عندما نعّرف الواسطة بأنها تأخذ من القرابة العائلية أو السياسية أو المذهبية وسيلة لتحقيق مصلحة ما كإسناد الوظائف أو الترقيات أو تسهيل معاملة، فإننا نتحدث عن أبشع صور الفساد الإداري. فالمحسوبية تجعل الحسب والنسب في المقام الأول، وهي تمثل بذلك شكلا من أشكال الظلم والجور وإقصاء الكفاءات والمبدعين. هذا المفهوم أصبح من البداهة يعرفه الجميع، الأمي والمتعلم، العاطل والعامل، المسؤول والموظف. وعلى رغم ذلك فإن المجتمع يمارس الواسطة بحرفية تامة ويطالب في الوقت نفسه بمنعها ومعاقبة من يمارسها. يجرمها القانون ويعرفها بأخطر أنواع الفساد وعلى ذلك تبقى ظاهرة وثقافة متأصلة في المجتمع. تراها في كل مكان وفي كل مؤسسة ووزارة ونادي رياضي ومدرسة وشركة وحتى في المستشفيات. هي ليست حكرًا على المسؤول والمثقف وصاحب الوجاهة فحسب ولا على مؤسسات القطاع العام، بل حتى على مؤسسات القطاع الخاص، والموظف الصغير الذي يحاول أن تكون له واسطة تشفع له عندما يطلب منه القيام بمساعدة أقاربه وأهل منطقته. يمارسها المسؤول والمراسل والطبيب ومن يدعي بأنه من الكتاب والمثقفين والسياسيين. الواسطة مباحة عندما نحتاجها لتحقيق مصالحنا، ومحرمة عندما ننتهي منها ونحصل على غاياتنا. المجتمع يعطي دروسًا عجيبة غريبة في استخدامها واستغلالها كأداة لإنجاز الأعمال ودروسًا في التبرؤ والتنصل منها ووصفها بأبشع الأوصاف. يتباهى البعض بوصف المحسوبية ببؤر الفساد والآفة الخطرة التي يجب محاربتها ووأدها في مهدها لأنها توصل أشخاصا إلى مواقع قيادية من دون النظر إلى الكفاءة والمؤهلات، وهؤلاء أنفسهم يتباهون أيضًا بأنهم أصحاب نفوذ وواسطة وساعدوا في توظيف وترقية زملاء لهم. الواسطة هي من الأحاديث الهامة والشغل الشاغل للمجالس والديوانيات والندوات، يتحدثون عنها كمرض يجب التصدي له. البعض يبدع في توجيه التهم للآخرين في إفساد المجتمع من خلال الاتكال على الواسطة. فمنهم من يقول فلان عين أبناءه أو أقاربه في المؤسسة الفلانية ويهيئهم لمناصب عليا، وهم في الوقت ذاته يبحثون عن قريب أو صديق يساعدهم في تعين أقاربهم. البعض ينظر إلى المسؤول صاحب المنصب كثروة عائلية أو مذهبية أو سياسية مهمة يجب استغلالها في توظيف الأبناء والأقارب وأهالي المنطقة وفي توفير الخدمات. وأكاد أجزم بأن كل مسؤول له منصب في مؤسسة ما أو حتى موظف عادي بلا منصب قد اعتاد على الرد بشكل يومي على اتصال من شخص مرسل من فلان ما يطلب منه مساعدة ما تتعلق أما بالتوظيف أو تسهيل معاملة ما في جهة ما. مع الأسف لقد امتدت هذه الظاهرة إلى العمالة الأجنبية الذين أصبح الكثير منهم في مناصب قيادية في مؤسسات القطاع الخاص، فهم أصحاب القرار في التوظيف والترقيات. فالمسؤول الأجنبي وبكل جرأة وحرية يبحث دائمًا عن أقارب له لتوظيفهم في المناصب الشاغرة من دون النظر إلى معيار الكفاءة والمؤهل. ألا تعتقدون بأننا كأفراد ومن خلال هذه الثقافة المتأصلة في مجتمعنا نحمي ونغذي الفساد الإداري، الذي نطالب الدولة بمحاربته ومعاقبة مرتكبيه؟ من هو المسؤول في انتشار هذه الظاهرة؟ هل هي الثقافة واللامبالاة، أم هو الوضع الاقتصادي وعدم صرامة القانون؟
مشاركة :