في الثالث والعشرين من كانون الأول ديسمبر 2014، دخلت أول معاهدة دولية لتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية حيز التنفيذ، حيث تم التصويت لصالحها بأغلبية 154 دولة من إجمالي ال193 دولة الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة. والاسم الرسمي للمعاهدة هو معاهدة تجارة الأسلحة، ويشار إليها اختصاراً بالحروف (ATT). وقد وقعت 130 دولة حتى اليوم على المعاهدة، إلا أنه لم تصدّق عليها سوى ستين دولة فقط. ويبقى على الدول المُصدِقة أن تتشاور فيما بينها لتحديد طريقة واضحة لتطبيق المعاهدة. وكان مؤتمر الأمم المتحدة الختامي الخاص بهذه المعاهدة قد عُقد في الفترة بين 18 – 28 آذار مارس 2013، وتبنت الجمعية العامة المعاهدة في الثاني من نيسان أبريل من العام ذاته. ومنذ سنوات، كان هناك تحرك يسعى للوصول إلى معاهدة دولية لتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية. واختتمت في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، في الثالث والعشرين من تموز يوليو 2010، الجولة الأولى من المحادثات الرامية لصياغة المعاهدة. وفي الأصل، كانت قد تقدمت بمشروع القرار المتعلق بصياغة معاهدة تجارة لأسلحة كل من الأرجنتين وأستراليا وكوستاريكا وفنلندا واليابان وكينيا وبريطانيا. وكانت فكرة المعاهدة قد ولدت قبل ذلك من مبادرة أطلقتها أربع شخصيات عالمية حاصلة على جائزة نوبل للسلام. وفي تشرين الأول أكتوبر 2003، أطلقت حملة السيطرة على الأسلحة الخفيفة من قبل كل من منظمة العفو الدولية، ومنظمة أوكسفام، وشبكة العمل الدولية. واعتمدت هذه الحملة على تقنيات التعبئة الشعبية في أكثر من 120 دولة، لخلق وعي، يترجم في معاهدة دولية لتجارة الأسلحة. ويُمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أنه قد مات، في الفترة بين عامي 2006 – 2010 أكثر من مليون شخص، أغلبهم من المدنيين، نتيجة اللجوء للأسلحة النارية. وذهب أكثر من سبعمائة ألف من هؤلاء القتلى ضحية نزاعات سياسية مسلحة، بما فيها تلك الدائرة في أفغانستان والصومال والسودان وسيريلانكا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي هذه الأخيرة وحدها، أدى النزاع إلى مصرع ما يُقدر بنحو ثلاثة ملايين إنسان. ووفقاً لإحصاءات الهيئات الدولية الإنسانية، فإن هناك أكثر من ألفي شخص يموتون كل يوم حول العالم بسبب استخدام السلاح الناري، وأكثر من شخص يموت كل دقيقة. وفي كل عام هناك آلاف الناس يتعرضون لصنوف مختلفة من الأذى المسلح، ويجري إجبارهم على النزوح من مساكنهم. وكل ذلك نتيجة للانتقالات الدولية غير محكمة المعايير للأسلحة والذخائر. وببساطة، إننا اليوم بصدد عالم على قدر غير مسبوق من العسكرة، إذ لم يشهد التاريخ البشري قط مثل هذا المستوى من الانتشار والتكدس للسلاح والعتاد الحربي. وفي ضوء هذه العسكرة ونتائجها الوخيمة، فإن السؤال الذي فرض نفسه بقوة على مستوى القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني هو: هل الدول المصدّرة للسلاح هي من يحدد الظروف والحالات التي يستخدم فيها، أم أن الدول المستوردة هي من يحدد ذلك؟. وأين تقف الأعراف الدولية من هذا الأمر؟. ومن وجهة نظر الهيئات الدولية الإنسانية، تعتبر الدول التي تنتج أو تصدّر الأسلحة، ذات دور مؤثر في ضمان احترام القانون الدولي الإنساني، وذلك نظراً لقدرتها على توفير أو حجب الوسائل التي قد ترتكب بواسطتها الانتهاكات. وتشير هذه الهيئات إلى حقيقة أن بناء القانون بأكمله، والقانون الدولي الإنساني على وجه خاص، يقوم على افتراض أن مستخدمي الأسلحة مدربون ومنضبطون، ويستعملون أسلحتهم بالفعل وفقاً للقانون. وإذا لم يكن الأمر كذلك، مثلما هو الحال عندما تتوافر الأسلحة على نطاق واسع، أو تكون عمليات النقل غير مراقبة، فليس من الواقعية في شيء توقع احترام القانون. وانسجاماً مع هذه التحديات، كان لا بد من اتفاقية دولية ملزمة لتجارة الأسلحة. وفي الأصل، تعهدت الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف في العام 2003 بجعل احترام القانون الدولي الإنساني أحد المعايير الأساسية التي يقوم عليها تقييم قرارات نقل الأسلحة. وشجعت على إدراج هذه القواعد في القوانين والسياسات الوطنية، وفي المعايير الإقليمية والعالمية. تشير ديباجة الاتفاقية الدولية لحظر السلاح، التي دخلت مؤخراً حيز التنفيذ، إلى ضرورة امتناع الدول عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد لأمم المتحدة. كما تؤكد الاتفاقية على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وضمان احترامه، وفقاً لجملة من الأحكام، منها اتفاقيات جنيف لعام 1949، واحترام حقوق الإنسان وضمان احترامها، وفقاً لجملة من الصكوك، منها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتؤكد الاتفاقية على مسؤولية جميع الدول، وفقاً لالتزاماتها الدولية، عن القيام على نحو فعال بتنظيم ومراقبة التجارة الدولية في الأسلحة التقليدية، ومنع تحويل وجهتها، فضلاً عن المسؤولية الأساسية لجميع الدول عن قيام كل منها بوضع وتنفيذ نظم رقابتها الوطنية. وتشدد الاتفاقية على مبدأ احترام المصالح المشروعة للدول في الحصول على الأسلحة التقليدية، وممارسة حقها في الدفاع عن النفس ولعمليات حفظ السلام، وفي إنتاج هذه الأسلحة وتصديرها واستيرادها ونقلها. وفي حيثياتها التفصيلية، تنطبق المعاهدة على كل الأسلحة التقليدية التي تقع ضمن الفئات التالية: 1- دبابات القتال. 2- مركبات القتال المدرعة. 3- منظومات المدفعية من العيار الكبير. 4- الطائرات المقاتلة. 5- طائرات الهليكوبتر الهجومية. 6- السفن الحربية. 7- القذائف وأجهزة إطلاق القذائف. 8- الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة. أما مصطلح تجارة السلاح، فيشمل عمليات التصدير، والاستيراد، والمرور العابر، وإعادة الشحن، والسمسرة. بيد أن هذه المعاهدة لا تنطبق على قيام دولة طرف، أو أي جهة تتصرف باسمها، بنقل الأسلحة التقليدية على الصعيد الدولي لاستخدامها الخاص، شريطة أن تظل هذه الأسلحة التقليدية تحت ملكية تلك الدولة الطرف. وتنص المعاهدة على ضرورة أن يجري تطبيقها من كل دولة طرف بصورة مستمرة وبطريقة موضوعية وغير تمييزية، واضعة في اعتبارها المبادئ المشار إليها في المعاهدة. ويجب أن تقوم كل دولة طرف بإنشاء وتعهد نظام مراقبة وطني، يشمل قائمة وطنية للأصناف الخاضعة للرقابة، من أجل تنفيذ أحكام المعاهدة. كما تقوم كل دولة طرف بإنشاء وتعهُّد نظام مراقبة وطني لتنظيم أعمال تصدير الذخائر التي يتم إطلاقها أو إيصالها باستخدام الأسلحة التقليدية المنصوص عليها في المادة (2) من المعاهدة، وتطبق أحكام المادة (6) والمادة (7)قبل الإذن بأي عملية لتصدير الذخائر. كذلك، تقوم كل دولة طرف بإنشاء وتعهد نظام مراقبة وطني لتنظيم أعمال تصدير الأجزاء والمكونات، حينما يكون التصدير على شكل يتيح إمكانية تجميع الأسلحة التقليدية المنصوص عليها في الماد 2 (1) من المعاهدة. ونصت المادة (6) من المعاهدة على أن لا تأذن الدولة الطرف بأي عملية لنقل أسلحة تقليدية إذا كانت على علم بأن هذه الأسلحة ستُستخدم في ارتكاب جريمة إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب، أو مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، أو هجمات موجهة ضد أهداف مدنية، أو ضد مدنيين يتمتعون بالحماية بتلك الصفة. أو ستستخدم في جرائم حرب أخرى على النحو الوارد تعريفه في الاتفاقات الدولية التي تكون طرفاً فيها. وتنظيمياً سوف تنشئ الأمم المتحدة بموجب هذه المعاهدة أمانة لمساعدة الدول الأطراف على تنفيذها بفعالية. وإلى حين انعقاد أول اجتماعات مؤتمر الدول الأطراف، ستتولى أمانة موقتة مسؤولية الوظائف الإدارية المنصوص عليها في المعاهدة. وتنص الاتفاقية على ضرورة أن تُزوَّد الأمانة المراد تشكيلها بما يكفي من الموظفين. وأن تكون لدى هؤلاء الموظفين الخبرة اللازمة لضمان قدرة الأمانة على الاضطلاع بفعالية بمسؤولياتها. ويشير نص الاتفاقية إلى أن الأمانة الموقتة، المنشأة بموجب المادة (18) تعقد اجتماعاً لمؤتمر الدول الأطراف في موعد لا يتجاوز سنة واحدة بعد بدء نفاذ المعاهدة، ثم تعقد الاجتماعات اللاحقة في الأوقات التي يقررها مؤتمر الدول الأطراف. وسوف يعتمد مؤتمر الدول الأطراف نظامه الداخلي في دورته الأولى بتوافق الآراء. كما سيعتمد قواعد مالية تنظم أنشطته، وتنظم تمويل أي هيئات فرعية قد ينشئها، ويعتمد كذلك أحكاماً مالية تنظم عمل الأمانة. ويعتمد، في كل دورة عادية، ميزانية للفترة المالية الممتدة حتى الدورة العادية التالية. وتشير المعاهدة إلى أنه لأي دولة طرف أن تقترح إدخال تعديل عليها بعد تنفيذها بستة أعوام. وبعد ذلك لا يجوز النظر في التعديلات المقترحة إلا بواسطة مؤتمر الدول الأطراف كل ثلاثة أعوام. وهذه المعاهدة غير محددة المدة. ولكل دولة طرف، في إطار ممارستها لسيادتها الوطنية، الحق في الانسحاب منها. ولكن لا تُعفى أي دولة، بسبب انسحابها من الالتزامات التي نشأت عن المعاهدة حينما كانت الدولة طرفاً فيها، بما في ذلك أي التزامات مالية قد تكون مستحقة عليها. بقى أن نشير إلى أن دولاً كبرى، مثل روسيا والصين والهند، قد امتنعت عن التصويت على معاهدة تجارة الأسلحة، وطرحت كل منها ملاحظاتها التي دفعتها لعدم الانضمام لهذه المعاهدة.
مشاركة :