حتى لا تكون هذه الدورات مجرد فُسَح - فهد محمد السلمان

  • 1/11/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

التطوير في تقديري ليس قرضا عقاريا يمكنك أن تقسطه على دفعات، هو عبارة عن منظومة متكاملة ومتناغمة من الاجراءات والخطوات التي ينبغي أن يُتمّ بعضها بعضاً، ويسند بعضها بعضاً، بحيث لا تأخذ خطوة إلى الأمام إلا وتجد أن الخطوة الأخرى مربوطة بأثقال وكلاليب لا فكاك لك منها، ولا تسمح لك بنقل القدم الثانية إلى جوار القدم الأولى فضلا عن أن تتجاوزها إلى الأمام لتمضي في طريقك قدما، وتنتقل فعلا من طور إلى طور، ومن مرحلة إلى أخرى. بمعنى آخر.. التطوير حالة عضوية عامة يُفترض أن ينتقل فيها الجسم المطوّر من فضاء إلى فضاء، ومن أرض إلى أرض، ومن حالة إلى حالة، ومن مرحلة إلى مرحلة، دون أن يكون هنالك ما يُعيق هذه الحركة، أو يضطر عضو أن ينتظر العضو الآخر، أو يلتفت إليه ليستحثه أو يجره معه. مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم مشروع ضخم وعملاق على مستوى الدعم، لكنه على صعيد التنفيذ لا يزال يعمل في أجواء ضبابية غير واضحة المعالم، والخطوة التي أعلنت عنها التربية حول إيفاد خمسة آلاف من كوادرها كل عام، وعلى مدى خمسة أعوام قادمة من المعلمين والمعلمات والقيادات التربوية إلى عدد من البلدان المتقدمة كأمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا وفنلندا وسنغافورة في دورات تدريبية لمدة عام، هي خطوة في الاتجاه الصحيح لو تمت مواكبتها بحزمة من الاجراءات التصحيحية كتحسين البيئة المدرسية بما يسمح بالإفادة من نقل تلك التجارب الناجحة، وبما ينتزع ذلك الشعور العدواني من الطلبة تجاه مدارسهم، ورفع العائد المادي للمعلمين والمعلمات بما يجعل مهنة التعليم هي الخيار الأول، وليستْ عمل من لا عمل له، وتوفير نظام حوافز مجز يُعطي المعلم المجتهد ما يوازي اجتهاده، ويدفع المتهاون لخوض السباق معه، وفتح نافذة كبيرة لإشراك المجتمع في فهم آليات تطوير المناهج والتعامل معها "معظم الأهالي يتعاملون مع المناهج المطورة كلوغارتمات معقدة". نعم.. سيذهب هؤلاء الخمسة آلاف للتدريب في الخارج، وسنجد بعد خمسة أعوام أننا أوفدنا (25) ألفاً من بين نصف مليون معلم ومعلمة، لكن هل سيستوعب عام واحد فقط تعلم اللغة الانجليزية، وقراءة تجربة الدولة المضيفة، ومن ثم ابتكار الأساليب لنقل ايجابياتها إلينا، خاصة في ظل ضعف مخرجاتنا محليا في اللغة الانجليزية، وتجربة طلابنا الذين التحقوا ببرنامج الملك عبدالله للابتعاث خير دليل حيث يمضون ما يزيد على العام لتعلم اللغة فقط قبل التسجيل في الجامعات، فكيف إذن سيتسنى لهؤلاء تحقيق كل ما تريده الوزارة في عام واحد ؟ وكم كنت أتمنى لو اقتصر هذا البرنامج التدريبي في أول الأمر على معلمي ومعلمات ومشرفي ومشرفات الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية، حتى لا تكون هذه الخطوة خطوة ناقصة، أو مجرد فسحة خارجية لمن يناله النصيب في القبول فيها، خصوصا وأننا لم نطلع بعد على آليات الاختيار ومعاييره واشتراطاته؛ لأننا لو افترضنا على سبيل الجدل أن رُبع هؤلاء قد عاد إلينا بأفضل التجارب، واستوعب مثلا تجربة فنلندا التي يغازلها الجميع حتى الأمريكان الذين اعترفوا بفشلهم في نقلها بحكم أثقالها الضخمة والتي تعتمد على الثقافة السائدة هناك، والمعايير الصارمة في اختيار المعلمين في مراحل مبكرة وغيرها من الآليات، لو افترضنا ذلك.. كيف سننتظر من هؤلاء في بيئتنا التعليمية، غير المواتية على الإطلاق أن يُطبقوا تجاربهم؟ كيف سيتسنى لمعلم مثلا أن يُطبق نظرية رياضية الكترونية في مدرسة لا يوجد فيها أصلا معمل للرياضيات؟ ألم يكن من الأجدى أن يُطرح مشروع التطوير كاملا بكل تصوراته أمام الناس لمناقشته وتبادل الآراء حوله وفق ثقافتنا وظروفنا إلى أن تنضج كل الرؤى حوله بما يُتيح التعامل معه ككتلة واحدة، بدلا من التعامل معه بالمفرق؟ أتساءل فقط؟

مشاركة :