هل يصلح العطار ما أفسده الدهريعرّف القيمون على بغداد واستعادة ألقها، أن عمق الخراب الذي حل بها يتطلب مجهودا علميا كبيرا جدا يستمر لسنين كي تنظم العاصمة نفسها وتعيد بعضا من ألقها الحقيقي في ظل تعقيدات غياب الرؤية.قيمة كبرى تتعدى البكاء على الأطلالتبقى لحجارتها وآثارها قيمة كبرى تتعدى البكاء على الأطلال، بالرغم من أنها ابتليت بعهود من الجفاء والإهمال والغضب، وتركت لوحدها في حلكة الأيام ولوعة السنين، فبغداد أكثر من مكان معلوم في حدوده الجغرافية، ومعالمها مجسّدة في أذهان الملايين من شعبها الذي مازال يئن حزنا وتأسيا عليها.ولم تكن يوما مدينة شواغل جغرافية وحضارية فحسب، أو هي مدينة تحسب بجهاتها الأربع، ولا تقاس مساحتها طولا بعرض، ولا يمكن تصور عدد لسكانها بالأرقام أو سحنات وجوههم بالألوان، بالرغم من أنهم يبدون هكذا أرواحا هائمة في شوارع رثة، إنها تاريخ في مدينة.نعم عبث بها العابثون واستباح الغزاة حصونها، حين غفت نواة طيرها وتسللت إليها الأفاعي لتلدغ قلبها، لكنها ظلت تقاوم موتها وتذبّ عن وجودها ويزداد نبضها دون مسعفين أو مطبّبين، رغم قسوة المارقين.تجول شغفا في المدينة التي أغلقت حواضرها، وغادرها محبوها، رغم كل حوادث الطوفان التي شهدتها تسمع دبيب الحياة فيها رغم تمازج صمتها وصراخها.لكنك تصغي لنداءات ودعوات تتعالى عن إعادة إعمارها وترميم حواضرها قد بدأت منذ أسابيع ورش بناء ساحاتها الـ21 المنبثة في العاصمة المفجوعة، والممتدة بين كرخ بغداد ورصافتها، أطلق عليها موسيقي عراقي اسم “ألق بغداد” ورغم المبالغة في دلالة الاسم، فإن نصير شمه ومتبرعين من أصحاب البنوك الصغيرة يسعون لتجميل صورة العاصمة بدوافع شتى وكل يغني على ليلاه وتدفعه دوافع وأغراض في نفس يعقوب، لكنّ الكثير يجد في مبادرة شمه خطوة في رحلة الألف ميل ويكفيه شرف المبادرة التي امتطاها الكثيرون بدوافع شتى!ويعرّف القيمون على بغداد واستعادة ألقها، أن عمق الخراب الذي حل بها يتطلب مجهودا علميا كبيرا جدا يستمر لسنين كي تنظم العاصمة نفسها وتعيد بعضا من ألقها الحقيقي في ظل تعقيدات غياب الرؤية، التي يمكن أن تضعها على سكة التغيير الشامل وكفاءة الأداء لتخطي الاحتباس الحضاري، الذي تعانيه نتيجة تداخل مجتمعات لم تنم أو تتعايش بتدرّج منطقي سليم، حتى تكاد مهمّة إعادة وظائف الأداء فيها للعمل بدينامية طبيعية تبدو تحديا شاقا إن لم أقل مستحيلا يدعوك إلى تكرار المثل العربي “لا يصلح العطار ما أفسده الدهر!”.ولا يمكن التفاؤل بأي ألق كان، في ظل الفساد المستشري في عموم المدن العراقية التي تندحر وتتراجع وتتريّف بلا توقف، إنه صراع متعدّد الأوجه لكنه معلوم النتائج.كاتب عراقي
مشاركة :