قبل أيام، صدر الأمر القضائي بإلزام البيت الأبيض إعادة تصريح مراسل CNN جيم أكوستا، الذي كانت قضيته محور مناقشات شبكات إعلامية أمريكية مختلفة؛ تخوّفت أن تكون طريقة التعامل مع ذلك المراسل هي بداية لتصفية حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع القنوات الأمريكية التي يراها عدوة له ولإدارته! جاء في بيان CNN بشأن مراسلها أكوستا بعد صدور الحكم: «نحن ممتنون لهذه النتيجة ونتطلع إلى حل كامل في الأيام القادمة. شكرنا الصادق لجميع الذين دعموا ليس فقط CNN، بل صحافة أمريكية حرة وقوية ومستقلة». توقفت قليلا عند ما حدث، ليس لمراقبة وتقييم المصيب من المخطئ، ولكن لقراءة الموقف من زوايا مختلفة، وملاحظة «الفروق السبعة» التي لا بد من إنعاشها لذاكرة الحريات الإعلامية في دولنا. صحفي يواجه رئيس دولة، ثم يتعرض لتقريع وتنمّر لفظي عنيف على الملأ، متبوع بسحب رخصته كمراسل لتغطية مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية. يتعاطف معه صحفي من قناة أخرى في ذات المؤتمر الصحفي، ثم تتعاطف معه قنوات إعلامية وصحفيون ومجتمع مدني، ثم يصدر أمر قضائي ينتصر للصحفي ضد الرئيس الأمريكي وإدارته، لتعود إليه الرخصة بأمر قضائي ويعود إلى موقعه! فقط لنعكس ذلك المشهد لدينا، لنقرأ البون الشاسع بين فهمهم للحريات الصحفية واحترام الصحفيين والإعلاميين هناك وبين فهمنا لها هنا! هناك كانت لديه الحرية لأن يختلف مع رئيس أكبر دولة في العالم، وأن يناقشه بكل أريحية، وإن وجد البعض في تصرفه حدّة ونوعا من التحدي. هناك وجد زملاء مهنة وقفوا معه وساندوه، ثم وجد فرصة لأن يحتكم إلى القضاء، وانتهى جمال القصة بأن انتصر له القضاء ضد الرئيس وإدارته! أما لدينا فستنتهي القصة قبل أن تبدأ! الصوت المخالف غالبا يُكبت، وإذا تُرك فإنه يخوّن ويتم التشهير به، وأول من يتعرّض له ويشمت به وينتقم منه بل ويصفّي حسابه معه، بعض المحسوبين (كزملاء) في المهنة! ولا تسأل طبعا عن قضاء ينصف ولا مجتمع يرحم، إلا ما رحم ربي طبعا. هي مقارنة ومفارقة، لا بد أن تتعدّل بوصلتها لدينا. لا يمكن النظر للصحفي والكاتب كعدو، بل هو الناصح المؤتمن. هناك فرق بين صحف وصحفيين يتصيدون الزلّة، وبين من ينشد العدالة والكرامة للوطن والمواطن. كل عام وصحافتنا وصحفيونا بألف عافية.
مشاركة :