حتى لا تكون الحقوق مجرد تمجيد للنصوص!

  • 9/24/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من أرسطو إلى ابن خلدون، كان الإنسان يوصف بكونه مدنيا بطبعه، إلى أن جاء «هوبز» وقال ان الإنسان له حقوق طبيعية مجردة عن دينه وعرقه وعن السياسة والمجتمع، وحقوقه كل لا ينفصل فلا يمكن القبول بعضها ورفض بعضها الاخر. ولكن يبدو التعاطي مع موضوع حقوق الإنسان عندنا – بالرغم من التمجيد الظاهري للنصوص - انتقائيا، فكما يجري تمجيد الديمقراطية – لمجرد اعتبارها آلية للانتخابات فقط - يجري التحفظ بشأن جوانب عديدة من حقوق الإنسان بدعوى الخصوصية، في الوقت الذي يجري التماهي مع منطوق الإعلان العالمي لهذه الحقوق وديباجته ومواده الرئيسة مجسدا في مواد الدساتير التي تؤكد على الحقوق الأساسية للإنسان، وعلوية الحرية وقدسية المساواة وتكافؤ الفرص، مع فوارق محدودة بين بلد وآخر. إلا أن التغني عند نخبنا بوجه خاصة، وخصوصا تلك النخب التي تدعي النضال من اجل الحرية والحقوق، يركز فقط على الجوانب التي لها علاقة مباشرة بالسياسة فقط، فيتم تذكيرنا به دوما من قبل هذه النخب، بنبرة متعالية بالالتزام بحقوق الإنسان وكأنها معطى مجرد عن التباسات الواقع واشكالاته وحقائقه، وعن السياق الثقافي الديني الذي يحكم هذا الواقع ويتحكم فيه. ومن جانب آخر نجد تلك العقلية المحنطة التي تنظر إلى موضوع حقوق الإنسان على انه يأتي في سياق (المؤامرة العالمية علينا) أو في سياق (التغريب) أو (العلمنة) إلى آخر تلك التوصيفات التي تبرر في مجملها النزوع نحو رفض التقيد بالحقوق الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها الحقوق السياسية والمدنية والدينية والثقافية وعدم التمييز ضد المرأة، هذا بغض النظر عن مدى الانخراط في صميم المقاربة الأممية التي أقرّت تلك الحقوقَ في تكامل أبعادها الاجتماعيّةَ والاقتصاديّةَ والثّقافيةَ في تلازم مع الحقوق السّياسية والمدنية، ومع الليبرالية والتي اندرجت ضمن أفقِ الأخلاقية العامّة لحقوق الإنسان، التي حدّدها الإعلان من خلال «الإقرار بما لجميع البشر بكرامةٍ أصليّة فيهم، ومن حقوقٍ متساوية وثابتة، في عالم يتمتّعون فيه بحرّية القول والاعتقاد وبالتحرّر من الخوف والفاقة حتى يعيشوا في عالم بكرامة يتساوى فيه الرجال والنّساء» فما تحدّده هذه المقدمة إنما يقوم مقام «الأخلاقية الأساسيّة» التي تحيل عليها كلُّ بنيةٍ تشريعيةٍ متناسقةٍ، ولكل برامج وسياسات تنفيذية، تتميز بحداثةِ التوجّه، وانسجامِ العناصر، ولذلك لا يمكن القبول بتضخيم الخصوصيات في مجال حقوق الإنسان، ولا تضخيم الفوارق الثقافية والدينية، فالإنسان هو الإنسان في جوهره وخارج سياقه الاجتماعي والثقافي كما يقول «هوبز». لذلك فإنّ مفهومَ حقوق الإنسان يجب أن يكون حاصل رؤية مؤمنة بها وتروم العمل على ضمانها، وتوفر وسائل الإرادة القادرة على تجسيدها، وتعمل على تحقيق الحقوق بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية والسّياسية والدينية في آن، لأنه من المستحيل الفصل بين هذه الأبعاد، ولا معنى للعودة إلى ذلك الجدل القديم حول أيهما أولى الحقوق الاقتصادية أم الحقوق السياسية؟، فقد بينت تجارب العالم خلال السبعين سنة الماضية ان هذه الحقوق يجب أن تتزامن في تطبيقها وتتكامل في بنية تأثيرها، فيكون مقام الإنسان مقام الكرامة ضمن الروابط الإنسانية الحضارية بكافة أبعادها، بما في ذلك العناصر المعرفيةُ، والثقافيةُ، والتّسامح والتّضامن والتّسامي الرّوحي والرّقي الخلقي، لا يستثنى من ذلك المرأة والطفل، بل تشمَلهما ضمن تناظر حقيقي مولّد للتّوازن، ومكوّن للأمل. وعليه ما يجب علينا أن يقتصر دورنا إزاء حقوق الانسان على مجرد إعلان النوايا والشعارات، بل يجب أن يتجاوز الأمر إلى ضرورة العمل على الإضافة لمبادئ الأخلاقيّة الكونيّة العامّة ما يرسخ قيم الاحترام للقانون والنظام والتراحم والتّضامن والتّآزر والتّسامح والمحبة التي حث عليها ديننا الحنيف، والتي نصت عليها منظومة قيمنا الاجتماعية، فضمانُ حقوق الإنسان في شموليّة مبادئ تلك الحقوق وكونيتها وتكاملها وترابطها، يجب أن نجد لها ترجمة تفصيلية تنخرط ضمن بنية هذه الكونية. كما يجب ان تتوقف نخبنا العربية عن تلك النزعة الانتقائية التي تفقد كل قيمة لحقوق الانسان، فالتخريب والإرهاب وقطع الطرق والاعتداء على الناس وعلى الممتلكات العامة والخاصة وتبرير العنف بكل اشكاله والاعتداء على القانون جميعها مواقف معادية لحقوق الانسان. ولذلك هل يمكن لمجموعة بشرية ما أن تطمئنّ إلى تلك الشعارات التي تتخذ طابع التقديس للنصوص في حين انها تخون تلك المبادئ في أول مواجهة مع الواقع فينكشف عدم التزامها بحقوق الإنسان حين تزدوج معاييرُها في معاملة الناس، وحين لا تبالي بأوّل حقوق الإنسان، وأساسها الحق في الحياة والحرية والكرامة. السلال الفارغة.. في كتاب للكاتب الهادي دانيال: «ثورات الفوضى الخلاقة: سلال فارغة» والذي صدر قبل سنوات قليلة، يتحدث الكاتب عن الوعي «القطيعيّ الذي يُحرّكُ الشرائحَ الثقافيّة والفكريّةَ والإعلامية العربية التي تُسَوِّقُ المشروعَ تحت مُسَمّى (الربيع العربي)». فمن أجل أمن إسرائيل واستئثار الشركات الاحتكارية تم تدمير العراق واحتلاله ونهبه. من خلال تلك الحرب بأهدافها المعلنة ووحشيتها ووقائعها المرعبة واستهتارها بالقانون الدولي والمنظومة الحقوقية الإنسانية برمتها. وعلى هذه الخلفية يرى دانيال أن هذا المشروع قد استأنف سعيه إلى «ولادة قيصرية» من رحم «فوضى خلاقة» شاملة لشرق أوسط جديد يشمل مغرب الوطن العربي ومشرقه، بحشد إمكانات دول الحلف الأطلسي كافة، مع جهد إعلامي غير مسبوق لا يتورع عن الكذب والتزوير والافتراء والتجرد من المهنية، بإشراف مباشر والتدريب والتوجيه، برصد التناقضات داخل كل دولة ومجتمع بغية تفعيلها وتسعيرها إلى الحدود القصوى مجندين تشكيلات المعارضة الدينية والطائفية والعرقية والحقوقية والإعلامية والثقافية، وإغراقها بالمال السياسي وتسليحها بأدوات القتال، وبوسائل الاتصال وبالقنوات الفضائية الممولة والموجهة. لتقوم بكسر حاجز الخوف، ما أدى إلى عاصفة من المظاهرات التي عادت منها الجماهير بسلال فارغة، على حد تعبيره، لتبقى البلدان العربية رهينة فوضى تمتطيها قوى حزبية قدمت من المنافي الغربية وأخرى معروفة بارتباطها المسبق بالسفارات الغربية في داخل العواصم العربية، لتبقى الفوضى سائدة إلى أن تنهك الدولة ومؤسساتها فتستسلم للفوضى. همس تسألني عن الهمس عبر نافذة الليل، فأقول: أبحث عن طريق لا ينتهي. موحش طريق الليل وضجر. بلا نوافذ أو أبواب، أخشى السفر الجديد، في ساحة يلتقي فيها الزمان بالذكرى. بوابات الليل سكنها التتر، وهل تبقى من غير ذكرى روح تتنفس؟

مشاركة :