيه الرؤوس ليحلق مرتفعا ويبدع حلولا وأفكاراً لمجتمع وأسرة أفضل. وحقق إنتاج المبدعين من الأطفال والنساء حالة من الرضا والسعادة، وكان ذلك جزءا من حل المشكلات وسد الاحتياجات لتتشابك تجربة دينا ناصف مع المجتمع، فتقاوم الضغوط باتجاه محدد وعطاء منظم، وهي تأكيد على قدرات الأطفال وربات البيوت أيضا على الفعل والتأثير والتطوير، ما يصب في النهاية ضمن حصيلة الأسرة، التي تكتشف أنها تملك قدرات، إذا جرى استثمارها جيدا سوف تؤدي إلى جني الكثير من الثمار بما يتجاوز حدود الطفل إلى جميع أفراد الأسرة. مصر
مشاركة :