مدعوون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لنؤكد للعالم أجمع، أن الإسلام دين أمن وسلام وطمأنينة وحوار وعدل وحقوق، لا دين عنف وإرهاب ودماء، وأنه دين اعتدال وحضارة، لا دين قتل على الهوية، دين واحد لا مذهبية فيه، ولا واسطة بين العبد وربه، دين كان من صلب رسالته «لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نخلاً ولا تحرقوه». امام هذا السيل الجارف من أعمال التكفير، والتشدد والتطرف التي تجعل الحليم حيران، حيران فيما يجري، وفيمن يسمون أنفسهم بأنهم «دولة إسلامية»، وهم ليسوا كذلك، ولن يكونوا أبدا، فقد يصاب المرء بالدهشة وهو يستمع لاعترافات من انفصلوا عن دولة الكراهية تلك، وهم يؤكدون أن التكفير لدى هذه الجماعات هدف سياسي، وانهم لا يملكون الحجة الشرعية، على ما يقومون به، وانهم يتزوجون من النساء قبل اكتمال العدة، ولهم من يرخص لهم، ومن يتشدد وفقا لحاجتهم. هذه الفئة المنكرة، دفعت بالعالم- العالم الذي يعرف حقيقة وجوهر الاسلام- للقول ان هذه الفئة الضالة، هم الخوارج، خوارج هذا العصر، وهم أبعد ما يكونون عن الاسلام، الاسلام الذي يحقن الدماء ولا يستبيح الحرمات، الاسلام الذي يعظم الشعائر، ويحترم حقوق الآخر مهما كان، لكنهم يلوذون بخطاب التكفير، لتسهيل جرائمهم، ليصبح المغرر بهم كبش فداء، والا ما كان استقبالهم لمجنديهم يتم ابتداء بحديث التكفير والغلو وشيطنة الدول والمجتمعات، ليصبوا جام غضبهم على المجتمع العربي سنته وشيعته، داعين وهم لا يعلمون شيئا لأنْ يهاجر المسلم من دار الكفر الى دار الايمان، الايمان الذي شوهوا صورته، وجعلوه داميا. بالامس كانت أصوات العقل تتنادى مطالبة علماء الأمة ومؤسساتها العريقة، لتجديد الخطاب الديني، للفصل بين خطاب الإسلام الحقيقي والمحمدي، وبين إسلام التطرف والارهاب والدم، إسلام الجماعات المختطفة للدين، المخترقة والتي تعمل لصالح أجهزة الاستخبارات العالمية تحت غطاء الدين. وتجديد الخطاب الديني تقوم عليه المؤسسات الدينية، والجامعات، ورموز الثقافة العربية، للعمل على ترشيده، دون المساس بمضامينه وثوابته، وذلك لمحاربة الإرهاب من الناحية الشرعية والفكرية، فمحاربة الإرهاب بإبطال أدواته وتفسيراته المنحرفة، وبتعزيز دور المؤسسات التي ظلت على الدوام حاضرة وفاعلة ومؤثرة، وهي مؤسسات تتفاعل مع العصر وأدواته وتحولاته ومنتجاته، لما فيه مصلحة الأمة ووحدة كلمتها، بدلا من هذا الاختطاف، الذي جعل لدينا أكثر من إسلام، وجعل الإسلام المتطرف، ينظر للدول والمجتمعات على انها مجتمعات كافرة، يجوز قتلها. والتجديد الذي نريد هو التجديد في الآليات والوسائل والاساليب، دون الامتداد إلى الأصول الثابتة، فالانسان يتجدد بالمعرفة والوعي والتعارف وهذا التجدد يضفي عليه إمكانات وقدرات أفضل من غيره في الفهم والتفسير والتحليل والتعليل، خاصة وان النص القرآني فيه إعجاز علمي يتطلب أحيانا معرفة الرأي العلمي، وأحيانا يستنبط ويشتق من القرآن مجموعات من القيم، ومجموعات من القضايا ذات الصبغة العلمية، التي تجعل العلماء أكثر خشية من الله تعالى بسبب حجم معرفتهم وإدراكهم كنه الأشياء. ان تجديد الخطاب الديني، هو فصل واضح بين جماعات الاسلام السياسي التي دعت لتسييس الدين، وجعله أداة للسلطة والوصول به الى الحكم، من خلال ممارسة العنف المنهجي والفكري، وصولا إلى العنف والإرهاب الدموي، وهو أداة حصانة تحول دول الاجتزاء والتبضع من على الشبكة العنكبوتية، والاستعجال في إطلاق لقب العالم والداعية والشيخ على من لا يمتلك أصول العلم الشرعي، ولم يسلك دروبه الحقيقية. ان جوهر الدين الإسلامي قائم على الاعتدال والإنصاف والوسطية، وان هدف الشريعة هو الارتقاء بالإنسان فكرا وسلوكا وذلك عبر سلسلة من الضوابط القيمية، وان ما يعانيه العالم الاسلامي اليوم، هو ان الحزبية الضيقة لا يمكنها بأي حال من الاحوال استيعاب عظمة الاسلام، ولا يمكن اختزال الاسلام العظيم في تنظيم، وان تجديد الخطاب يعني تجديد المنابر والحناجر التي تصدح به، والتي تصمت احيانا عن قول الحقيقة؛ مداراة لحالة او ظاهرة، او انتماء مبطنا لتنظيم، يرى أن جوهر الدين هو أن يحمله إلى ضفاف السلطة أو الخلافة الموعودة.
مشاركة :