وقع وفَيات الوالدين وأنا في أمريكا | محمد خضر عريف

  • 1/28/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

قدّر الله وما شاء فعل أن يُتوفّى الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وأنا في أمريكا أؤدي واجبًا علميًّا وطنيًّا بتمثيل جامعتي "جامعة المؤسس" في مؤتمر علمي عالمي تشارك فيه كل دول العالم في ولاية هاواي في حقول العلوم الإنسانية كافة. وقبل ذلك بعشر سنين قدّر سبحانه وتعالى عليَّ أيضًا أن أكون في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا في جامعة (فرجينيا تك) بولاية فرجينيا أؤدي واجبًا علميًّا وطنيًّا كذلكم في التدرب لعدة أشهر في تلكم الجامعة الراقية في علوم الاتّصال والحاسب، كنت هناك وتلقيتُ بكثير من الحزن والأسى خبر وفاة الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى-. وقبل ذلكم كنت تلقيت نبأ وفاة والدي الشيخ محمد رشيد عريف أحد أبناء هذه البلاد المخلصين الذي وافته المنية وأنا في أمريكا أيضًا في بداية بعثتي للماجستير والدكتوراة في ولاية كاليفورنيا مبتعثًا من جامعة المؤسس، إذ قضى والدي -رحمه الله- ابن مكة المكرمة البار وهو يخدم الحرم المكي الشريف مشرفًا على حملات التنظيف والتعقيم بعد انتهاء أحداث الحرم عام 1400هـ، حين كان أحد رجال عميد أسرتنا الأستاذ عبدالله عريف أمين العاصمة المقدسة -رحمه الله-. فيالله ما أشد وقع هذه الوفَيات الثلاث على قلبي الضعيف، قلب مواطن سعودي لا يكاد ينبض إلاّ إن اشتمّ صاحبه رائحة تراب بلد آبائه وأجداده. ولكن هذا القلب كان شابًّا حين وفاة أبي في حادثة الحرم، وكان فيه بعض الرمق حين تُوفي الوالد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-. أمّا اليوم فقد أصابه الوهن والضعف بعد أن ناهزت الستين، فكيف لي أن أطيق هذه الفاجعة؟ فاجعة وفاة والدي ووالد الشعب السعودي كله، عبد من عباد الله الصالحين لا يختلف اثنان على حبّه من شعبه وغير شعبه. وبقدر ما تألّمت لسماع الخبر لأول وهلة من ابنتي الأستاذة إيمان التي تُعد لدرجة الدكتوراة في بريطانيا في اتّصال هاتفي منها، تبعها على الفور أخوها ابني الدكتور أيمن الذي أوشك على إنهاء دراسته العلية في الطب في كندا، بقدر ما تألمت من وقع الخبر، اطمأن قلبي حين سمعت بكاءهما عبر الهاتف؛ لأني شممت في ذلك البكاء وتلك الحشرجة في صوتيهما رائحة وطنية صادقة ومحبة فائقة لقائد والد لم يضن عليهما ولا على أحد من أبناء جيلهما أو من قبلهم أو من بعدهم بإتاحة كل الفرص في التعليم والعمل، ولم يشعر هذا الجيل يومًا إلاّ أن عبدالله كان (بابا عبدالله) قبل أن يكون (الملك عبدالله)، وهؤلاء الشبان لا يداهنون ولا يُراؤون، وخصوصًا ابني وابنتي -كما أحسب- اللذين اتصلا بوالدهما وهو في أمريكا وهما في بلدين مختلفين لا لشيء إلاّ ليفضيا بمشاعرهما له حيال والدهما ومليكهما. وتبعهما بالطبع اتّصال جميع أبنائي وبناتي بعد ذلك نظرًا لفارق التوقيت من المملكة بالحزن نفسه، والبكاء نفسه والحشرجة نفسها، وأحمد الله أن ربينا أبناءنا، وأبناء أبنائنا، ويشمل ذلك أبناء النسب وأبناء العلم على صدق الانتماء لهذا الوطن المسلم الحبيب، وعلى تمام الولاء لقادته المخلصين البارين بهذا الشعب. وهذه التجربة الخاصة التي أعرضها لقرائي بوفاة والدي من النسب، واثنين من الأئمة اللذين يُعدُّ كل منهما والدًا لكل سعودي وسعودية، هذه التجربة -وأنا في أمريكا- لم تكن وجدانية فحسب، بل كانت تجربة تعلمت منها الكثير بوصفي متواصلاً دائمًا مع المثقفين الأمريكيين الكبار خلال المؤتمرات العالمية التي أحضرها سنويًّا في أمريكا، وخلال زياراتي لهذا البلد البعيد التي لا تنقطع. وقد لمست بعد وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- اهتمامًا واسعًا للأمريكيين بكل ما يتعلق بالمملكة علميًّا وثقافيًّا ودينيًّا وسياسيًّا، حدث ذلك بعد 2001م، وبعد احداث سبتمبر المروّعة، إذ أقدم الأمريكيون كما لم يحدث من قبل على التعرّف على كل شيء يتصل بالمملكة والإسلام، وتجلّت لهم حقائق كثيرة كانوا يجهلونها. وأعلم تمامًا أنه إلى نهاية القرن الماضي كان بعض الأمريكيين لا يعرف موقع المملكة، وخلال عشر سنوات هي مدة حكم الملك عبدالله -رحمه الله- أصبحت المملكة محط أنظار العالم كله، وخصوصًا أمريكا التي يرى مواطنوها أن الملك عبدالله -رحمه الله- كان المثل العالمي الأعلى في مطلع القرن الجديد للتسامح والسلم والتقارب بين أصحاب الديانات والثقافات المختلفة، إضافة إلى تقديمه نموذجًا لا يضاهى في الارتقاء ببلاده وشعبه في عشر سنين بقدر لا يمكن تحقيقه في مئة سنة، في الوقت الذي تموج فيه معظم الدول المجاورة في ويلات الحروب والاضطرابات والقلاقل والنزاعات. وممّا يُسرُّ له كل مواطن سعودي أيضًا أن جمهور الأمريكيين اليوم يعرف الكثير عن رجل الملفات الصعبة والمهام الجسام قائد هذه البلاد العتيد اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله بنصره وتوفيقه- يعرفون عن إنجازاته داخل المملكة وارتقائه بمدينة الرياض لتصبح كبرى المدن في الشرق الأوسط وأكثرها تقدمًا ورُقيًّا، ويعرفون عن إنجازاته خارج المملكة في جولاته العالمية المعروفة ولقائه بزعماء العالم لحل أصعب القضايا وأعقدها، كما يعرف العاملون في الحقل الإنساني الكثير عن أيادي الملك سلمان البيضاء في العمل الخيري والإنساني، وليس هناك مثقف غربي أعرفه إلاّ أشاد بانتقال الحكم بهذه السلاسة الفائقة. وأخيرًا لابد لي من أقول عبارة تجيش في نفسي منذ زيارة الملك سلمان لجامعة المؤسس: (سلمان منّا ونحن من سلمان). Moraif@kau.edu.sa

مشاركة :