لي مقالتان سابقتان.. سبقت إحداهما الأخرى وكيما أكون دقيقا فإن الأولى (جدة تغرق فى شبر مويه) نشرت بتاريخ 4 من جمادى الأولى 1409، وكانت تعبيرا عن حجم المأساة التي كشفت عن سوءاتها سيول الأربعاء.. وسبحان الله فالأربعاء هذا قاسم مشترك بين مكة وجدة والطائف بالأمطار وما ينجم عنها من سيول وأضرار.. ومن واقع التاريخ وعلى وجه التحديد يوم الأربعاء 4 جمادى الأولى 1409، وكان العنوان الثاني (لا يا معالي الوزير) تفنيدا لأقوال الوزير فى ذلك الوقت والمسؤول عن البلديات والشؤون القروية الذي علق على مقالة جدة تغرق في شبر مويه.. بأنه غير مستعد لإنفاق الملايين على مطر يأتي كل عامين أو كل ثلاثة ولمدة دقائق محدودة.. وأن الطريقة التقليدية (الحالية) طريقة الشفط هي الأمثل فى حد ظنه ورأيه لتصريف مياه الأمطار والسيول.. وكان يتفق فى الرأي مع أمين جدة فى ذلك الوقت.. وكانت المقالة تختزل رأي نخبة من المثقفين ورجال الأعمال والمسؤولين الماليين في تلك الليلة.. التي تحدث معاليه عبر الشاشة الفضية وجسد رأيه فى معالجة هذه المشكلة.. مما يعني سطحية الفكر وعدم قراءة المستقبل.. وما يحمل من تبعات.. والتاريخ يؤكد لكل ذي لب وعقل أن الكوارث الطبيعية ليست تحت تصرف أو إرادة أو إدارة كائن من كان، سواء كان مسؤولا كبيرا أو صغيرا.. واستمرت الحال على حالها مما يعني تراكم الأخطاء واتساع مدى تأثيرها وصعوبة حلها.. ومن هنا تكررت المأساة تلو المأساة.. وبكل أسف فإن ما يحدث يؤكد أننا نمتلك ذاكرة مليئة بالثقوب كذلك المنخل الذي ينقي الأشياء ولكن ذاكرة المسؤولين في البلديات تسقط عن غير قصد أو قصد تلك الأحداث وتغيبها في إهمال وفوقية وتعال على الحقيقة.. ولكن الحقيقة مرة ودائما تعلق في حلوق من يعانيها.. لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها. مسكينة هي تلك المدينة التي تغنى بها الشعراء ورائعة حمزة شحاتة شاعرنا الكبير تجسد روعتها ومساحة العشق عند كثيرين ممن يعرفون جدة أم الرخاء والشدة.. النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق ورؤى الحب في رحابك شتى يستفز الأسير منها الطليق ومغانيك في النفوس الصديات إلى ريها المنيع رحيق ولو عاش حمزة شحاتة ورأى ما نرى لمات واقفا.. أريد أن أقول إننا لم نستوعب الدروس وأن الشواهد كعمق المأساة لا يحرك فينا ساكنا إلا بقدر ما تجف فيه مياه الأمطار ثم بعد ذلك يذهب حماسنا وانفعالاتنا أدراج الرياح ومسكين المواطن الكليم وكل تلك الجراحات وكل تلك الخسائر نجيرها لحساب القدر تنصلا من الاعتراف بالخطأ والذنب.. على الرغم من المسيرة الطويلة التي شهدتها جدة من الإنجازات على صعيد المشاريع التنموية، إلا أنه لم يشفع تعاقب ثمانية أمناء على هذه المدينة في حل مشكلة تصريف مياه الأمطار وملاءمة البنية التحتية.. كما جاء فى استقراء جريدة «عكاظ» بتاريخ 23 صفر الماضى.. إن الأخطاء تراكمية ومزمنة وتاريخ المقالة التي أشرت إليها في المقدمة يؤكد الإهمال والتهاون وعدم احترام أرواح الناس ومدى ضعف البنى التحتية وسوء التخطيط.. لذلك فإننا نكاد نكون من أفقر دول العالم في مشاريع الصرف الصحي وتصريف المياه.. وشبكات الصرف الصحي الأخيرة ما زالت تحبو فى دلالة على مدى العجز والقصور.. الشاهد الذي هو سمة لكثير من مشاريعنا.. وأن المال العام يهدر فيما لا طائل من ورائه.. ولعل ما صرح به أمير منطقة مكة المكرمة من تحميل أمانة مدينة جدة الإبطاء في مشروع تصريف مياه الأمطار يؤكد أن المأساة ما زالت قائمة.. ولولا نجاح مشاريع تصريف مياه السيول لكانت المأساة أكبر.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مشاركة :