ورحل حكيم العرب.. إنها لفاجعة أليمة ويوم حزين في حياة الشعب السعودي والأمتين العربية والإسلامية بل والعالم، فبرحيل زعيم عظيم بقامة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وبوفاته خسر العالم صوتًا للحكمة والعقل من الأصوات القلائل اليوم، وقد عرفه العالم قائدًا شجاعًا وصاحب مبادئ، كرّس حياته لخدمة دينه ووطنه وأمته، وداعيًا للحوار بين الحضارات والثقافات، ومواقفه المشهودة لن تمحى من ذاكرة التاريخ لانحيازه للحق وقضايا أمته العادلة. كان الملك عبدالله -رحمه الله- صاحب رؤية وبعد نظر، وقد شهدت المملكة في عهده وعلى مدار أكثر من تسع سنوات حافلة بالعطاء والإنجاز طفرات كبيرة تنموية وحضارية، وخاصة المدينتين المقدستين، وقد طالت التنمية كافة المناطق وربوع الوطن وفق منهجية تقوم على الإصلاح والتدرج، ولم ينفصل الملك عبدالله طوال عهده يومًا عن آمال وطموحات شعبه، بل كان ينحاز لهم على حساب وزرائه، ويوصيهم أن يعاملوا الصغير والكبير كأنه الملك عبدالله. عزاؤنا أنه قضاء الله وقدره، وأن انتقال الحكم في المملكة تمَّ بسلاسة وفق نظام هيئة البيعة الذي أسَّسه الملك عبدالله ليضمن استقرار الأمن والحكم، وليحافظ على منجزات ومقدّرات الوطن من بعده -رحمه الله- ووسط عالم يموج بالاضطرابات بعث انتقال السلطة رسالة اطمئنان لكافة دول العالم، أن المملكة سوف تبقى دومًا عامل استقرار وسلام في المنطقة والعالم، كما أكدت على حقيقة اللُحمة القوية التي تربط قادة هذه البلاد بشعبها، خاصة في الملمات والمواقف العصيبة، وقد آل زمام الأمور وأصبح بيد من يوصف بأنه خير خلف لخير سلف، مستشار الملوك وأمين سر الأسرة الحاكمة إنه الملك سلمان بن عبدالعزيز، أحد أهم أعمدة الحكم في المملكة، الذي شارك بكل كفاءة واقتدار منذ عهد الملك سعود في مسيرة العطاء والتنمية، وله سجل حافل بالإنجاز على مدى ستة عقود، وهو يعمل بتفانٍ وإخلاص لخدمة وطنه، كما أشرف بجوار إمارته لمنطقة الرياض، ثم توليه ولاية العهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع، على العديد من الملفات الهامة والحساسة، ومثَّل المملكة في العديد من المحافل والمؤتمرات الدولية. كما عرف عن الملك سلمان بن عبدالعزيز فضلاً أنه رائد للعمل الخيري ولعه بالقراءة والمتابعة الحصيفة لكل ما يكتب وينشر، خاصة بوسائل الإعلام، كما أنه قارئ بارع للتاريخ، وملم بعبره وأحداثه، ولم يمنعه التزامه بساعات عمله الطوال من القيام بواجباته الاجتماعية، لذا فهو تربطه علاقات حميمة بكافة الأوساط والنخب والمثقفين في المجتمع السعودي والعربي، كما أنه على دراية كبيرة بعلم الأنساب والأسر. ويأتي تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في ظل عالم يموج بالاضطرابات، وتشهد المنطقة تحديات جسامًا، بل وتمر بمرحلة فارقة وخطيرة، لكنه بعد عون الله يتسلّح بخبراته وملكاته في السياسة والحكم، كما تربطه علاقات قوية بكل الملوك والأمراء وزعماء العالم، ويعاونه سمو ولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز، الرجل الذي له تجربة كبيرة وثرية كمستشار ومبعوث خاص للملك عبدالله،وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية ذو الشخصية المتميزة. رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأسكنه فسيح جناته، ومدَّ الله في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ووفّقه لما فيه خير الوطن ومصلحة الإسلام والمسلمين، لتبقى المملكة ذخرًا لأمتها وللعالم. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
مشاركة :