دخلت فضيحة التجسس الإلكتروني التي موّلتها قطر وكلفت بها عملاءها في الولايات المتحدة على مدار الشهور القليلة الماضية مرحلةً جديدةً، بعدما كشفت وسائل إعلام أميركية النقاب عن أن أحد المتورطين الرئيسيين في هذا الملف يحاول التذرع بحصانةٍ دبلوماسيةٍ حصل عليها في ملابساتٍ مثيرةٍ للجدل للإفلات من الملاحقة القضائية. ويتعلق الأمر بمبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن جمال بن عمر، الذي يؤكد محامون أميركيون أنه لعب دوراً رئيسياً في المؤامرة الإلكترونية التي نفذتها قطر منذ أواخر العام الماضي ومطلع العام الحالي ضد مجموعة من الشخصيات على الساحة الأميركية. فقد أكد محامو رجل الأعمال الأميركي المعروف إليوت بريودي صديق ترامب - وأحد أبرز ضحايا ما بات يُعرف أميركياً بـ «قطر جيت» - أن الدبلوماسي البالغ من العمر 61 عاماً، تولى مهمة تنسيق عملية توزيع وتسريب وثائق ورسائل تم السطو عليها خلال عملية التجسس من حسابات بريودي الإلكترونية، على وسائل الإعلام في الولايات المتحدة. وبحسب اعترافات أحد المتورطين في العملية، كان المبعوث الأممي السابق يقوم بشكلٍ شخصيٍ بمراجعة المواد التي قُرْصِنَتْ من حسابات رجل الأعمال البارز وبعض المرتبطين به، قبل تسريبها لوسائل الإعلام بعد تحريف مضامينها وتحويرها. وبعد أسابيع من محاولات جمال بن عمر للتهرب من المثول أمام محكمةٍ في الولايات المتحدة تنظر دعوى رفعها بريودي على أعضاء شبكة التجسس الإلكترونية العاملة لحساب قطر، قالت شبكة «إن بي سي نيوز» التليفزيونية الأميركية إنها علمت من مصادر حكومية أميركية إن الدبلوماسي المتهم بالمشاركة في سرقة رسائل بريودي وتوزيعها، يحظى بحصانةٍ دبلوماسيةٍ بسبب عمله لحساب إحدى البعثات الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة. وفي تقريرٍ أعده جوش ليدرمان، أفادت الشبكة بأن الحديث عن الدور المشبوه للمبعوث الأممي السابق في فضيحة التجسس القطرية شكَّلَ «انعطافةً غير متوقعة» في القضية التي تتقاطع مع «العوالم الغامضة للجريمة على شبكة الإنترنت، والأزمة الدبلوماسية المندلعة في منطقة الخليج (بسبب سياسات الدوحة).. وكذلك مع سياسة ادفع مقابل (الحصول على) تأثيرٍ سياسي في عهد ترامب». وفي مواجهة محاولة ابن عمر التذرع بالحصانة الدبلوماسية، نقلت الشبكة التليفزيونية الأميركية عن محاميي بريودي قولهم إن الحصانة التي قد يحظى بها هذا الرجل ستقتصر على الأنشطة المرتبطة بعمله الرسمي في الأمم المتحدة، وليس بضلوعه في عمليات قرصنةٍ إلكترونيةٍ غير مشروعةٍ استهدفت مواطنين أميركيين. علاوةً على ذلك، قدم السفير السابق لي ولوسكي - وهو عضوٌ في الفريق القانوني العامل لحساب رجل الأعمال الأميركي - وثائق للمحكمة التي تنظر الدعوى الخاصة بـ «قطر جيت»، تثبت أن المبعوث الأممي السابق كان يؤدي أعمالاً مدفوعة الأجر لحساب الدوحة، في الفترة نفسها التي يزعم أنه انضم خلالها لبعثةٍ دبلوماسيةٍ عاملةٍ في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك. وبحسب «إن بي سي نيوز»، أكد محامو بريودي أن ثبوت صحة ذلك بالإضافة إلى كون ابن عمر حاصلاً على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، يجعلانه - من الوجهة القانونية - غير مؤهلٍ للتمتع بالحصانة الدبلوماسية. وقال ولوسكي إن السجلات الرسمية والوثائق التي ستنظرها المحكمة هي التي ستحدد الكيفية التي سيتخذ بها القاضي قراره بشأن مدى أحقية مهندس «قطر جيت» في التمتع بالحصانة الدبلوماسية من عدمه. ومن بين الأدلة الدامغة التي تؤكد تورط جمال بن عمر في حملة التجسس القطرية، حصوله مؤخراً على فرصةٍ للعمل لحساب مجموعة «لاجاردار» الإعلامية العملاقة متعددة الجنسيات التي تتخذ من باريس مقراً لها، ويمتلك جهاز قطر للاستثمار - وهو أحد الصناديق السيادية المملوكة لـ«نظام الحمدين» - غالبية الأسهم فيها. كما تثبت الوثائق المُقدمة للمحكمة التي تنظر القضية، إجراء ابن عمر اتصالاتٍ مع مسؤولين قطريين، وكذلك مع عملاء للدويلة المعزولة يقيمون في الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد العلاقات الوطيدة القائمة سراً بينه وبين الدوحة. في الوقت نفسه، ألمحت شبكة «إن بي سي نيوز» إلى أن المحاولات القطرية للتنصل من المسؤولية عن عملية القرصنة التي تعرض لها بريودي، وشملت نحو 1200 شخصية أخرى في أميركا - لن تجدي في ضوء أنه كان لدى نظام تميم بن حمد «دافعٌ محتملٌ واضحٌ» لإحراج رجل الأعمال البارز في ضوء مواقفه الصريحة المناوئة لسياساته.
مشاركة :