وحلّ القضاء.. سلام عليك

  • 1/24/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

أن يموت الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز فهذا قضاء الله وقدره، ولكن أن يكون هو من كان لنا فهذا ما يجعل الخبر فاجعة! أحدثكم عنه بلغة الحب التي كان يجيدها، لا لغة الأرقام فقد كان له من اسمه أوفر الحظ والنصيب فهو عبد لله في تقواه وحبه وبذله. أحدثكم عن حضوره الكبير في عهد الراحل الملك فهد ـ رحمهما الله ـ حين بدأنا نلمس أن هناك تغييرا يتواكب مع الحياة وتحولاتها، وحين تولى الحكم كان المتربصون ينتظرون أن يتولى هذا الرجل الهادئ لينالوا من الوطن، وإذا الهدوء الذي كان يتشح به هو هدوء العارف الرزين والقوي الأمين، فظلت ألسنة الحاقدين وكلمات المتربصين ترتد وسمومهم تقف ولا تمتد فما أبرعه رحمه الله رحمة واسعة! الملك الصالح أصبح ملكا للإنسانية وللمبادرات الإنسانية، وهذه أول صفة تميزه فهو مواطن تولى الملك ويعي حاجات المواطنين، يزور مساكن الفقراء ويحني رأسه ليتطامن بمستوى سقفها ويرفعهم لسقف الحياة لاحقا. ارتفع الحد الأدنى للمرتبات وطال الارتفاع من يعلوهم فهل كانت إلا بركة عهده الميمون؟! أذكر الزيادة في المرتبات في عهده، تقول سيدة كلما أفقت في الصباح وتذكرت الزيادة التي قررها أدعو له من كل قلبي بالصحة والعافية وطول العمر، ولا عجب فقد كان هذا الملك دعوة على شفاهنا المحبة له وخفقة في قلوبنا الواجفة عليه فطال عمره ببركة بره لشعبه ونسأل الله في أثره فمن يقدر على نسيانه؟! أن يموت من عودنا على المكارم، وقدم لنا ما لم نطلب فكان أبا للفقراء والمساكين وأبا للنساء، استوصى بنا في عهده خيرا، وكان خير رجل لنا، فنالت المرأة حقوقا كثيرة في العمل والحضور في المجتمع، بل وفي عهده كان القضاء مع المرأة كما لم يكن من قبل. لن تجد رجلا أبسط منه في التعبير عن نفسه وأفكاره وحبه وتفانيه لوطنه هل أكتب عن عبدالله المواطن الصالح؟ والله لو كتبت ما أعرف لقيل إن ما نعرفه عنه ضرب من قصص الخيال التي لا يمكن أن تسير على أرض الواقع، لكن يكفينا أن طيبته الأسطورية جنبت بلادنا وبلدانا أخرى مجاورة ويلات لا يعلمها إلا الله. تسلم الحكم وفاض النفط على يديه، وحقق أسعارا لم تسبق كانت تصب في ميزانية تتزايد عاما بعد عام، وتحقق أرقاما قياسية غير مسبوقة! مات الرجل الذي صفح عن أعدائه وتسامح معهم، هل سمعتم بمثله يسير على نهج نبيه، فيترك لأعدائه أن يكونوا من الطلقاء؟! وفي مطلع عهده عفا عن سجناء وأطلق سراحهم وأطلق معهم الحرية للرأي وواجه الفساد بشجاعة، وأعلن أنه جاد في أن يحاربه. أحدثكم عن رجل الابتعاث بمراحله العشر حتى اليوم يتيح التعليم في أرقى جامعات الدنيا. أحدثكم عن رجل رحل وقد طال به العمر وطال مرضه، إلا أن رحيله كان صادما وعمره لم يحسب إلا بسنواته البيضاء في الحكم، فكان فقده مفجعا بقدر ما نال من حب. أحدثكم عن رجل قبل أن يكون ملكا اقتطع للثقافة من بيته مكتبة، فكانت مكتبة الملك عبدالعزيز جزءا من قصره الثقافي تقوم بما تعجز عنه مكتبات مجتمعة فتنمي الوعي وتخدم المجتمع. وما دام الحديث عن الثقافة فإن أقوى مهرجانات العرب للعقود الثلاثة الأخيرة هو المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي خرج شامخا أيضا من الحرس الوطني والحرس الوطني بيت عبدالله الأول، وليس غريبا أن يكون ما يملكه هذا الرجل المعطاء مسخرا لنفع الآخرين. أحدثكم عن بساطته المتناهية التي لا تحمل صولجان الملك ولا سواريه، بل تبذل وتعطي فيكون لها الملك الحقيقي فقد كان حقا للبيتين خادما للبيتين، لا نكاد نلاحق مشاريع الخير التي تصب في توسعاتهما ولا تتوانى عن خدمتهما. لم تسقط قضية من قضايا العرب والمسلمين من حسبانه، بل كان يبادر لدرء الشر عن الأوطان، وكان المال أرخص ما يبذله. كم من منحة بلا مَنّ ولا أذى ثمّنها الأشقاء منه؟! وكم من إحسان طال أنامل غضة وأجسادا، أوهنها اللجوء والفرار والفقر والمرارة. لم يكن تزايد الخير في عهده مجرد أرقام مبهمة، بل حول الكثير من الفائض لمشاريع طال انتظارها ولتنمية البيئة وتأسيس شبكات المياه والكهرباء. أنفق على التعليم وعلى التدريب ووظف الخرجين وحسّن مستويات، وأفاض حتى على غير العاملين، فصرف لهم مخصصات في عهده، كما نال أصحاب الاحتياجات الخاصة بعض الامتيازات. هل بقي مجال لم أذكره؟ الجواب نعم، فقد كان الرجل محركا صادقا للتنمية في كل جزء، وقد كان يدرك ما يجب ويختار أصحاب الاختصاص من الأكفاء ليوكل إليهم الأمور. والدنا الحبيب جعل الله لك هذه الوفاة حياة ناعمة وسعادة لا تنقطع في جنان الخلد، بحق كل خير نبع من بين يديك، وبحق كل دمعة ذرفت أو ما زالت تهطل حزنا عليك. سلام عليك سلام عليك.

مشاركة :