ثمانون بالمائة من اليمنيين يعيشون في مجاعة وفقر مدقع، أغلبيتهم من النساء وأطفال أجبرتهم الحرب على ترك دراستهم ليعولوا أسرهم . فهل تسفر المفاوضات التي ستستضيفها السويد عن تخفيف معاناة عائلة واحدة من بين مئات الأسر؟ زجت الحرب والمجاعة والفقر في اليمن بالملايين من الشعب إلى حافة هاوية، وفردوس حمران واحدة منهم. تتحدث فردوس عن خوفها من أن تصبح واحدة من الأمهات الثكلى بسبب سوء تغذية طفليها. على مدار الشهرين الماضيين، كانت فردوس لا تقدم لطفليها سام ( 9 أعوام) وشقيقته ميار (7 سنوات) سوى خبز اللحوح اليمني، وهو ما تسبب في فقدان طفليها الوزن بشكل سريع حيث فقد الابن 3 كيلوغرامات في غضون بضعة أشهر. وتقول الأم البالغة 39 عاما في حديثها مع DW في العاصمة اليمنية صنعاء "أخاف من أن يتذكر الموت أطفالي في المرة القادمة ليكونا حديث التلفزيون بسبب سوء تغذيتهم." وحال صفية عبده، والدة لخمسة أطفال، لا يختلف كثيرا عن حمران. تشكوا السيدة عبده (46 عاما) من بعد المسافة التي كانت تسلكها لتوصل أطفالها إلى المدرسة، كما أن زوجها العامل في وزارة الكهرباء اليمنية واحد من 500 ألف موظف لم يتقاضوا رواتبهم لمدة عامين. ومن ثم، لم تقدر الأسرة على دفع مصاريف دراسة أطفالها في إحدى المدارس اليمنية الخاصة، لذا اضطروا إلى نقل أطفالهم إلى مدرسة عامة بالقرب منهم. العيش على الكفاف وبعد عامين، أصيب الزوج بالكوليرا المنتشر بين الآلاف من اليمنين، مما اضطر طفلان من أبنائها أن يعيلا الأسرة. وسمير البالغ 15 عاما يكسب أقل من 1.500 ريال يمني في اليوم (5 يورو) نظير عمله في إحدى مزارع القات طيلة 8 ساعات. في حين أن أخاه فاضل (13 عاما) يعمل على جمع قوارير البلاستيك من الشوارع ومن مقالب النفايات لبيعها إلى مصانع تدوير البلاستيك في المدينة. ويحاول الطفلان تدبير 150 يورو شهريا ليعيلا الأسرة. أطفال يمنيون تركوا دراستهم ليعولوا أسرهم بعد ما تأزم الوضع معهم جراء الحرب الدائرة كان قرار الولدين بترك دراستهما بالنسبة لوالدتهما أمر ينفطر له القلب، لكن لا يوجد خيار آخر. وأوضحت عبده لـDW "عندما أخبراني عن تركهما الدراسة، لم استطع منعهما...فهناك ثلاثة أطفال آخرين (في الأسرة) بحاجة إلى الطعام". لم تكن قصص عبده وحمران الوحيدة من نوعها، فهذا هو حال معظم اليمنيين الذي أصبح فيما بعد العرف السائد. وبحسب الأمم المتحدة فان أزمة اليمن هي الأسوأ في العالم، فحوالي 22 مليون يمني – 75% من السكان- في حاجة ماسة إلى الطعام والماء والمؤن الطبية، كما أن 2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية. وأعلن ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في بيان له مؤخرا أن حياة 12 مليون شخص في اليمن مزقت بسبب الصراع الدائر. وقال "لقد شاهدت أطفالاً صغاراً يعانون من سوء التغذية لدرجة أن أجسادهم تتكون من الجلد والعظم فقط، ويرقدون هناك وقد خارت قواهم إلا مما يجعلهم يلتقطون أنفاسهم. باسم الإنسانية، أدعو جميع الأطراف المتحاربة أن تضع حداً لهذه الحرب المروعة. دعوا الأطفال يعيشون، ودعوا الناس يعيدوا بناء حياتهم." لذا تعمل دول أوروبية بالتعاون مع الأمم المتحدة على رفع معاناة هؤلاء الملايين، حيث أعلن المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث في كلمته مؤخرا أمام مجلس الأمن الدولي عن عقد جولة مباحثات جديدة تستضيفها السويد تجمع الأطراف المتحاربة. من جانبها، أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عن استعدادها للمشاركة في الحوار، فيما أعلن رئيس "اللجنة الثورية العليا للحوثيين" محمد الحوثي عن وقف العمليات العسكرية ضد قوات التحالف في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. ودخلت الحرب الطاحنة، بين الحوثيين و تحالف دول الخليج تحت قيادة السعودية، في عامها الرابع ودفعت اليمن الفقير إلى مأساة إنسانية، وساهمت في انهيار العملة اليمنية. إقرأ أيضا: إدارة ترامب وقضية خاشقجي .. أمل جديد لليمن؟ انهيار العملة اليمنية ضربت الحرب اقتصاد البلد بضراوة، حيث فقد 40% من العائلات اليمنية مصدر دخلهم الأساسي في غضون أربع سنوات، وبلغ معدل الفقر أكثر 80%، وفقا للبنك الدولي. وازداد الوضع الاقتصادي سوءا في سبتمبر الماضي حيث فقد الريال اليمني حوالي ثلثي قيمته مقابل الدولار الأمريكي في أقل من أسبوعين. وذكر مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني في حديث مع DW أن الاقتصاد في تراجع مستمر منذ إندلاع الحرب، قائلا "إن الانخفاض للريال اليمني بشكل غير مسبق في سبتمبر/أيلول 2018 يثبت أن الاقتصاد وجهت له ضربة موجعة منذ بداية الصراع." وأضاف "ولأول مرة، شاهد اليمنيون تقارير موثقة عن أكل المدنيين أوراق النباتات (من شدة الجوع). على الرغم من أن أكثر من 5 مليار دولار تم انفاقها على عمليات الإغاثة الانسانية على مدى الثلاث سنوات السابقة." انخفضت قيمة العملة اليمنية بشكل حاد أمام الدولار الأمريكي جراء الأزمة المستمرة وأدى انهيار قيمة العملة أيضا إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية. وأظهرت نتائج دراسة أجراها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي شملت ست محافظات من بينها تعز وصنعاء وعدن أن أسعار السلع الغذائية الأساسية من الدقيق والسكر والأرز وزيت الطهي والحليب ارتفعت إلى أكثر من 30% على ما كانت عليه في يونيو 2018، وبنسبة 92% إذا قورنت بنفس الفترة من عام 2015. وبالتالي، اضطر أصحاب المحلات الغذائية إلى غلق محلاتهم. ويقول عبد الرازق الحبابي لـ DW "لا يمكننا أن نبيع بضاعتنا تحت هذا السعر المروع بالدولار الأمريكي. جميع تجار المواد الغذائية في شارعنا أغلقوا محلاتهم حتى يتم تعديل سعر الصرف. نحن نعلم أن الناس يعانون ولكن لا يمكننا أن نخاطر ببضاعتنا في ظل هذا الانهيار الذي يضعنا في مخاطرة إذا عانينا من انتكاسة أو إفلاس محتمل." وعلى الرغم من دعم السعودية والإمارات للحكومة في عدن في حربها ضد الحوثيين، إلا أن كلا الدولتين بجانب أمريكا وبريطانيا أعلنوا في بيان مشترك يوم الخميس الموافق 15 من نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري عن إنشاء لجنة فنية استشارية تجتمع شهريا لبحث وضع عملة الريال اليمني. إقرأ أيضا:حرب اليمن- المياه الملوثة تهدد حياة نصف اليمنيين حرب تستعر وعلى الرغم من تدهور الوضع الاقتصادي، لا يزال القتال دائرا بين الأطراف المتناحرة، من ثم تزداد حصيلة قتلى المدنيين. ففي أغسطس/ آب الماضي، أسفرت هجمات عسكرية بقيادة السعودية عن مقتل 40 طفل في أحد الأسواق شمالي محافظة صنعاء. وارتفعت حصيلة القتلى المدنيين إلى حوالي 10 آلاف شخص، حسبما صرح المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث في تصريحات صحفية في أغسطس الماضي. وينقسم اليمن الآن إلى جبهتين، الأولى في العاصمة صنعاء والمدن الواقعة في الشمال والشمال الغربي من البلاد وتقع تحت سيطرة الحوثيين، أما الجبهة الأخرى فتشمل عدن وباقي المدن وتقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية. لذا تتعالى الأصوات مطالبة الولايات المتحدة وبريطانيا بضرورة وقف بيع أسلحتهم إلى السعودية، ولا سيما بعد أن كثرت الأدلة على استخدام الأسلحة الغربية ضد المدنيين في اليمن. غوري شارما ومحمد حسين/ س.س
مشاركة :