لبنان: «هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟»

  • 8/13/2020
  • 01:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بدم بارد وبتعبيرات على وجه يدل على ملامح دكتاتور محترف يريد أن يخفي كل الانفعالات التي تظهر على وجهه يخرج علينا رئيس «حزب الشيطان» اللبناني عبر شاشات التلفزيون لكي ينفي أن هناك مستودعا للمتفجرات في مرفأ بيروت خاص بالحزب والذي تسبب في الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت الذي حدث في الوقت الذي يتحدث فيه كل العاملون في المرفأ بأن هناك مخزنا يحرسه مقاتلون تابعون لـ«حزب الشيطان» ويرفض أن تأتي لجنة خبراء من الخارج للتحقيق، وذلك اعتراف ضمني منه بأن الحزب هو المتورط ولو كان الآمر غير ذلك لقبل بالتحقيق من خبراء دوليين، وفي تعليق لأكبر خبير إيطالي للمتفجرات عندما رأى ألوان الدخان عبر الأقمار الصناعية عرف كل مكوناتها وقال إن هذه متفجرات مكونة من أخطر المواد لصنع المتفجرات.لم تشهد دولة عربية حروبا أهلية دامية وعدوانا خارجيا استمرت جميعها خلال فترة ما يقارب خمسة وأربعين عاما كما حدث ويحدث في لبنان منذ الحرب الاهلية عام 1975،  وقبلها كانت تلقب بسويسرا الشرق وكانت نموذجا للدولة المدنية رغم الفسيفساء الموجودة في التركيبة السكانية للبنان من مسلمين سنة وشيعة ودروز ومسيحيين من موارنة وغيرهم من طوائف مسيحية أخرى، لذلك سادت فيه ثقافة التسامح والاعتدال وبالطبع لذلك علاقة بازدهار القطاع المصرفي الذي تميّز بقوانين الحفاظ على السرية وكان لبنان يعتبر حينها مركزا ماليا للشرق الأوسط وكانت نموذجا للديمقراطية والحرية بمفهومها الشامل الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية وعاصمة للنشر والطباعة في العالم العربي وكما كانت باريس بالنسبة إلى أوروبا كانت بيروت ملجأ للمثقّفين والفنانين العرب، احتضنتهم وحمتهم. وشهد النادي الثقافي العربي في «الويست هول» في الجامعة الأمريكية سنة 1956 إقامة أوّل معرض للكتاب في العالم العربي. كذلك كان للسياحة في لبنان نكهة مميزة، ولم يكن لبنان يوما مجرد منتجع لزوار يطلبون البحر، إذ استقطب التنوّع الجيولوجي والحضاري فيه السيّاح من كل أنحاء العالم، وخاصة من العالم العربي، ويذكرنا ذلك بقول أبي البقاء الرّندي من مراثي الأندلس نظمها بعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس:لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ   فَلا يُغتَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُهِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ  مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُوَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ  وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُومن الغرائب أن هذه الدولة العصرية تحولت إلى دولة يسودها الخراب ومنذ ذلك الوقت حتى الانفجار الرهيب الذي صنف بأنه يأتي في التصنيف العالمي من الانفجارات في المرحلة الثالثة بعد انفجار هيروشيما في اليابان وفجأة تحولت عاصمة الأحلام إلى عاصمة للكوابيس وللعنف والإرهاب بقيام الحرب الأهلية منذ عام 1975 إلى عام 1990 او أسفرت عن مقتل 120 ألف شخص بخلاف الخسائر المالية المقدرة بالمليارات وتدني سعر الليرة اللبنانية والبطالة والخراب الذي عم المدينة، كل ذلك حدث لسبب واحد حيث أعداء العرب لا يريدون أن تقوم دولة عربية نموذجيه عصرية فيها.وكان لنزوح الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان في مطلع السبعينيات انعكاساته، ومعهم دخل الاصطفاف السياسي وسادت النزعات الآيديولوجية وأصبحت لبنان ساحة لتصفية الخلافات العربية العربية وكذلك الإيرانية الإسرائيلية مثل حرب 2006م التي زادت الوضع سوءا، وسبق ذلك اغتيال العديد من قيادات ووزراء لبنان مثل كمال جنبلاط ورشيد كرامي وكميل شمعون وبشير الجميل وغيرهم وبعدها من اجل اصلاح الوضع السياسي في لبنان عقد زعماء العرب مؤتمرا لوقف القتال وتم الاتفاق على إرسال قوات عربية باسم قوات الردع العربية عام 1976 وفي الواقع كانت القوات السورية هي التي عبثت بلبنان وازداد الوضع سوءا وقامت بعمليات اغتيالات كثيرة إلى ان انتهت الحرب باتفاق الطائف 1989، ثم بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وعند خروج القوات السورية من لبنان أخذت معها كل ما تريد بعد ان أدت عكس مهمتها. في 6 يونيو 1982 قررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة شلومو أرجوف على يد منظمة أبو نضال، فقامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة وانسحبت منظمة التحرير من بيروت بعد أن تعرّض قسم كبير منها لقصف عنيف، وكان ذلك بمعاونة المبعوث الخاص فيليب حبيب، وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية.وتم دخول الجيش الإسرائيلي بالفعل إلى لبنان، رافق ذلك مذابح في المخيمات الفلسطينية منها مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا التي قادها المجرم شارون وزير الحرب الإسرائيلي في ذلك الوقت وقتل فيها بعض القيادات الفلسطينية مثل سعد صايل وهو من القيادات العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية والمئات من الفلسطينيين، وتبع ذلك حدوث معارك بين الفصائل الفلسطينية أدت إلى تأجيج الوضع العسكري السياسي في لبنان.بعدها دخل لبنان مرحلة جديدة بسبب الأطماع الإيرانية في الدول العربية وأصبح لها ذراع طائفي هو «حزب الشيطان»، وتمكنت إيران من وضع يدها على قيادة الحزب وجاءت بحسن نصر الله. وبعدها أخذ «حزب الشيطان» يقوي نفوذه حتى أصبح دولة تحكم لبنان بمساندة من النظام الإيراني، أما الحكومة التي ينتخبها الشعب فلم تعد إلا واجهة «حزب الشيطان». وارتكب ذلك الحزب الطائفي جريمة بحق لبنان وشعبه عندما جرها إلى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل فكان العدوان الإسرائيلي عام 2006 الذي كانت له آثاره المدمرة على لبنان والذي تسبب فيه رئيس «حزب الشيطان»، إذ قام حزب الله بقتل 8 جنود إسرائيليين وأسر جنديين آخرين خلال هجوم شنه مقاتلو «حزب الله» بإطلاق الصواريخ والقذائف على «شلوي» البلدة الواقعة شمال فلسطين المحتلة فيما عُرف بعملية «الوعد الحق». لكن بعد هذه الحرب قامت إسرائيل بشن حرب مدمرة على لبنان نتج عنها كثير من الضحايا وتم فيها الإضرار بالبنية التحتية للعاصمة بيروت حيث ضربت الجسور في لبنان رغم ذلك اعتبره نصر الله انتصارا على إسرائيل وفي نهاية الحرب قالها بصراحة: «كان قراري خطأ في الدخول ضد إسرائيل في هذه الحرب». وينظر كثير من اللبنانيين إلى تلك الحرب على أنها فخ نصب للبنان في إطار صراع إقليمي لا يد له فيه، وإنما كان طرفاه إيران ممثلة في ذراعها مليشيات حزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية. وتسببت الحرب في عام 2006 بمقتل وإصابة الآلاف من اللبنانيين وتدمير البنى التحتية في البلاد، وتكبيد الاقتصاد اللبناني خسائر قدرت بمليارات الدولارات.وختامًا نقول إنه لا حل للمشكلة اللبنانية التي استمرت ما يقارب خمسة وعشرين سنة إلا بالحل الذي اقترحه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وهو استقالة الحكومة واعتماد حكومة حيادية، وإنشاء لجنة تحقيق دولية في تفجير مرفأ بيروت، واعتماد انتخابات جديدة على قاعدة «قانون انتخابي جديد». إضافة إلى ضرورة ألا يتدخل النظام الإيراني في شؤون لبنان وتنزع الأسلحة من كل الأحزاب اللبنانية وخاصة «حزب الله» وتبقى الدولة هي التي بيدها كل السلطات الثلاث ويتم الفصل بينها هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية لكي يعود لبنان إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية في عام 1975م.فهل تعود شجرة لبنان إلى الحياة مرة أخرى ويستعمل كل اللبنانيين كل ما تنتجه من أوراق وأغصان، وما ينتجه لبنان مما عرف عندهم بذهب لبنان الأبيض الذي يعد من أجود الأنواع، فيعود كل اللبنانيون إلى التعايش السلمي تحت الظلال الوارفة ويرتادها السياح من كل مكان في العالم، أم يظل لبنان يرزح تحت تهديد الاغتيالات والحروب والانفجارات الأمر الذي بات يقلق الباحثين عن حلول لإنقاذ هذه الشجرة التي هجرها عدد من اللبنانيين. 

مشاركة :