رسمياً، تقاعد لو أيهوا من السياسة قبل ثمانية أعوام، على أنه في الوقت الذي وصلت فيه الحملة للانتخابات المحلية في تايوان يوم السبت الماضي ذروتها، تلقى لو طلباً بمراجعة محققي الحكومة، الذين يتحرون ما إذا كان يُساعد الصين على التدخل في الانتخابات التي أجريت أخيراً. يقول لو، وهو مُشرّع سابق ذو نفوذ في مدينة تاينان الجنوبية: "سألني المحققون عما إذا كانت الأموال التي يدفعها الشيوعيون الصينيون لي، تأتي مع تعليمات لدعم مرشح معين أو حزب معين في الانتخابات". تطالب الصين بتايوان باعتبارها جزءا من أراضيها، وتهدد بغزوها إذا أصرت الجزيرة على الاحتفاظ باستقلالها إلى أجل غير مسمى. منذ أن فاز الحزب الديموقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال بالرئاسة والأغلبية البرلمانية عام 2016، زادت بكين الضغط على تايبيه على جميع الجبهات: إظهار القوة العسكرية، وسرقة حلفائها الدبلوماسيين، ودفع شركات الطيران والفنادق إلى الإشارة إلى تايوان، على أنها جزء من الصين، ووقف المجموعات السياحية المتوجهة إلى الجزيرة بشكل كبير، وخفض الواردات الزراعية من معاقل الحزب الديموقراطي التقدمي في تايوان. الآن، حكومة الحزب الديموقراطي التقدمي تتهم بكين بأنها تحاول التدخل من الداخل في الانتخابات الأخيرة، في الوقت الذي يستعد فيه الناخبون في الجزيرة لاختيار رؤساء البلديات، والمشرعين الإقليميين والمحليين، فضلاً عن مراقبي البلديات ورؤساء القرى. يقول المسؤولون في تايوان إن الصين تسعى إلى إضعاف جسد تايوان السياسي من خلال الاختراق والتضليل – وهو اتهام يردد صدى الجدل المتنامي في عدد من البلدان الغربية، حول محاولات الدول الاستبدادية إضعاف الخصوم الديموقراطيين، "على غرار مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016". يقول تشيو تشوي تشينج، نائب وزير مجلس شؤون البر الرئيس، وهي وكالة بمستوى وزارة في تايوان للعلاقات مع الصين: "بدأنا ملاحظة مثل هذه التكتيكات في الغرب منذ انتخاب دونالد ترمب [رئيساً للولايات المتحدة] ومنذ أن تدخلت روسيا في الانتخابات الأمريكية – حتى إنه أصبح لدينا مصطلح جديد لهذا: ’القوة الحادة‘. لا يوجد أحد أكثر منا إدراكا للقوة الحادة – نحن في الخطوط الأمامية". على الرغم من أن انتخابات يوم السبت الماضي ركزت على القضايا المحلية، إلا أن السياسيين والخبراء يقولون إنها من المحتمل أن تحدد مُسبقاً مستقبل العلاقات عبر المضيق؛ لأن هزيمة الحزب الديموقراطي التقدمي قد تحجب الطريق أمام إعادة انتخاب الرئيسة تساي إنج وين عام 2020، وهي تمثل الهدف الرئيس لغضب بكين. يقول دبلوماسيون أجانب في تايبيه إن أي مؤشرات على تدخل بكين في انتخابات هذا الأسبوع، جديرة بالملاحظة بالنسبة للديموقراطيات الغربية التي تعترك مع مسألة كيفية التعامل مع الصين، التي تتحدى علناً القواعد والقيم التي وضعها الغرب الديموقراطي. واشنطن هذا العام تتهم الصين للمرة الأولى بالتدخل في الانتخابات الأمريكية. في أستراليا، يتزايد الجدل حول التدخل الصيني في التعليم الجامعي والأبحاث الأكاديمية. شهدت نيوزيلندا عددا من الفضائح حول صلات مزعومة لأعضاء البرلمان مع منظمات الحزب الشيوعي الصيني. من على هذه الخلفية، صاغ باحثون من الصندوق الوطني للديموقراطية مصطلح القوة الحادة، الذي تعَرِّفه تايوان بأنه وصف دقيق لمشكلتها. في بحث نُشر عام 2017، جادل البحاثة بأن التأثير الذي تمارسه بكين وموسكو من خلال وسائل الإعلام، والثقافة، والمؤسسات الفكرية والأوساط الأكاديمية لا ينبغي الخلط بينه وبين القوة الناعمة. وكتبوا أن الصين وروسيا تستطيعان "اختراق، أو تسلل أو تخريم البيئات السياسية والمعلوماتية في البلدان المستهدفة. القوة الحادة تُمكّن البلدان الاستبدادية من اقتحام نسيج المجتمع، وإشعال وتضخيم الانقسامات القائمة. كانت روسيا بشكل خاص بارعة في استغلال الخلافات داخل الديموقراطيات". الصين لا تخفي نيتها لفعل ذلك في تايوان. في مقالة افتتاحية في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2016، بعد أشهر من فوز الحزب الديموقراطي التقدمي، كتبت صحيفة جلوبال تايمز الناطقة بالإنجليزية، وهي الصحيفة الشعبية التي تملكها صحيفة الشعب اليومية الرسمية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصينية: "سنعمل على ’لبننة‘ تايوان "تحويلها إلى ما يشبه لبنان" إذا لزم الأمر"، مُشيرة إلى أن الصين يُمكن أن تؤلب المجموعات العرقية والسياسية والاجتماعية داخل تايون ضد بعضها بعضاً، كما حدث في لبنان. يقول مسؤول كبير في الأمن القومي التايواني: "كان كثير من الناس يركزون على الصين، وهي تتباهى بأن طائرتها المقاتلة تدور حول مجالنا الجوي، وأن حاملة طائراتها تُبحر عبر مضيق تايوان. على أن هذا ليس أكثر ما يُثير قلقي. أكثر ما يُثير قلقي هو التسلل والتلاعب. قد تُسمّي ذلك القوة الحادة، أو يُمكنك تسميته الحرب السياسية، أو عمل الجبهة المتحدة". كانت تايوان هدف تكتيكات الجبهة المتحدة – فن التأثير والتلاعب في الخصوم الذي يعود إلى عقود سابقة – منذ أن هرب حزب الكومنتانج إلى تايوان عام 1949 بعد خسارة الحرب الأهلية الصينية، الأمر الذي دفع الجزيرة التي كانت مستعمرة يابانية حتى قبل أربعة أعوام من ذلك فحسب، نحو صراع مع الحزب الشيوعي الصيني. تكتيكات بكين تتغير. حاول هو جينتاو، سلف الرئيس تشي جين بينج، بناء علاقات مع حزب الكومنتانج، والتقرّب من المستثمرين التايوانيين في الصين، والسعي لإغراء سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة، من خلال علاقات اقتصادية أوثق. على أن الرفض المتطرف لعلاقات أوثق مع الصين من قِبل جيل الشاب في تايوان في احتجاجات سانفلاور عام 2014، والانتصار الساحق اللاحق الذي حققه الحزب الديموقراطي التقدمي بعد عامين، كان بمنزلة فشل لسياسة هو جينتاو. منذ ذلك الحين، عدّلت الصين نهجها، من خلال استبدال السياسات الكلية بتدابير لاستهداف الجماعات الضيقة أو حتى الأفراد. يقول مسؤول كبير سابق أشرف على مكتب التحقيقات، وهو ما يُعادل مكتب التحقيقات الفيدرالية في تايوان، إن المكتب يلاحظ حدوث تحوّل في التسلل الصيني. يقول: "لم يعودوا يراهنون على رجال الأعمال التايوانيين في البر الرئيس، ولم يعودوا يعتمدون على حزب الكومنتانج. بل هم يعملون بنشاط على زرع رجالهم هنا. ويصلون إلى أعماق القواعد الشعبية في مجتمعنا، وإلى قاعدة سلطة الحزب الديموقراطي التقدمي". هنا يأتي دور لو. لو الرجل المحنّك الحنطي الذي عاش حياة مهنية لمدة 40 عاماً في حزب الكومنتانج، هو "ركن" أو zhuangjiao باللغة الصينية – وصانع قرار سياسي في القاعدة الشعبية. بالنسبة لأصحاب العمل المحليين، وقادة المجتمع في المعابد، والمسؤولين التنفيذيين في جمعيات المزارعين والصيادين أو حتى شخصيات الجريمة المنظمة، التي تساعد الأحزاب أو السياسيين الأفراد على الفوز في الانتخابات، فإن الركن zhuangjiao هو من بقايا الحُكم الاستبدادي لحزب الكومنتانج لأكثر من 40 عاماً، الذي أصبحت عناصره فيما بعد أداة متاحة للساسة من جميع أنحاء الطيف العام، عندما أصبحت تايوان ديموقراطية في أوائل التسعينيات. لأن التكتيكات تراوح بين دردشات ودية في الأحياء وصفقات خلف الكواليس، والتعبئة وشراء الأصوات بشكل صريح، فهي جزء من الطبقة الضعيفة الدنيا لسياسة تايوان الصاخبة. يقول مسؤولون في الحزب الديموقراطي التقدمي، إن هذه الهياكل السياسية التقليدية كانت هدفاً سهلاً للاستغلال من قِبل الصين. يقول المسؤول الكبير السابق الذي أشرف على مكتب التحقيقات: "أنا أُجري حملات انتخابية وأعرف كيف تعمل. هناك من يدفع المال وهناك من يأخذ، لكن الناس يقولون ’أنا لا أريد إيصالاً‘. نظام محاسبة تمويل الحملات لدينا أجوف، ولا يُمسِك بهذا النوع من الأشياء التي تحدث على مستوى القاعدة الشعبية". وفقاً لمحللين سياسيين، فإن الركن أو الأركان عموماً zhuangjiao في تايوان أقل قوة مما كانت عليه قبل 20 عاماً. على أنها ما زالت تعرب عن قلقها من أنها تقدم فرصة لدخول القوة الحادة الصينية. يقول لين ثونج هونج، الباحث الذي يدرس التأثير الصيني في المجتمع التايواني في "الأكاديمية الصينية"، وهي أكبر مؤسسة بحثية أكاديمية في البلاد: "يتوجه السكان نحو التمدن، وتُصبح التعبئة وشراء الأصوات أصعب بكثير من خلال أنظمة الرعاية التقليدية "بين المسؤول والشخص المنتفع"، وهذا اتجاه استمر حتى 2016، مع تقلص حزب الكومنتانج والقوى القديمة. خلال هذه الانتخابات، كان من الأهمية بالنسبة لنا معرفة ما إذا كان نظام الرعاية التقليدية هذا قد أصبح تحت سيطرة رب عمل جديد، إذا كان قد ورثه الحزب الشيوعي الصيني". لو يرفض فكرة أنه يُمكن أن يشتري الأصوات أو يمول حملة بالنيابة عن مسؤول صيني، لكنه بالتأكيد يدافع علانية عن حجة بكين. على مدى الأعوام السبعة الماضية، كان يبيع منتجات زراعية من تاينان - معقل الحزب الديموقراطي التقدمي – إلى حكومة تشوهاي، وهي مدينة في دلتا نهر اللؤلؤ في الصين. ويعترف أن هناك مسؤولين صينيين طلبوا منه إعلامهم عندما يتوقع انخفاض أسعار بعض المنتجات الزراعية التايوانية، حتى يتمكنوا من التدخل وشرائها. في حين أن الحكومة في تايبيه تقول إن بكين خفضت الواردات الزراعية من جنوب تايوان، لمعاقبة ناخبي الحزب الديموقراطي التقدمي بعد نتيجة عام 2016، إلا أن لو يدّعي العكس. يقول: "الصين راغبة جداً في مساعدتنا، نحن الأخ الأصغر بالنسبة لهم، لكن تايوان نفسها هي التي ترفض الصين، لأسباب سياسية". المزارعون وصيادو الأسماك في مدينة تاينان الريفية يشتكون من تقلّص السوق أمام منتجاتهم الزراعية. يقول تاو لانجي، الذي يربي أسماكا بالقرب من تاينان: "الأمور رهيبة. كان الصينيون يشترون سمكنا على عقد لمدة ثلاثة أعوام متتالية، لكن هذا توقف عام 2016. الأمر صعب جداً بالنسبة لنا الآن". يتهم المسؤولون الحكوميون بكين باستغلال المشاكل الاقتصادية الحقيقية، وخلق مشاكل وهمية من خلال حملات التضليل عبر تطبيق لاين للرسائل الشائع في تايوان. يقول المسؤول الكبير في الأمن القومي: "ما يفعلونه يشبه إلى حد كبير ما فعله الروس في أمريكا. في الولايات المتحدة، كان السكان البيض المحرومون في منطقة حزام الصدأ فريسة سهلة. هنا، إنهم المزارعون والصيادون في تاينان". تُشير استطلاعات الرأي إلى أن المشاعر تتحوّل الآن على نطاق أوسع ضد الحزب الديموقراطي التقدمي، حيث تنتشر خيبة الأمل بين الناخبين المترددين في تايوان، حول سجل الحكومة في قضايا تشمل تلوث الهواء. مؤسسة الرأي العام التايوانية، وهي منظمة أبحاث مستقلة، أفادت الأسبوع الماضي بأن 23.5 في المائة فقط من الناخبين عرّفوا أنفسهم بأنهم من أنصار الحزب الديموقراطي التقدمي، بينما قال 35.4 في المائة إنهم مع حزب الكومنتانج، وهناك 36 في المائة وصفوا أنفسهم بأنهم مستقلون – في تحوّل جذري عن فوز الحزب الديموقراطي التقدمي الشامل قبل عامين. مع ذلك، يحذر المحللون من تفسير هذا التحوّل باعتباره علامة على أن التايوانيين يتحركون لاحتضان الصين. وفقاً لمؤسسة الأكاديمية الصينية، فإن المواقف تجاه بكين بالكاد قد تحوّلت، حيث إن الذين يتم تحديدهم بأنهم تايوانيون أو تايوانيون وصينيون معاً، لا يزالون يفوقون عدد الذين يتم تحديدهم بأنهم صينيون. في حين أن المحققين الحكوميين يطرحون أسئلة عن دبلوماسية لو بشأن الأناناس والسمك، إلا أن تحقيقهم أثارته في الواقع حادثة أخرى: في كانون الثاني (يناير) الماضي، أقنع لي، فو هسيانج، وهو مسؤول بلدية للحزب الديموقراطي التقدمي في يونجكانج، بإحضار نحو عشرين من مسؤولي البلديات إلى تشوهاي التي تستضيف مسؤولين من مكتب شؤون تايوان وإدارة عمل الجبهة المتحدة، أي قسم الحزب الشيوعي المسؤول عن عمليات النفوذ الخارجية. أثارت الرحلة عاصفة من الاحتجاجات في الحزب الديموقراطي التقدمي. يقول لين يي تشين، عضو مجلس مدينة للحزب الديموقراطي التقدمي في تاينان الذي ينظم حملة لإعادة الانتخاب: "من هذا تستطيع رؤية إلى أي مدى تصل أيادي الصين في انتخاباتنا. على أن من الصعب القيام بأي شيء حيال ذلك. الناس يحبون المال – لكن كون لي فو هسيانج يدعمني في الانتخابات، لا يعني أنه لا يُمكن أن يكون بخيلاً وجشعاً". يقول مراقبون إن مثل هذا النزاع الداخلي في الحزب الديموقراطي التقدمي قد يكون جزءاً من حسابات بكين. يقول لين من مؤسسة الأكاديمية الصينية: "في دائرة انتخابية [للحزب الديموقراطي التقدمي] خضراء متينة، لا يُمكن أن يأملوا في تحويل الناس إلى حزب الكومنتانج، لكن بإمكانهم استهداف زرع الفتنة داخل الحزب الديموقراطي التقدمي نفسه". كل من لو ولي يرفضان فكرة السلوك غير اللائق. وبرر لو الرحلة بالقول إنها ساعدت المسؤولين المحليين في تاينان على التفاعل مع نظرائهم الصينيين، وإقناعهم بأن الصين يُمكن أن تكون الحل للمشاكل الاقتصادية المحلية التي تسبب فيها، كما يقول، نفور الحزب الديموقراطي التقدمي من بكين. وينفي لي وجود أي مناقشات جادة في تشوهاي، ويقول: لقد "كانت مجرد نزهة ممتعة، مجرد سياحة".
مشاركة :