يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الهدنة في جنوب سورية مثال على نجاح التعاون مع روسيا، وإن هذه الهدنة، خلافاً لسابقاتها، تكلّلت بهدوء نسبي وتخلّلتها خروق طفيفة والتزام جدي من الأطراف على الأرض، وذلك بعد أشهر من الديبلوماسية بين إدارة ترامب وموسكو والالتزام بضمان أمن إسرائيل والأردن. أصبحت إدارة ترامب ودول المنطقة غير مهتمة بمصير بشار الأسد بعد التحولات الجديدة المتمثلة بالأزمة الخليجية وأخطار الأكراد بالنسبة إلى تركيا والأسد وتهديد الميلشيات الشيعية ووصولها إلى حدود إسرائيل والأردن ومحاولتها تثبيت وجود دائم لها، وهو الوضع الجديد الذي ساهم بنسبة كبيرة في اتفاق كل الأطراف على إنجاح الهدنة. ومع ذلك يتوقع أن لا تستمر هذه الهدنة وقتاً طويلاً، لاسيما أن المؤسسات الأميركية لا تدعم ترامب وتعاونه مع روسيا ناهيك عن تهميش إيران في الهدنة، الأمر الذي سيحولها إلى معارض. الصفقة لا تشمل آليات لمعاقبة الأسد أو ميليشياته الأجنبية إذا ما انتهكوا الاتفاق وهذا سيجعل الميليشيات من دون رادع وبسبب عدم وجود قيود عقابية، سيظل النظام السوري وإيران ملتزمين ما يناسب غرضهما موقتاً. كما أن الغياب المستمر لسياسة أميركية واضحة سيقلل اهتمام موسكو بأجراء المزيد من الحوار مع واشنطن حول سورية؛ ومن المرجح أن يركز الروس اهتمامهم على الحوار مع أطراف إقليمية، وتحديداً تركيا وإيران لإقامة مناطق تخفيف التصعيد. من المحتمل أن تلعب إيران دور المفسد لاتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه واشنطن وموسكو ولا يُستبعد أن تلعب مجموعات إيرانية سرية على خرق الاتفاقية لأن طهران لا ترضى بوصاية روسية على قرارات سياسية في سورية. فإيران ووكلاؤها هم الأقوى على الأرض ومن غير المرجّح أن يقبل النظام بسيطرة المعارضين على أي جزء في سورية بخاصة القنيطرة حيث زاد الإيرانيون ووكلاؤهم من نشاطاتهم جنوب سورية. ومن المفيد التذكير بتصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الذي أكد ان الاتفاق ليس ملزماً لطهران. فإيران تعلم أن التفاهم الروسي الأميركي الأردني قد يبعدها عن أية مكاسب على الأرض السورية. ووفق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية فإن الاتفاق يتضمن بعض الغموض وإن أي اتفاق لن يكون ناجحاً من دون أخذ الحقائق على الأرض بالاعتبار. قد تسمح إيران بتمرير الاتفاق كتكتيك موقت من أجل التركيز على جبهات دمشق التي بدأت تشكل تهديداً مباشراً للأسد، وتعزيز القوات الموالية للأسد للقتال في أماكن أخرى. وهذا يبدو مفهوماً من قبل وليد فارس، مستشار حملة ترامب للشرق الأوسط، والذي قال إن الاتفاق يحرّر مزيداً من قوات محور (إيران - حزب الله - الأسد) للانتقال إلى الجنوب الشرقي والسيطرة على الأراضي وصولاً إلى الحدود العراقية. * المدير العام للمركز الدولي لتقويم المخاطر بأبوظبي (ICRA)
مشاركة :