السعودية والعراق في عهد الملك عبدالله - عبد الجليل زيد المرهون

  • 1/30/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

سيذكر العراقيون بالخير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي كان من آخر قرارات حكومته إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد. لقد جاء هذا القرار في إطار رؤية صائبة تؤكد على أهمية دمج العراق في محيطه الخليجي، باعتباره جزءاً أصيلاً من هذا المحيط، من جغرافيته ونسيجه الاجتماعي والثقافي. وأن تكون داعياً ومشجعاً على دمج العراق في بيئته الخليجية فهذا يعني بالضرورة أنك نصير للشعب العراقي. وإذا كانت المملكة العربية السعودية قد تحركت في هذا الاتجاه، على مدى عقد من الزمن، وتوجت ذلك بقرار حكيم، قضى بإعادة فتح سفارتها في بغداد، فإن القادم من الأيام سيشهد، بإذن الله، مزيداً من التأكيد السعودي على هذه المقاربة الواعية، فهذه أيضاً رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، رعاه الله، الذي يرى فيه العراقيون نصيراً لهم. وبالطبع، فإن السعودية لديها الكثير الذي يُمكنها عمله من أجل خير العراق وشعبه، وعلى الأخص فيما يرتبط بإعادة دمجه بمحيطه الخليجي. وقد يقول قائل وما مصلحة السعودية في ذلك؟. بالطبع، هذه مصلحة سعودية عراقية مشتركة، وهي في الوقت ذاته مصلحة قومية أكيدة وثابته. إن السعي لإعادة دمج بغداد في محيطها الخليجي يُمثل أحد السبل الرئيسية لإنجاز أمن العراق وتحقيق استقراره الداخلي. وهذا الاستقرار يُعد ركناً مكيناً في مقاربة أمن الخليج ذاته. إن عراقاً معزولاً عن محيطه الخليجي والعربي يبقى عراقاً ضعيفاً، تستفرد به قوى التطرف والظلام، التي تجد بالضرورة في هذه العزلة فرصتها. إن العلاقات السعودية العراقية تُمثل المدخل الأكثر واقعية وأرجحية لإعادة إنتاج تفاعلات بلاد الرافدين بمحيطها الخليجي. وحيث إن إعادة الإنتاج هذه تُعد ضرورة لا غنى عنها للأمن الإقليمي، فإنه يُمكن القول إن العلاقات السعودية العراقية تعتبر حاجة إقليمية، بقدر كونها مصلحة مشتركة حسناً فعلت السعودية أن أكدت بالقول والفعل على رؤيتها الداعية إلى دمج العراق في محيطه الخليجي، ومضت بخطى ثابتة على هذا الطريق. والمطلوب اليوم أن تؤكد كافة أقطار المنطقة على هذا المسار البناء. وأنا أقول ذلك للتاريخ، إذ إنني حضرت خلال السنوات العشر الماضية عدداً من الندوات والحلقات، التي عقدت في الرياض، ووجدت أن الجميع يحملون هذه الرؤية، ويدعون إليها. إن جميع من كانوا في هذه الحلقات قد أكدوا على أن دمج العراق في محيطه الخليجي يُمثل مصلحة خليجية، أكيدة وثابته، لا لبس فيها. وكان السؤال يدور حول كيفية تحقيق ذلك لا حول أرجحيته من عدمها.. وبالطبع، فإن الحاضرين في حلقات النقاش كان في جعبتهم من الرؤى والتصوّرات الشيء الكثير، إلا أن تحويل الرؤية من تصوّر سياسي مجرد إلى ما هو أكثر من ذلك يحتاج إلى مقاربات وسيطة تالية، ربما كثيرة ومتعددة. بيد أن جوهر الأمر يبقى واحداً، وهو أن هناك رغبة أكيدة وجامعة برؤية العراق وقد عاد إلى محيطه الخليجي، ورؤية هذا المحيط وقد ضم بين جناحيه بلاد الرافدين بمجدها الكبير، والتي هي في الأصل جزء لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي والثقافي والتاريخي. في مقابل ما يؤمن به الناس فعلاً في السعودية، وما يدعون إليه، خرجت بعض الكتابات على مدى السنوات الماضية، وتحديداً منذ العام 2003، بمقولة مفادها أن السعودية لا ترى مصلحتها في عودة العراق إلى محيطه الخليجي. وفي الحقيقة، هذه مقولة غريبة، تنم عن غفلة أصحابها وجهالتهم، وعدم درايتهم بواقع الحال. فالسعودية من مصلحتها الأكيدة والثابتة وجود عراق منسجم مع محيطه الخليجي. وهذا أمر مفهوم في حسابات السياسة والأمن معاً، وكل محلل ذي بصيرة يُمكنه أن يستنتج ذلك. وبطبيعة الحال، ثمة موروث تاريخي، يُمكن اعتباره سالباً، يفرض نفسه على مقاربة عودة العراق إلى محيطه الخليجي. وهذا الموروث ناجم أساساً، أو بالدرجة الأولى، عن سياسة الحكومات المتعاقبة في بغداد، منذ السابع عشر من تموز يوليو 1968 وحتى العام 2003، حيث اتبعت تلك الحكومات نهجاً متذبذباً، لم يحسن التعامل مع الملفات الضاغطة التي فرضت نفسها على النظام الإقليمي. هذا النهج، قاد بغداد في نهاية المطاف إلى الاصطدام بالجميع. وكان الغزو العراقي للكويت في آب أغسطس 1990 محصلته الأكثر مرارة. وعلى خلفية ذلك الغزو، انتهت قوة العراق الوازنة، التي احتاجها العرب جميعاً، على مختلف جبهاتهم وخطوطهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن البكاء على الأطلال، أو هجاء التاريخ، ليس له من معنى في مقاربات الأمن الإقليمي. والمهم ليس كيف كان حال العراق بالأمس، بل كيف هو اليوم، وكيف يُمكن أن يصبح في المستقبل. إن السؤال الجوهري يدور حول ما يُمكن تحقيقه في الحاضر والمستقبل على طريق إعادة دمج العراق بمحيطه الخليجي؟ فقرار المملكة العربية السعودية إعادة فتح سفارتها في بغداد كان قراراً تاريخياً ومفصلياً في هذا الاتجاه. وهذا القرار لن يعكس نفسه على مقاربة علاقة بلاد الرافدين بمحيطها الخليجي وحسب، بل العربي عامة. وفي الأصل، فإن هذه الخطوة لم تكن وليدة لحظتها، ولم تأتِ من فراغ، بل توّجت مساراً من التفاعلات التجارية والاقتصادية، الإيجابية والبناءة، بين البلدين الشقيقين. إن تطوّر العلاقات بين الدول يستند بالضرورة إلى تفاعلات حسية، يُمكن أن تعززها القواسم الثقافية والاجتماعية، كما هو الحال في علاقات السعودية بالعراق. بيد أن هذه القواسم لا يُمكنها أن تصبح بديلاً عن التفاعلات الحسية ذاتها. وهذه سنة العلاقات الدولية. وثمة بُعد آخر في المقاربة، يرتبط بالتفاعلات الأهلية أو الشعبية بين العراق والسعودية. وهذا ليس مفهوماً رديفاً للقواسم الاجتماعية أو الثقافية. إنه يشير إلى تفاعلات حسية، تجارية وثقافية وفي مجالات مدنية مختلفة، يقوم بها القطاع الخاص والهيئات غير الرسمية. هذه التفاعلات، تعزز التفاعل الرسمي بين الدول، وقد تُمثل في مرحلة ما رافعته الأساسية. ولذا، فهي مطلوبة ومحبذة. وبالنسبة للسعودية والعراق، هناك تفاعلات تجارية واقتصادية خاصة، وهي قد شهدت تطوّرات إيجابية في السنوات الأخيرة، صبت في مصلحة الشعبين والبلدين. وثمة حرص مشترك اليوم على تطويرها والارتقاء بها. بقى أن نشير إلى قضية جوهرية، مفادها أن العلاقات السعودية العراقية تُمثل المدخل الأكثر واقعية وأرجحية لإعادة إنتاج تفاعلات بلاد الرافدين بمحيطها الخليجي. وحيث إن إعادة الإنتاج هذه تُعد ضرورة لا غنى عنها للأمن الإقليمي، فإنه يُمكن القول إن العلاقات السعودية العراقية تعتبر حاجة إقليمية، بقدر كونها مصلحة مشتركة. إنها كذلك في حسابات البيئة السياسية والأمنية المباشرة، وفي المدلول الجيوسياسي الإقليمي الأوسع مدى. وهذا يعني، في التحليل الأخير، اننا بصدد مقاربة ذات بُعد استراتيجي وازن. وحيث إن الأمر على هذا القدر الكبير من الأهمية، فإن تطوير العلاقات السعودية العراقية لا بد أن يكون موضع ترحيب كافة الأطراف الإقليمية والعربية، وموضع مباركة قوية منها. هذا في التحليل العام، أو لنقل في السياق المباشر لفلسفة العلاقات السعودية العراقية. أما إذا أردنا الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيمكننا ببساطة إضافة أبعاد حيوية أخرى لهذه العلاقات، ذات صلة بقضايا تمس جوهر الأمن الدولي، أو لنقل تُمثل اليوم موضع تحدّ واسع لهذا الأمن. إن التعاون السعودي العراقي في قضايا الحدود، والتهريب والجريمة المنظمة، والتصدي للمجموعات الإرهابية، يتعدى في حساباته السياق الثنائي للعلاقات، ليتصل بفضاء الأمن الإقليمي، ومصلحة الأسرة الدولية عامة. وهذه النقطة تحديداً، كانت موضع إدراك مبكر لدى عدد من القوى الإقليمية والدولية، التي أشادت بتحسن علاقات العراق بمحيطه الخليجي، وفي المقدمة منه المملكة. إن الجهود الكبيرة التي بذلت في عهد المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير العلاقات الثنائية مع العراق، والتي تُوجت بقرار إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد، ستبقى موضع إشادة وترحيب الشعب العراقي، بكافة فئاته وأطيافه. إن السعودية والعراق يلتقيان اليوم على طريق الخير والأخوة الصادقة، ويحققان طموحات شعبين تربطهما وشائج الحضارة والتاريخ، وكل آيات المحبة. إن دجلة والفرات والخليج يتعانقون اليوم بدفء وسلام، وترسم أمواجهم الجميلة الزاهية حاضر هذه المنطقة ومستقبلها.

مشاركة :