أحيانا، تطرح القضية أو الأزمة التي تصيب المجتمع بمقتل «الواسطة» بأن سببها غياب الأنظمة واللوائح التي تمنع هذا المرض من التفشي. وأحيانا، يحال السبب إلى وجود اللوائح والأنظمة، وغياب الرقابة أو الرقيب، وهذا ما يجعل المسؤول وحتى من هو أقل منه بكثير في الدائرة أن يعطل أو يتلاعب بالأنظمة، أو ينتهكها ويقدم لقريبه أو صديقه ما لا يستحق، أو ينجز له عمله رغم عدم اكتمال أوراقه، أو يمرر المسؤول أوراق قريبه ليتم تعيينه رغم عدم أحقيته. وهذا الطرح، مع احترامي الشديد له، إلا أنه خاطئ جدا، فهو يناقش النتائج، أو النتيجة للأزمة «الواسطة» التي ما زالت تصيب المجتمع بمقتل. فالأسباب مرتبطة بفكر المجتمع أو بعاداته وتقاليده التي يستمد منها «أخلاقياته»، وليس بالمسؤول الذي هو نتيجة أو نتاج فكر وعادات وتقاليد المجتمع، تحركه هذه العادات والتقاليد أو الأعراف. لنفترض أن هناك مسؤولا جعل الوزارة أو المؤسسة أشبه بأملاك خاصة، فقدم أقرباءه للوظيفة عن البقية، أو مرر معاملات أقربائه وأصدقائه رغم عدم اكتمال الأوراق، أو على أقل تقدير طلع رخصة لقريبه دون فحص ولا حتى فرصة أن يحضر لقسم المرور، و«فاحت ريحة المؤسسة أو المسؤول أو الموظف» ــ كما يقال، وتم إبعاده من المنصب، من سيكون القادم أو ما هو فكر من سيأتي بديلا عنه؟ بالتأكيد هو ابن هذا المجتمع الذي من عادات وتقاليد القبائل والأسر أن يعمل الابن لمصلحة قبيلته وأسرته، وأنه إن لم يفعل هذا فهو منبوذ ولا خير فيه، أو بعبارة أوضح ابن فاسد وستنفيه القبيلة، أو على أقل تقدير سيقال له «شف المسؤول الثاني ما قصر مع أهله الله يوفقه، مو مثلك». خلاصة القول: إن الأزمة التي سببها فكر المجتمع، أو «العادات والتقاليد والأعراف» التي تشكل أخلاقيات المجتمع، لا يمكن حلها من خلال تبديل المسؤول، لأنه دائما سيأتي مسؤول جديد يحمل أخلاقيات المجتمع، وما لم ير المجتمع أن هذا العمل لا أخلاقي، لن يتغير شيء. وربما حين نغير هذه العادة أو ندفعها لزاوية الرذيلة والعمل اللا أخلاقي، تصبح الرقابة مطلبا؛ لأنها ستطارد من خالف أخلاقيات المجتمع.
مشاركة :