يحتفل أبناء الشعب العُماني الوفي على امتداد أرض عُمان الأبيّة، اليوم الأحد الثامن عشر من نوفمبر بمناسبة العيد الوطني الثامن والأربعين المجيد، وكلّهم اعتزاز وثقة وإرادة مقرونة بالحبّ والدعوات والامتنان لباني نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم. ويجسد ما تحقق على مدى الأعوام الثمانية والأربعين الماضية، في كل مجال وعلى كل شبر من أرض عُمان الطاهرة، حجم الجهد والعطاء الذي تم خلال مسيرة النهضة المباركة منذ اليوم الأول لانطلاقها، ويدين العمانيون بفضله إلى جلالته وحكمة وإرادة وحبّ جلالته لهذه الأرض الطيبة ولأبناء شعبه, إذ تمكن من حشد كل طاقات أبناء الوطن وتوجيهها لتحقيق نقلة نوعية في كل مجالات الحياة بأيدي العمانيين، ولخيرهم وصالح أبنائهم في الحاضر والمستقبل، وتظل العلاقة الخاصة والعميقة بين جلالته وأبناء الوطن بأجيالهم المتعاقبة، عمانية المحتوى والجوهر والمعنى، وهو ما يعبر عن نفسه دوما في مختلف المجالات. وبينما تطلعت عُمان، دولة ومجتمعًا وموطنًا، إلى الانتقال مما كانت عليه عام 1970 إلى آفاق القرن الحادي والعشرين، وإلى الإسهام النشط والإيجابي لصالح السلام والأمن والاستقرار لها ولكل دول وشعوب المنطقة من حولها، يرتكز على إنجازات اقتصادية واجتماعية، وعلى ازدهار وتطور كبير لمستوى معيشة المواطن العماني بكل جوانبها، فإن تحقيق ذلك كله والاستمرار إنما هو ثمرة من ثمار الفكر المستنير لجلالة القائد المفدى وحرصه على رعاية المواطن العماني، وتوفير كل أسباب التقدم والتطور أمامه، وإعداده تعليميًّا وثقافيًّا وتدريبيًّا ليقوم بدوره الأساسي شريكًا وطرفًا أصيلاً في صياغة وتوجيه التنمية الوطنية في كل المجالات؛ لكونه وسيلة التنمية وغايتها، ومن أجل إرساء وترسيخ أسس وركائز الدولة العصرية القائمة على العدل والمساواة والمواطنة وحكم القانون التي تحرص عليها الرعاية السامية لوحدة الوطن وتماسك وترابط أبنائه وترابه، من محافظة مسندم حتى آخر شبر من أرض عُمان في ظفار، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، في البريمي والظاهرة والوسطى والربع الخالي. وقد جسد النظام الأساسي للدولة وتعديلاته كل هذه الجوانب بما يحقق دولة المؤسسات وحكم القانون، والتعاون الواسع والعميق بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية في إطار المساواة وحكم القانون، واستغلال القضاء وتيسير العدالة للمواطنين. من جانب آخر، في إطار الرعاية السامية للمواطن العماني، خاصة شريحة الشباب التي تحظى باهتمام خاص ومتواصل من جلالة السلطان المعظم، فإنه تم توفير فرص عمل لأكثر من 33 ألفًا من الباحثين عن عمل في مؤسسات القطاع الخاص بالتعاون مع الحكومة حتى أواخر مايو الماضي، كما أمر جلالته في أكتوبر الماضي بترقية المواطنين العمانيين من موظفي الدولة دفعة 2010، كما تم توسيع شريحة المواطنين المستفيدين من برنامج دعم الوقود الذي تنفذه الحكومة وتم رصد مبلغ مائة مليون ريال عماني له في موازنة هذا العام 2018 لتخفيف أعباء المواطنين. وفي إطار التعاون والتنسيق بين مجلس الوزراء ومجلس عُمان (مجلسي الدولة والشورى)، عُقد لقاء مشترك بين مجلس الوزراء ومجلس عُمان في الثاني من مايو، ومما له دلالة في هذا المجال، أن أبناء الوطن ومختلف أجهزة الدولة أظهروا -كعادتهم- درجة عملية من التماسك والتعاون في مواجهة الأنواء المناخية التي تعرضت لها محافظتا ظفار والوسطى (الإعصار مكونو) في مايو الماضي، والإعصار «لبان» في أكتوبر الماضي، وهو ما كان موضع إشادة من جانب مجلس الوزراء والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى المعنية بالجوانب البيئية. وعلى الصعيد التنموي، تنطلق مسيرة التنمية العمانية الحديثة بخطى واثقة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار للمواطن العماني وتحسين مستويات المعيشية له بشكل دائم ومتواصل، مع توفير كل ما يمكن الاقتصاد العماني من تحقيق الأهداف المحددة له من حيث النمو وتنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على النفط مصدرًا رئيسًا للإيرادات الحكومية، وتنفيذ المشاريع في القطاعات الرئيسة المعتمدة في الخطة الخمسية التاسعة (2016-2020) والبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ) والاستعداد لاستراتيجية رؤية مستقبلية «عمان 2040» للانطلاق بالاقتصاد العماني إلى آفاق أرحب وتحويل السلطنة إلى مركز إقليمي لوجيستي متطور، خاصة مع استكمال مشروعات المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم خلال الفترة القادمة. وبينما تم افتتاح مطار مسقط الدولي الجديد يوم 11 نوفمبر 2018، وافتتاح مطار الدقم للتشغيل التجاري في 17 سبتمبر الماضي، فإنه يتم الإعداد لتدشين عدة مشروعات، منها مشروع مصفاة النفط والصناعات البتروكيماوية، ومشروع المدينة الصينية باستثماراته الكبيرة، ومشروع المدينة الذكية التي تم الاتفاق بشأنها مع كوريا الجنوبية في شهر يوليو الماضي. وفي حين تواصل الحكومة العمل على خفض الإنفاق العام، وزيادة الموارد والعائدات، وتخفيض نسبة العجز في الميزانية العامة لعام 2019، مع زيادة الاستثمارات الأجنبية، وتنشيط قطاع السياحة، فإن حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم تحرص في الوقت ذاته على تطوير الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية للمواطن العماني، بما يتجاوب مع التطور الاقتصادي والاجتماعي المتواصل الذي تشهده السلطنة.. وفي هذا الإطار، حققت السلطنة مراتب متقدمة في العديد من المؤشرات التي تصدرها مؤسسات دولية حول جوانب مختلفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تصدرت السلطنة المراتب الأولى في عدد من مؤشرات التنافسية الدولية، كمؤشر وقوع الإرهاب ومؤشر الخلو من الإرهاب، ومؤشر موثوقية خدمات الشرطة ومؤشر استقلال القضاء، ومؤشر جودة الطرق ومؤشر كفاءة خدمات الموانئ، ومؤشر البيانات المفتوحة وغيرها، وهو ما يعكس الجهد الكبير الذي تبذله الحكومة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية وغيرها. وقد أعرب جلالة السلطان المعظم عن ارتياحه وتقديره لما تبذله الحكومة من جهود متواصلة تراعي البعدين الاقتصادي والاجتماعي، خلال ترؤس جلالته اجتماع مجلس الوزراء في السابع من فبراير الماضي. وتسعى حكومة السلطنة الى إعطاء دفعة كبيرة لبرامج تطوير قدرات ومهارات الشباب، سواء من خلال البرامج المعدة في هذا المجال، ومنها «البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب» الذي تم تدشينه بمباركة سامية هذا العام من قبل ديوان البلاط السلطاني، أو من خلال تشجيع ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير المزيد من التسهيلات؛ لها لتشجيع الشباب على إنشاء مشروعاتهم الخاصة ولأهمية هذه النوعية من المشروعات للاقتصاد الوطني وتطوره في المستقبل. ويترافق ذلك مع برامج تنشيط السياحة والاستثمار في المشروعات السياحية في مختلف محافظات السلطنة، والعمل على استثمار المقومات السياحية التي تتمتع بها السلطنة في هذا المجال. وبينما تم إصدار التأشيرة السياحية الإلكترونية، تم تشغيل مطار مسقط الدولي بكامل مرافقه في مارس 2018، ليشكل إضافة مهمة لعمليات الترويج السياحي للسلطنة، كما حقق مهرجان مسقط ومهرجان صلالة السياحي مزيدًا من التطور والقدرة على جذب المزيد من السائحين، وهو يصب في صالح الوطن والمواطن. من ناحية أخرى، تم تنفيذ التمرين الوطني «الشموخ 2» والتمرين المشترك العماني البريطاني «السيف السريع 3» بين قوات السلطان المسلحة والقوات المسلحة الملكية البريطانية، خلال شهر أكتوبر الماضي، وقد تم تنفيذ البيان العملي للذخيرة الحية للتمرينين في الثالث من نوفمبر الجاري. وفي الوقت الذي أثبت فيه التمرين الوطني «الشموخ 2» الذي شاركت فيه وحدات من قوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني وشرطة عُمان السلطانية والجهات العسكرية والأمنية والمدنية الأخرى، جاهزية كل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وقدرتها على العمل والتعاون الوثيق قيادة واحدة لمواجهة أي تطورات، فإن التمرين العماني البريطاني المشترك «السيف السريع 3» قد أكد بوضوح الكفاءة القتالية العالية لقوات السلطان المسلحة وكفاءة التخطيط والتنفيذ والانضباط التام لأبنائنا البواسل، كما أكد القدرة على العمل بتناغم وتعاون وثيق مع القوات المسلحة البريطانية الصديقة، وهو ما أفاد كلا الطرفين العماني والبريطاني حسبما أكد ذلك القادة العسكريون من الجانبين، والمؤكد أنه ليس مصادفة أبدًا ما تحققه قوات السلطان المسلحة بأنواعها المختلفة من هذا المستوى الرفيع من الكفاءة والمهارة والقدرة القتالية على استخدام الأسلحة الحديثة وتقنيات القتال المتطورة؛ نظرًا إلى الرعاية السامية الدائمة لها ولمنتسبيها من جانب القائد الأعلى، وعلى سبيل المثال، تم في 17 مايو الماضي افتتاح مصنع الذخائر في سمائل بمحافظة الداخلية. وقد عمل فكر جلالة السلطان المعظم ورؤيته المستنيرة وقراءته الواعية لما يحدث في العالم على تهيئة أفضل نظام للسلام وحل المشكلات في المنطقة عبر الحوار وبناء أفضل العلاقات بين دولها وشعوبها، في إطار قواعد القانون والشرعية الدولية ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم اللجوء إلى القوة أو التهديد بها لحل الخلافات والنزاعات الدولية. إن عُمان القوية بقيادتها وأبنائها كانت وستظل صمام أمان وركيزة للأمن والاستقرار والسلام في الخليج والمنطقة العربية والشرق الأوسط من حولها، وإن ما شهدته وتشهده السلطنة من تحركات واتصالات وزيارات على أرفع المستويات وما تبذله، من مساعٍ حميدة من أجل الإسهام في حل المشكلات والصراعات الجارية في المنطقة عبر الحوار والطرق السلمية، ينطوي على دلالات بالغة أهمها ما يتمتع به جلالة القائد المفدى من تقدير ومكانة رفيعة على كل المستويات الرسمية والشعبية، وحرص الكثيرين في المنطقة والعالم على الاستماع إلى تقييمه ورؤيته لمختلف التطورات، والاستفادة من حكمة جلالته لدفع مسارات السلام التي تتطلع إليها شعوب المنطقة وتستعجل السير فيها اليوم قبل الغد، ليس بالنسبة إلى القضية الفلسطينية فقط وضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل لها في إطار عمل الدولتين، بل أيضًا بالنسبة إلى مختلف المشكلات والأزمات الراهنة في المنطقة التي عانت وتعاني منها شعوبها.
مشاركة :