لماذا يدفع العراقيون ثمن دخول الصغار لنادي الكبار

  • 11/13/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لماذا يدفع العراقيون ثمن دخول الصغار لنادي الكبارزعامات سنية جديدة مدعومة من قطر تشتغل في غرفة واحدة مع خصوم الأمس من الزعامات الشيعية الموالية لإيران. أنتجت تفاهمات قطر وإيران إضافة إلى رضا تركيا رئاسات البرلمان والجمهورية والوزارة.في داخل العراق يتشكل جيل جديد من الزعامات السنيةسلّم القرن الماضي للقرن الحالي تبعات موروث عظمة الكبار الذين أنتجتهم الملايين من ضحايا البشرية في الحربين العالميتين وما بعدهما، حيث أصبح القرن الحالي لا يدار بقوة واحدة أو قوتين وإنما من قبل عائلة التحكم الاقتصادي بتراتبيات متفاوتة ومواليها من ذوي الأحجام الصغيرة في منطقتنا الذين اكتشفوا أنه بالإمكان أن تطلق عليهم عناوين الأقوياء، حتى وإن لم يمتلكوا الحدود الدنيا من مواصفات الكبار التاريخيين طالما تفيض أموالهم ولا يعرفون أين ينفقونها، فلماذا لا تستثمر في ميدان النفوذ السياسي واللعب على قضايا الشعوب المقموعة، بل إن الكبار أصبحوا يطلبون ودّهم ورضاهم وخدمة تطلعاتهم الصبيانية. وصدّقوا أنهم ليسوا صغارا، وبعد أن تلاشت فكرة الروابط القومية العروبية والإسلامية في العالم العربي بعد خذلان أبنائه من قادتهم وحكامهم، تقدمت نظرية التعاطي بالقدرة المالية لصالح أهداف الحالمين بنادي الكبار الجدد، عبر وسائل لم يعهدها العالم؛ احتجاز الرهائن والاختطاف والتفجير، ثم فرض المواقف والإذعان للرغبات، وهذه لا تتطلب جيوشا جرارة وصواريخ ودبابات وإعلان حروب، بل تتطلب قدرا من المال وإعلاما متطورا وذمما لمبتدئين بالسياسة جاهزة للشراء الرخيص وعصابات ومرتزقة أصبحوا يخدعون أنفسهم وغيرهم بغطاء الدين والعقيدة، ثم يجبرون الكبار على الإذعان.ألم تذعن الولايات المتحدة زمن حكم الرئيس الأسبق جيمي كارتر للحكام المعممين في طهران الذين احتجزوا 52 أميركيا لمدة 444 يوما في مقر السفارة الأميركية عام 1979 بعد أشهر من وصول الخميني من باريس واستلامه الحكم، وكانت تلك المحنة سببا في إزاحة كارتر وفوز رونالد ريغان بالرئاسة، وكذلك تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1983 ومقتل جميع موظفيها بمن فيهم زوجة الشاعر نزار قباني، بلقيس الراوي، وتفجير مقر قيادة المارينز الأميركان بنفس العام في بيروت ما تسبب بقتل 241 جنديا.ساعدت ظروف أفغانستان ثم وضع الاحتلال الأميركي للعراق على تصعيد هذا النمط الجديد من التعاطي مع الأحداث لفرض القوة عبر دعم مالي وعسكري ومعنوي لا محدود من بعض العرب للمجاميع المسلحة المتطرفة التي استثمرت مقاومة العراقيين من العرب السنة للاحتلال الأميركي عام 2003.لعب بعض مستجدي السياسة السنة في العراق لعبة مزدوجة بين الدخول في العملية السياسية من جهة، وإدعاء دعم فصائل المقاومة المسلحة من جهة ثانية، وكانت الأموال القطرية تدخل إلى حساباتهم دون تقديم أي مساعدات لضحايا العمليات المسلحة، وأوهموا الداعمين بأنهم سيعيدون كرامة السنة بعد دخولهم للسلطة عبر الانتخابات، لكنهم تخلوا عن الجميع ولم يتمكنوا من إيقاف نار الفتنة الطائفية التي اشتعلت عام 2006، وقبضوا ثمنها من الداعمين العرب والحصول على مكاسب السلطة، وتم اللعب على مطالب أهل المحافظات الغربية خاصة الأنبار في اعتصامات 2011 و2012 التي انطلقت بعفوية ثم تم تحويلها إلى أجندات داعش وأخواته، لكي تتم عمليات التصعيد العدائي ضد العرب السنة من بعض القوى الشيعية ومسؤولي الحكم. أخطأت الدوحة بحق العرب السنة في العراق حين تعاملت مع تجار سياسة ذوي ميول للتطرف والمصالح الذاتية على أنهم يمثلون هذه الطائفة، مثلما أخطأت بحق أهل سوريا حين حشرت مطالبهم العادلة بوجه نظام بشار الأسد داخل أجندات متطرفة.انتهت 15 سنة من عمر العراقيين الباحثين عن حقوقهم في العيش والكرامة، وكذلك سبع سنوات من انتفاضة الشعب السوري، في ظل مشروع مشترك إيراني قطري تركي لدخول نادي “الكبار الجدد” على وقع التفاهمات المتوقعة لكل من موسكو وواشنطن. قطر تحاول التخلي عن النمط القديم في وسائل الدعم واتجاهاته، ويبدو أن استمرار الخلافات بينها وبين الرياض وأبوظبي والمنامة ساعد على اكتشاف النمط الجديد من التحالفات القطرية التركية الإيرانية، والانتقال إلى استخدام أنظمة الحكم في بغداد ودمشق وبيروت لتجديد التعاطي مع القضية الطائفية والقومية في المنطقة.ففي داخل العراق يتشكل جيل جديد من الزعامات السنية بعد أن فشلت الأنماط القديمة تحت شعار “مظلومية السنة” لكي يتعامل بإيجابية مع الموازنات السياسية لمحيط العراق، فلم يعد داعم الإرهاب في العراق خصما للعملية السياسية، ولم تعد طهران عدوّة للعرب السنة. زعامات سنية جديدة مدعومة من قطر تشتغل في غرفة واحدة مع خصوم الأمس من الزعامات الشيعية الموالية لإيران. أنتجت تفاهمات قطر وإيران إضافة إلى رضا تركيا رئاسات البرلمان والجمهورية والوزارة. وهي لا تتوقف عند هذه الحدود، فلا بد من استثمار التفاهمات الجديدة في ميادين التجارة والاقتصاد بما يخدم إيران أولا. ولعل زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري لبغداد تتجاوز الشكليات البروتوكولية للتهنئة بتولي المناصب، وإنما للإيحاء بأن عهدا جديدا في تواصل نقاط التماس الدوحة- طهران- أنقرة قد بدأ في بغداد.ولعل المراقب يتوقف أمام شكلية لقاءات الضيف القطري خارج البروتوكول الرسمي، فتم اختيار خميس الخنجر كممثل للعرب السنة في العهد القطري الجديد، وعمار الحكيم وهادي العامري من الشيعة لاعتبارات المكانة الشيعية في لقاءات الضيف القطري، وليس صدفة عدم اللقاء مع نوري المالكي رغم أنه أحد أعمدة السياسيين الشيعة، ويفسّر ذلك بما يحمله المالكي من مواقف عدائية معلنة ضد قطر، فقد سبق أن روى عبر التلفزيون كيف أن قطر خططت مع الأميركان لتهريب الرئيس العراقي صدام حسين من سجنه، وكانت هذه القصة حسب رواية المالكي سببا في تسريع إعدامه.من أهم المخاطر دخول العراق في المحور الجديد، قطر- إيران- تركيا، لمواجهة بلدان العرب الخليجية. فالعراق بلد منهك وبحاجة إلى عون العرب جميعا وبلا أجندات خاصة سوى خدمة الشعب العراقي. العراقيون لا تخدعهم خطابات حسن الجوار والانفتاح على العرب عبر زيارات استعراضية لرئيس جديد يتقن فن العلاقات العامة ويعرف نفسه أنه بلا صلاحيات ولا يمتلك سوى اللغة الناعمة والابتسامة العريضة وهي لا تداوي الجرح العراقي الكبير، بل إن هذا الغطاء ستمرر من خلاله مشاريع ضارة بحق العراقيين، وعلى الرئيس برهم صالح الاحتراز منها. الزمن الذي كان فيه العراق يخيف الآخرين ويضعون له ألف حساب قد انتهى، وشعب العراق يقبل بحجمه الحالي لكن العراقي بحاجة إلى الخبز والصحة والتعليم، وألاّ يكون جزءا من لعبة جديدة يدفع من خلالها ثمن دخول الصغار إلى نادي الكبار.كاتب عراقي

مشاركة :