فارس الزلّاقة يوسف بن تاشفين... موحّد المغرب ومنقذ الأندلس من الض...

  • 11/23/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حين نذكر مواقف البطولة والشجاعة والغيرة على الإسلام، فإننا بلاشك نذكر رموزًا إسلامية خلدها التاريخ ببطولاتها العظيمة التي خاضتها شخصيات ممتدة عمقاً بطولياً عبر الزمن، ونفخر بها، ونُطل على أمجادها التاريخية بعين الاعتزاز.ولكن هناك من الشخصيات الإسلامية البارزة في مواقفها البطولية إلا أن التاريخ لم ينصفها، ومن بينهم الرجل التقي الورع يوسف بن تاشفين أمير المرابطين الذي وحّد المغرب، وأنقذ الأندلس من الضياع في عصر ملوك الطوائف، الذين انقسموا إلى دويلات صغيرة تتنازع من أجل إبقاء عروشها، منغمسين في حالات الترف والطرب والجواري والبساتين.من هو يوسف بن تاشفين؟هو رجل أمازيغي عاش قرناً، وقد وُلد عام 400 هـجرية (1009م) في المنطقة الواقعة على المثلث الحدودي بين موريتانيا والجزائر والمغرب، وتُوفي في شهر محرم من عام 500هـجرية عن عمر يقارب المئة عام، وقد كتب الله عز وجل بقاء الإسلام أربعة قرون بفضل منه تبارك وتعالى، ثم ببطولات هذا الرجل. لقد أسس بن تاشفين امبراطورية إسلامية عظمى تمتد من الأندلس شمالاً إلى أقاصي إفريقيا غربا تابعة لقيادته في مراكش.لا أعرف شخصيا لماذا تم تغييب اسم يوسف بن تاشفين، وتم تجاهله من قائمة أبطال الإسلام. لقد حوّل هذا الرجل المجاهد الحركة المرابطية من حركة جهادية تهتم بنشر الإسلام الصحيح إلى دولة متكاملة الأركان، متينة البنيان بالمفهوم الشامل لكلمة الدولة، وقد أقام الدولة تحت راية الكتاب والسنة. ولقد نشأ يوسف بن تاشفين على حُبّ الزهد والشجاعة والرباط والجهاد والدعوة للإسلام، ما دفعه للالتحاق بمجموعة الشيخ عبد الله بن ياسين، مؤسس الحركة المرابطية، ووصل الأمر به إلى أن أوكل أبو بكر اللمتوني المغرب لابن عمه يوسف بن تاشفين، وليس هذا فحسب، وإنما زوّجه بزوجته زينب بنت إسحاق النفزاوية بعد أن طلقها، وفي فترة قصيرة استطاع بن تاشفين توحيد القبائل، وهكذا ذاع صيته في كل أرجاء المغرب، ففكر بن تاشفين في تأسيس قاعدة لحكمه فاختار أرضا تقع شمال غربي مدينة أغمات، وهنا تأسست مدينة مرَّاكش سنة 454 هجرية (1062م).هذا وقد استولى ملك قشتالة ألفونسو السادس على طليطلة سنة 478هـ (1085م) وبدأ تهديده ووعيده بملوك الطوائف بإنهاء عروشهم ودويلاتهم، وهنا استصرخ الأندلسيون أشقاءهم في المغرب، وطلبوا العون منهم، وكان ذلك في عهد يوسف بن تاشفين الذي كان أمير دولة المرابطين، وتخوف بعض الأمراء من سطوة يوسف الذي قد يستولي على دولهم، وهو المجاهد العظيم الورع صاحب الفتوحات الكبيرة. فعارض البعض من ملوك الطوائف بالأندس فكرة النجدة من بن تاشفين، إلا أن ملك إشبيلية المعتمد على الله محمد بن عباد دعم فكرة الاستعانة بيوسف بن تاشفين.وقد قال جملته الشهيرة: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير»، وكان يقصد بها أن يصبح أسيرًا لدى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، أفضل من أن يكون أسيرًا عند ألفونسو السادس ملك قشتالة. وفي الزاوية الأخرى قرر يوسف بن تاشفين بعد عودته للمغرب سنة 482 هجرية أن يسقط دولة ملوك الطوائف، وقد أخذ بفتاوى علماء المغرب والأندلس، وكان قد جاوز الثمانين عاماً آنذاك، وبنظرته الثاقبة، وتجربته الكبيرة في الميدان، رأى ضرورة حماية الإسلام في الأندلس، وتوحيد الدويلات تحت راية الكتاب والسنة.لقد أراد بن تاشفين بقلب المسلم المحب لدينه الإبقاء على الإسلام في الأندلس، فقد ساءه ما راه من أوضاع ملوك وأمراء الطوائف وأغضبه ماشاهد من ضعف العقيدة، وآلمته مشاهد الترف والفسق والمجون واللهو، وانغماسهم في الشهوات، وأدرك أن انتشار الحياة القائمة على المجون والفسق قد عمت على الأندلسيين، ما جعلهم فريسة سهلة للعدو الذي يتربص بهم، ويتمنى زوال ملكهم. لذا قرربن تاشفين إنهاء عصرهم بعد معركة الزلاقة التي لم يتركوا حياة الترف والمجون، ولم يتعلموا منها درسا ببناء الجيوش لحماية الإسلام في الأندلس.هذا وقد كان لمعركة الزلاقة تأثيرٌ كبيرٌ في تاريخ الأندلس الإسلامي، إذ أوقفت زحف الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية المطرد على أراضي الأندلس، ولكن ملوك الطوائف لم يستفيدوا من درس الزلاقة، ولا من تنبيهات يوسف لهم. ونلحظ أن يوسف بن تاشفين فكر في زاوية عسكرية مهمة، تعكس ذكاء رجل عاش بقلبه الإسلام، ففي ظل ضعف المسلمين في الأندلس وقوة النصارى، قد تمتد الأحلام الصليبية إلى المغرب، لذا قرر إسقاط عروش ملوك الطوائف، والتصدي للنصارى في الأندلس. وكان من بين الملوك المعتمد على الله محمد بن عباد الذي قاوم حتى سقط أسيرًا في المعركة التي خاضها بن تاشفين لإقالة ملوك الطوائف. وأخذه بن تاشفين إلى المغرب، حتى جاءت النهاية في مدينة أغمات مع زوجته اعتماد الرميكية.إنها دروس وعبر ومواعظ نأخذها بصفة خاصة من حكاية أمير المرابطين يوسف بن تاشفين وملك إشبيلية المعتمد بن عباد، فمن كان يتصور أن تسقط عروشهم ويتركوا تلك القصور والبساتين إجباراً لا اختياراً؟ ومن كان يتصور أن يزول عرش الملك محمد بن عباد بهذه السهولة، وتسقط هيبته؟ وكيف يمكن أن نتصور حياته بالأسر مع زوجته اعتماد بعد أن كان منعماً في الترف؟ هكذا انقلبت الأحوال، وساءت الأمور، بسبب التهاون في حماية الإسلام، وبسبب خيانة المسلمين لبعضهم البعض، وحرصهم على البقاء على عروشهم، والانغماس في حالة من المجون والفسق والمنكرات. وهنا تحدث المواجهة بين من كان بقلبه الإسلام، ومن كان يؤثر الاخرة، ومن كانت بقلبه الدنيا، وشتان ما بينهما.فإذا كان المعتمد قد انشغل ببناء القصور والبساتين وبمجالس الشعر والغناء، وبتدليل زوجته ومحبوبته اعتماد، فإن يوسف بن تاشفين كان منشغلا بالدين وبالجهاد، وبحماية الإسلام من هجمة الأعدء، ورغم فتحه الأندلس بكل قصورها الفارهة، إلا أنه لم يعبأ بها، وإنما رجع لمدينة أغمات مواصلاً حياة الزهد والورع. وقد تُوفي يوسف بن تاشفين في الأول من محرم سنة 500 هجرية، بعد أن بلغ المئة من العمر، كان قرنًا من الزمان البطولي والجهادي وحب الإسلام والغيرة عليه. رحل عن الدنيا أمير المرابطين وموحد المغرب، الذي اهتم بأن يقيم دولة إسلامية على أسس متينة تنتهج الكتاب والسنة، وأوقف أطماع الصليبيين عن مسلمي الأندلس. وهكذا نرى أن شخصية يوسف بن تاشفين المتميزة، جمعت مزايا الخير، وصفات الزهد، وجوامع الفضيلة، ومعالم القيادة الحكيمة.

مشاركة :