ماي تستكمل زيارة خاطفة إلى بروكسل دون تحقيق اختراق كبير لحلحلة آخر النقاط العالقة في اتفاق الانفصال ومدريد تفاجأ نظراءها الأوروبيين بالتهديد بتعطيل اتفاق بريكست بسبب مستقبل جبل طارق.بروكسل – مازال الاختلاف والتوتر سائدا بين أطراف بريكست رغم اقتراب موعد انعقاد القمة الأوروبية الحاسمة المقرر عقدها الأحد القادم. ففيما أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مساء الأربعاء فشل الزيارة الخاطفة التي قامت بها إلى بروكسل في تحقيق أي اختراق حاسم لحلحلة آخر النقاط العالقة في اتفاق بريكست وتتعهد بالعودة السبت، جدد رئيس الحكومة الاسباني بيدرو سانشيز مساء الأربعاء تهديده بتعطيل اتفاق بريكست في القمة الأوروبية إذا لم يتضمن بشكل واضح منح مدريد حق الاعتراض في المفاوضات المقبلة حول جبل طارق. والتقت ماي التي تواجه تمردا داخل حزبها المحافظ بسبب إدارتها ملف بريكست، رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مدة ساعتين في مقر المفوضية الأوروبية. وقالت متحدثة باسم المفوضية "لقد تم إحراز تقدم جيد جدا خلال الاجتماع" لكنها أضافت أن "العمل مستمر" دون مزيد من التفاصيل. كما أكدت ماي "عقدنا اجتماعا جيدا مساء". وأضافت "سأعود السبت لعقد اجتماعات أخرى لمناقشة كيف يمكننا التأكد من أننا نستطيع إنهاء هذه العملية". وركز الاجتماع بين الزعيمين على "الإطار" الذي لم يتم تحديده بعد للعلاقات المستقبلية بين الطرفين الذي يفترض أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه لإنهاء مفاوضات معقدة غير مسبوقة بدأت في حزيران/يونيو 2017. وتثير القضايا الصعبة التوتر، مثل مصير جبل طارق البريطاني، أو العلاقات التجارية المستقبلية بين الطرفين، أو وصول صيادي الأسماك الأوروبيين إلى المياه البريطانية بعد بريكست. مدريد تهدد وهددت مدريد بعرقلة أي اتفاق بشأن بريكست إذا لم يتم الاعتراف بشكل واضح بدورها المباشر في المفاوضات حول مستقبل جبل طارق، الجيب البريطاني الواقع في جنوب اسبانيا. وقال رئيس الحكومة الاسباني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البرتغالي انطونيو كوستا على أثر قمة بينهما في بلد الوليد بوسط اسبانيا "إذا لم تتم تسوية هذا الأمر بحلول الأحد، فستصوت اسبانيا للأسف بلا وستستخدم قدرتها على التعطيل لأنها قضية تمس بجوهر بلدنا". وأضاف أن "اتفاق الانسحاب غير مقبول ومثله الإعلان السياسي" حول العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، مؤكدا أنه على المفوضية الأوروبية ولندن أن "تدركا أنها نقطة أساسية". وتابع "نشعر أننا مضطرون لذلك ندافع عن مصالح الأمة الاسبانية وسنفعل ذلك حتى النهاية". وتأخذ اسبانيا على مشروع الاتفاق حول بريكست الذي نشر قبل أسبوع بأنه لا يذكر بوضوح أن مدريد تملك حق الاعتراض في المفاوضات المستقبلية حول جبل طارق، الجيب البريطاني الواقع جنوب اسبانيا وتطالب مدريد بالسيادة عليه. وتطالب اسبانيا التي تؤكد أنها لم تطلع على مشروع الاتفاق إلا في يوم نشره قبل أسبوع، بتعديل النص من قبل كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، أو بأي حل آخر لمنع أي "التباس". وكانت الدول الـ27 تعهدت قبل بدء المفاوضات حول بريكست في حزيران/يونيو 2017 "ألا يطبق أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على أراضي جبل طارق" بدون ضوء أخضر من اسبانيا. وهذا التهديد أطلقه الاثنين وزير الخارجية الاسباني خوسيب بوريل وكرره سانشيز الثلاثاء قبل أيام من قمة بروكسل الطارئة التي يفترض أن تبرم اتفاق انفصال بريطانيا، شكل مفاجأة لأنه صدر عن دولة تعتبر مسالمة جدا داخل الاتحاد الأوروبي. وصرح مصدر دبلوماسي لفرانس برس أن تهديدات اللحظة الأخيرة هذه من قبل إسبانيا تثير استياء شركائها الأوروبيين "لأن لا أحد يريد إعادة فتح ملف الانسحاب" بعدما أقرته الحكومة البريطانية بعد جهود شاقة. "إعلان سياسي" وقبل أن تتوجه إلى بروكسل، ردت رئيسة الوزراء المحافظة مرة جديدة على أسئلة أعضاء البرلمان الذي ينبغي أن يصادق على أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، فأكدت لهم أن "الخيار" الوحيد المطروح على البلاد سيكون "إما المزيد من الغموض والانقسامات، وإما لا بريكست إطلاقا". أما الاتفاق الذي أنجز الأسبوع الماضي بين فرق التفاوض، فيتعلق بمشروع "اتفاق انسحاب" المملكة المتحدة، وهو نص يقع في نحو 600 صفحة ويقضي بفك الروابط التي بنيت خلال أربعين عاما منذ انضمام بريطانيا إلى الاتحاد. وينظم هذا النص خصوصا مسألة الأموال التي يفترض أن تسددها لندن للاتحاد الأوروبي، بدون ذكر أرقام، ويتضمن حلا مثيرا للجدل لتجنب العودة إلى حدود مادية بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية. علما الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مخاض صعب لكن هذا الاتفاق الذي يتعرض لانتقادات في بريطانيا حيث تتهم ماي بتقديم تنازلات كبيرة للاتحاد الأوروبي، يفترض أن يرافقه "إعلان سياسي" يحدد الخطوط العريضة للعلاقة المقبلة مع الاتحاد، خصوصا على الصعيد التجاري. ولن يكون لهذه الوثيقة التي قال مصدر أوروبي إنها تقع في "عشرين صفحة"، أي قيمة قانونية لكن أبعادها السياسية كبيرة إذ ستشكل إطارا للمفاوضات التجارية التي لا يمكن أن تبدأ رسميا إلا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد في 30 آذار/مارس 2019 بحسب الموعد المقرر. وسيكون لدى الطرفين فترة انتقالية للتفاوض من المقرر أن تنتهي في نهاية 2020 ويمكن تمديدها عند الحاجة. لكن يتحتم على لندن والدول الـ27 منذ الآن أن ترسي حدا أدنى من الوضوح بشأن هذه "العلاقة المستقبلية". والاتحاد الأوروبي موافق على "التوصل إلى عدم وجود رسوم جمركية وحصص لكل السلع" مع المملكة المتحدة. لكن من غير الوارد أن تحصل بريطانيا على علاقة تجارية "بلا احتكاكات" إذا واصلت السعي للتحرر من قواعد الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة، كما تقول بإصرار دول أوروبية عدة. شدد مصدر دبلوماسي على أن "الاتحاد الجمركي يعني التخلي عن اتباع سياسة تجارية مستقلة والقبول بقواعد منافسة نزيهة (مع الشركات الأوروبية)، وهذا يجب أن يكون واضحا للبريطانيين". وتريد دول مثل فرنسا وهولندا أيضا تنظيم دخول الأساطيل الأوروبية إلى المياه الإقليمية للمملكة المتحدة في المستقبل، وهي قضية حساسة استبعدت من "النطاق الجمركي الموحد " لذي يعد الملاذ الأخير لتسوية قضية الحدود الإيرلندية إذا لم تسفر المفاوضات التجارية المقبلة عن حل لها. وقال مصدر أوروبي إنه "من المهم الربط بين دخول السوق الأوروبية (للأسماك المصطادة في المياه البريطانية) ودخول المياه الإقليمية البريطانية" للأوروبيين. من جهتها، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الأربعاء "آمل أن تتم تسوية كل شيء بحلول الأحد"، معترفة بأنها لا تعرف "كيف ستحل المشكلة". وإذا توصلت الحكومة البريطانية والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول كل جوانب الانفصال، فسيكون عليها انتظار مصادقة البرلمان الأوروبي وكذلك موافقة البرلمان البريطاني غير المحسومة بعد.
مشاركة :