يوسف بن تاشفين.. منقذ الأندلس من الضياع

  • 9/4/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم: محمد حماد ولد يوسف بن تاشفين في أوائل القرن الخامس الهجري سنة 400ه (1009 ميلادية) وتوفي نهاية القرن سنة 500ه (1106م)، أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي من حدود تونس إلى غانا جنوباً والأندلس شمالًا، أنقذ الأندلس من ضياع مُحَقَّق، فهو بطل معركة الزَّلَّاقَة التي انتصر فيها المسلمون على الفرنجة، وأخرت سقوط الأندلس أربعة قرون، كما وَحَّد وضمَّ كلَّ ملوك الطوائف في الأندلس إلى دولته بالمغرب.تباينت أحوال المسلمين بين الانقسام والفرقة في القرن الذي عاشه ابن تاشفين، وقامت خلاله دول، وسقطت أخرى، واضطربت أحوال المسلمين في بدايته، ثم تحسنت كثيراً في نهايته، وتزايدت طوال القرن مطامع الفرنجة في ديار المسلمين، سواء في المشرق أم في المغرب، وفي إطار الاستجابة لهذه التحديات المفروضة على المسلمين- رغم ضعف الخلافة العباسية- قامت دولتان قويتان في المشرق أولاهما الدولة السلجوقية سنة 431ه (1039م)، ثم الدولة الخوارزمية سنة 490ه (1096م).أما في المغرب، فكانت دولة بني أمية قد انتهت في الأندلس سنة 407ه (1016م)، ونشأت على أنقاضها دول وممالك حكمها من عرفوا في التاريخ الإسلامي بملوك الطوائف، وقد تحاربت فيما بينها، حتى ضعفت شوكة المسلمين وتزايدت أطماع الفرنجة الذين انتهزوا فرصة هذا الانقسام والضعف من أجل استعادة القدرة على مهاجمة المسلمين في عقر ديارهم، ووصل الحال إلى أنهم فرضوا الجزية على بعض تلك الممالك، حتى قيض الله للمسلمين ابن تاشفين الذي انتشلهم من هذه الفرقة ووحد كلمتهم وأنشأ دولة عظيمة في الغرب سميت بدولة المرابطين سنة 448ه (1056م). نشأة إيمانية يوسف بن تاشفين هو المؤسس الأهم لدولة المرابطين، وتولى الملك سنة 462ه (1069)، وبعد أقل من عشرين سنة وبالتحديد في سنة 479ه (1086) استنجد أهل الأندلس بابن تاشفين ليخلصهم من تسلط الفرنجة عليهم، فسار إليهم على رأس جيش كبير.دخل ابن تاشفين الأندلس بعدما اقتنع بعض ملوك الطوائف بفكرة الاستنجاد به، وخاصة أمير إشبيلية المعتمد بن عباد. ولم تكن الفكرة محل إجماع ملوك الطوائف، فمنهم من رأى أنها ستؤدي إلى تبعية جديدة لدولة المرابطين القوية التي قد تبتلع ملوك الطوائف ابتلاعاً، غير أن المعتمد بن عباد قال عبارته الشهيرة التي حسمت الموقف وهي: «رعي الإبل خير من رعي الخنازير»، في إشارة إلى أن الأفضل لملوك الطوائف بالأندلس أن يكونوا أسرى عند أمير المرابطين يرعون جماله من أن يكونوا أسرى عند ملك قشتالة يرعون خنازيره.هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم، وكنيته أبو يعقوب، وهو ثاني ملوك دولة المرابطين، وقد اتَّخذ لقب أمير المسلمين، ويعتبر أعظم ملك مسلم في وقته، ينتمي يوسف بن تاشفين إلى قبيلة لمتونة، وهي إحدى قبائل صنهاجة البربرية الموجودة بجبل لمتونة المشهور باسم أدرار بموريتانيا، وُلِدَ على الأرجح بصحراء موريتانيا، ونشأ في موريتانيا نشأة إيمانية جهادية.تلقَّى تعاليمه الأولى في قلب الصحراء من أفواه المُحَدِّثِين والفقهاء، ونما وترعرع وتربَّى على تعاليم الإمام الفقيه ابن ياسين، ونبغ في فنون الحرب، وفي السياسة الشرعية التي تتلمذ على الفقهاء فيها، وقام بها خير قيام. العبور الثاني لم تكن إقامة دولة قوية في المغرب العربي رغم أهميتها أبرز إنجازات يوسف بن تاشفين، بل لعل نجدته لأهل الأندلس أهم وأبقى تلك الإنجازات، وكانت أحوال الأندلس قد انتهت إلى صراعات داخلية بين ملوك الطوائف الذين استنجد بعضهم بأعداء الأمة ضد إخوانه، وسط تأجج الصراع بين المسلمين والفرنجة المتطلعين إلى إنهاء الوجود الإسلامي في جنوب غرب أوروبا في ذلك الوقت، وكثرت إغارات الفرنجة على الممالك الإسلامية المتصارعة، ولم يستطع ملوك الطوائف فعل شيء، بل وصلت الأحوال إلى أن سقطت بلنسية التي كانت حاضرة الشرق الأندلسي، ومن أبرز حواضر الأندلس كلها في يد الفرنجة.وحين عبر ابن تاشفين لنجدة الأندلسيين، ثم عاد إلى بلاده، ترك وصيته لملوك الطوائف بالاتحاد فيما بينهم وعدم اللجوء مجدداً إلى الأعداء طلباً لنصرتهم، ولما لم يعمل الملوك بهذه الوصية استغاث الناس بأمير المسلمين للمرة الثانية، وكذلك فعل المعتمد بن عباد، فعاد ابن تاشفين من جديد بقواته وكان عبوره الثاني من المغرب إلى الأندلس، وانتصر من جديد على المتربصين من الفرنجة بممالك المسلمين وهزمهم في أكثر من موقعة. فتوى الإمام الغزالي كان عبور ابن تاشفين إلى الأندلس للمرة الثالثة مختلفاً في مضمونه عن العبورين السابقين، فجهز جيوشه وعبر إليها في عام سنة 483ه (1090م)، ودخل إلى الأندلس لوضع حدٍّ لمهزلة ملوك الطوائف، وعزم على فتح تلك الممالك وأخذ يستولي عليها تباعاً. ولأنه رجل توحيد لا فرقة، فقد كان يهمه ألا تكون هناك غير خلافة واحدة، وفي الوقت نفسه أراد أن يحصل على سند شرعي يُبَرِّر تصرُّفه نحو أولئك الأمراء، فأرسل إلى الخليفة العباسي في بغداد المستظهر بالله سفيرين هما عبدالله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي، وولده القاضي أبو بكر بن العربي يحملان هدايا طالباً من الخليفة توليته المغرب والأندلس، فبعث إليه الخليفة بمرسوم الولاية، والتقى السفيران الإمام أبا حامد الغزالي قطب فقهاء المشرق يومئذٍ، وشرحا له أحوال الأندلس، وما اضطلع به أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، من أعمال الجهاد وإعزاز الدين، وما كان عليه أمراء الطوائف من تفرُّق وتخاذل، وكيف تخلَّف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين. وطلب الفقيه ابن العربي من الإمام الغزالي أن يُزَوِّدَه بفتوى تُبَيِّنُ حكم الشرع في هذه الأحوال، وأن يُزَوِّده بكتاب إلى أمير المسلمين، فأفتى الإمام الغزالي بحكم الشرع في موقف ملوك الطوائف، حسبما شرحه ابن العربي للإمام، وبحق يوسف في الحصول على المرسوم الخلافي بولايته على ما فتحه من الأقطار. توحيد كلمة المسلمين وحين مرور ابن العربي بالإسكندرية، وهو في طريق العودة، حصل من العلامة أبي بكر الطرطوشي على خطاب آخر برسم يوسف، ويُسدي الطرطوشي في كتابه النصح إلى يوسف بأن يحكم بالحق وفقاً لكتاب الله، وقد توفي الفقيه ابن العربي بالإسكندرية فعاد ابنه أبو بكر إلى الأندلس في العام نفسه، وهو يحمل رسالتي الغزالي والطرطوشي، وكذلك مرسوم الخليفة المستظهر إلى قائد المرابطين.استعرت نار الحرب بين ابن تاشفين وملوك الطوائف، وانتهى الأمر بالقضاء على حكم ملوك الطوائف، ونجح في ضمِّ كل ممالك الأندلس إلى دولة المرابطين، ووحد ابن تاشفين كلمة المسلمين واتسعت رقعة دولة المرابطين، حيث امتدت من شمال الأندلس بالقرب من فرنسا حتى وسط إفريقيا، وعدَّه المؤرخون واحداً من مجددي الإسلام في القرن الخامس الهجري.

مشاركة :