هدنة واشنطن وبكين لن تستمر طويلا

  • 11/24/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هل أنت ماركسي، أم واقعي، أم مؤمن بنظرية المصادفة في التاريخ؟ كل مدرسة فكرية تشير إلى طريقة مختلفة لتحليل الأزمة في العلاقات الأمريكية الصينية. هناك حرب تجارية جارية بين أكبر اقتصادين في العالم، والحديث عن حرب باردة جديدة شائع الآن في كل من واشنطن وبكين. البلدان التقيا للتو لقاء فاترا وغير مثمر في اجتماع مجموعة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ. لكن في نهاية هذا الشهر، سيلتقي دونالد ترمب وشي جينبينج، رئيسا الولايات المتحدة والصين، في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين لإجراء مفاوضات حاسمة يمكن أن تنتهي باتفاق جديد بشأن التجارة - أو تثير مزيدا من التوترات. الماركسي قد يتوقع أن تتغلب المصالح التجارية، ونتيجة لذلك ستكون هناك هدنة قريبا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. أحد أتباع نظرية "الواقعية" في العلاقات الدولية سيفترض أن قوة راسخة مثل الولايات المتحدة وقوة صاعدة، مثل الصين، ستصطدمان حتما - وبالتالي تستمر التوترات الاقتصادية والاستراتيجية في الازدياد. الشخص الذي يعتقد أن التاريخ مدفوع بالمصادفات سيخبرك بأنه لا توجد نظرية يمكن أن توضح كيف ستنتهي الأمور، لأن هناك قدرا كبيرا يعتمد على كائنات بشرية لا يمكن توقع تصرفاتها. إحدى العلامات على أن هناك عدة نتائج لا تزال ممكنة يعكسها لنا الصراع الداخلي العلني الذي اندلع بين معسكرين متنافسين في إدارة ترمب، وبوادر توتر معلنة بصورة أقل في بكين، حيث تسعى الحكومة إلى إيجاد طريقة لإرضاء ترمب. هناك معسكر قوي من الصقور في واشنطن الذين يدفعون بصورة فعالة باتجاه مواجهة طويلة الأمد مع الصين. على الجانب الاقتصادي يوجد بيتر نافارو، المستشار التجاري للبيت الأبيض، وروبرت لايثايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة. على الجانب الاستراتيجي يوجد جون بولتون، مستشار الرئيس للأمن القومي، ومايك بينس، نائب الرئيس، الذي ألقى أخيرا خطابا بالغ التشدد بشأن الصين. يقابل هؤلاء معسكر الحمائم، بقيادة ستيفن منوشين، وزير الخزانة، ولاري كودلو، كبير المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض. يريد الحمائم أن تحل التوترات التجارية الحالية سريعا، في حين يعرف الصقور أن ترمب هو أكبر أمل لهم، وفي الوقت نفسه أكبر نقطة ضعف محتملة أيضا. لقد ذهب بالفعل إلى أبعد نقطة في مواجهة الصين مقارنة بأي رئيس أمريكي آخر: فرض رسوما جمركية على ما يقارب نصف الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وكثف الدوريات البحرية في المياه المتنازع عليها في المحيط الهادئ. لكن ترمب متقلب أيضا ولديه نوع من الضعف في التعامل مع الحكام المستبدين. بعض مستشاريه يشعرون بالقلق من ذكرى قمة سنغافورة في حزيران (يونيو) مع كيم جونج أون، دكتاتور كوريا الشمالية، عندما أنهى ترمب فجأة عاما من التهديدات المريعة والتزم بالحوار. منذ ذلك الحين غرد الرئيس الأمريكي حتى عن "حبه" لكيم. وبطريقة مثيرة للقلق بالنسبة إلى الصقور، أكد ترمب منذ فترة طويلة أنه يكن أكبر قدر ممكن من الاحترام لشي، وأظهر كذلك ميلا مزعجا بادعائه تحقيق فتوحات وإنجازات وهمية. مثلا، ادعى الرئيس أخيرا أن الصين تخلت عن سياستها الصناعية المعروفة باسم "صنع في الصين 2025"، لأنه شخصيا وجدها "مهينة للغاية". لكن لا يوجد دليل على تغير اتجاه كهذا في الصين. عبر نافارو عن قلق المتشددين في خطاب ألقاه أخيرا في واشنطن، اتهم فيه "أصحاب المليارات العالميين" بالتصرف بوصفهم جهات مدافعة عن الصين. وبعد بضعة أيام كان كودلو، زميله في البيت الأبيض، يناقضه بشكل مباشر، حين قال "إن تعليقات نافارو بعيدة عن الحقيقة". ازدادت التوترات الاستراتيجية، إضافة إلى التنافس التجاري. المختصون الاستراتيجيون العسكريون الأمريكيون يخشون أن يكون برنامج الصين لبناء قواعد عسكرية في بحر الصين الجنوبي قد أدى إلى تغيير توازن القوى في المنطقة. الأدميرال فيل ديفيدسون، قائد القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أخبر الكونجرس أخيرا أن "الصين قادرة الآن على السيطرة على بحر الصين الجنوبي في جميع السيناريوهات، عدا الحرب مع الولايات المتحدة". ولإثبات أن الولايات المتحدة لم تقبل ضمنيا الهيمنة الصينية على هذه المياه، زادت من دورياتها البحرية، وأخيرا اقتربت سفن من كلتا القوتين البحريتين بشكل ينذر بخطر التصادم. ويريد بعض صقور واشنطن أن تقنع الولايات المتحدة حلفاءها - خاصة اليابان وكوريا الجنوبية - بالسماح لأمريكا بنشر صواريخ قصيرة المدى في المنطقة. من الناحية النظرية، سيكون هذا لردع كوريا الشمالية. ومن الناحية الواقعية، سيكون رسالة موجهة إلى الصين. هذه التوترات العسكرية تجعل تسوية النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين أكثر صعوبة من معالجة الخلافات التجارية لإدارة ترمب مع المكسيك وكندا، اللتين لا تعتبر أي منهما منافسا استراتيجيا للولايات المتحدة. هذا الخلاف الجيوسياسي - وليس الاقتصاد - هو الذي يجعلني أعتقد أن تقييم "الواقعيين" للتنافس بين الولايات المتحدة والصين هو على الأرجح الذي ستثبت صحته. لذا حتى إذا شهدت قمة مجموعة العشرين موافقة ترمب على تأجيل خططه لزيادة التعريفات الجمركية على الصين، فقد لا تستمر الهدنة التجارية لفترة طويلة، بالنظر إلى هذه الخلفية من التنافس المتنامي بين القوتين العظميين. لكن شخصية واندفاع الرئيس الأمريكي يجعلان جميع التنبؤات الصارمة خطيرة. لو أن هناك شخصا يمشي ويتكلم مجسدا "نظرية المصادفة" في أي وقت في التاريخ، فإنه ترمب.

مشاركة :