طبائع البشر في مهب الريح

  • 11/26/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج » عرف التاريخ العربي مفكرين وفلاسفة وجغرافيين اهتموا بموضوع المناخ وتأثيره في طبيعة البشر، فالقرآن الكريم توجد به آيات كثيرة تتحدث عن الكون والنجوم والنباتات والأحوال الجوية، وضمن أسباب اهتمام العرب بموضوع المناخ أنهم كانوا يعملون بالتجارة، ويجوبون الصحارى والبحار، ويستثمرون تلك المعارف في تجارتهم. قبل ظهور مفكرين بارزين في مجال تأثير المناخ في السلوك البشري، مثل ابن خلدون والمسعودي، كان الجاحظ قد أشار إلى تحليل لأبي إسحق الزجّاج، يربط فيه الظاهرة الشعرية عند العرب بالمناخ الصحراوي، كان الزجّاج ينظر إلى الظاهرة الشعرية كنتاج للبيئة الوحشية والخلاء، ما دفعهم إلى إلقاء الشعر، الذي يحتفي بالاستعارات والصور والخيال.ويعتبر المسعودي من بين المفكرين الذين تناولوا موضوع المناخ، في كتابيه «مروج الذهب» و«التنبيه والإشراف»، إذ عالج فيهما تأثير المناخ في طبائع الشعوب، كما أن هناك مفكرين أشاروا إلى الموضوع نفسه كإخوان الصفا، لكن المسعودي- إلى جانب ابن خلدون- كان سبّاقاً إلى ربط المناخ بعادات الشعوب وطباعهم، ففي كتابه «التنبيه والإشراف» خصّص المسعودي مساحة يتحدث فيها عن «الرياح الأربع ومهابها وأفعالها وتأثيراتها»، وكان يرى أن الربع الشرقي للأرض يتميز أهله ب: «طول الأعمار، وقلة كتمان السر»، أما أهل الربع الغربي «فأهل كتمان للسر وتديّن، وكثرة انقياد إلى الآراء والنحل».يربط ابن خلدون بين المناخ وأخلاق البشر، ويعطي مثالاً بأهل السودان، وقارن بينهم وبين سكان مدينة فاس المغربية، فبينما «يميل سكان السودان إلى الطيش والطرب»، فإن سكان فاس «يجتهدون في الادخار بسبب الجو البارد الذي يسود في المنطقة»، ويرى أن الأقاليم ذات المناخ المعتدل يكون فيها كل شيء معتدلاً بما في ذلك الفكر والتدين. لقد عمل العرب على كشف الكثير من المفاهيم المتعلقة بالجغرافيا، وتطوير ما اقتبسوه عن الأمم الأخرى، ساعدهم في تحقيق ذلك الامتداد الواسع للرقعة التي عاشوا فيها، وما حركة الهجرة من شبه الجزيرة العربية، إلا بسبب تغير مناخها وصعوبة العيش فيها، ولذا كان العرب من أكثر الشعوب اهتماماً بظواهر الجو، وأدقهم وصفاً لها، وإذا استعرضنا الكتب التي ألّفوها، نجد عناوين مثل كتاب «الأنواء» للأصمعي، و«الرياح» لابن قتيبة، وتتحدث تلك الكتب عن السماء والفلك والسحاب.وقد أشار «إخوان الصفا» في رسائلهم إلى وجود غلاف جوي يحيط بسطح الكرة الأرضية، وذكر ابن رشد أن للهواء طبقتين: طبقة حارة رطبة وهي المخصوصة باسم الهواء، وطبقة حارة يابسة وهي التي يطلق عليها النار، وعلى الرغم من عدم توافر أجهزة قياس، إلا أن وصف «إخوان الصفا» لتلك الطبقات كان متطابقاً مع ما هو متعارف عليه وفق النظريات الحديثة.وكان العرب على معرفة كافية بالرياح الموسمية: اتجاه هبوبها ومواعيدها، واستفادوا منها في الملاحة في المحيط الهندي، وبسطوا سيطرتهم على التجارة بين الشرق والغرب، وكان لهذا النشاط التجاري المرتبط بفنون الملاحة علاقة وطيدة بتسمية «الرياح التجارية»، فالعرب أول من أطلق هذا الاسم على هذه الرياح، ومنهم جاءت تسمية «الرياح الموسمية»، وكذلك كلمة «طوفان» للدلالة على الأعاصير المدارية التي كانت تضرب المحيط الهادي.

مشاركة :