في الرابع عشر من شباط فبراير 2015، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بأن نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار لم تتم تلبية احتياجاتهم الأساسية. وطالبت المفوضية بتوفير 8.4 مليارات دولار من أجل مساعدة نحو 18 مليون شخص في سورية والمنطقة خلال العام 2015. وتشير المفوضية إلى أن حوالي نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار لم تلبّ احتياجاتهم الأساسية مطلقاً، وذلك بسبب تراجع التمويل. وانخفض أخيراً العدد الشهري للاجئين المسجلين لدى المفوضية في لبنان بحوالي 80 في المائة مقارنةً بأوائل عام 2014، كما انخفضت بشكل ملحوظ أعداد اللاجئين الذين يدخلون إلى الأردن. وهناك حالياً 3.8 ملايين شخص نزحوا من سورية جراء الصراع، وهم مسجلون رسمياً كلاجئين، بينهم 622 ألفاً في الأردن، بينما يؤوي لبنان 1.16 مليون، إضافة إلى 1.6 مليون في تركيا، و233 ألفاً في العراق. وكانت المفوضية السامية قد أعلنت في السابع من كانون الثاني يناير 2015 بأن عدد اللاجئين السوريين ارتفع بحوالي 704 آلاف شخص في الأشهر الستة الأولى من العام 2014. ويعتبر السوريون حالياً أكبر مجموعة من اللاجئين تحت ولاية المفوضية السامية. ولا يشمل تصنيف المفوضية السامية الفلسطينيين الذين تتولى شؤونهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ويقدر عددهم في العالم بحوالي خمسة ملايين نسمة. وفي الأصل، لا يعتبر تحديد عدد النازحين واللاجئين بالأمر السهل، فالنازحون داخلياً تتغير أعدادهم صعوداً وهبوطاً بصورة يومية. أما اللاجئون خارج البلاد، فقد أضيف لهم غالباً سوريون مقيمون في الخارج لأسباب مختلفة، أو سوريون غير منقطعين عن بلادهم. والإعلان عن رقم معيّن للنازحين واللاجئين ليس مسألة تقنية أو فنية مجردة، بل هو مسألة سياسية أيضاً، ذلك أن رفع الرقم أو خفضه يُشير إلى واقع معين، له توصيفه الأمني والسياسي الخاص. وقبل ذلك الميداني المباشر. وبالعودة إلى مزيد من المؤشرات، فقد شكل السوريون ثلث ما يقارب 220,000 شخص وصلوا بالقوارب في العام 2014 إلى أوروبا. ومنذ بداية عام 2015، توفي أكثر من 370 شخصاً وهم يحاولون عبور البحر المتوسط، أي غرق شخص واحد من كل عشرين شخصاً. طالبت المفوضية بتوفير 8.4 مليارات دولار من أجل مساعدة نحو 18 مليون شخص في سورية والمنطقة خلال العام 2015. وتشير المفوضية إلى أن حوالي نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار لم تلبّ احتياجاتهم الأساسية مطلقاً، وذلك بسبب تراجع التمويل وقد انتهت الآن عملية "بحرنا" الإيطالية، ومبادرة الاتحاد الأوروبي "تريتون" محدودة الولاية والموارد على حد سواء. ويفترض بأوروبا اليوم تكثيف جهودها من أجل إنقاذ الأرواح، والقيام بعمليات بحث وإنقاذ في البحر المتوسط. وقد حذر مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس من أسوأ أزمة لجوء تشهدها الوكالة منذ سبعة عقود. وقال إن الأزمات الكبرى في سورية والعراق، وتكثف الأزمات الجديدة والقديمة التي لم تنته بعد، أنشأت أسوأ وضع نزوح في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وأن العدد الإجمالي للاجئين بلغ خمسين مليوناً للمرة الأولى منذ العام 1945. وتضطلع المفوضية السامية، من خلال ولايتها الأساسية، بمهمة مساعدة اللاجئين، إلا أنه -وعلى مدى العقود الستة الماضية - توسع عملها ليشمل مساعدة الكثير من النازحين داخلياً، إضافة إلى عديمي الجنسية حول العالم. وتعتبر العمليات الراهنة الخاصة بسورية الأضخم من نوعها في تاريخ المفوضية السامية، وذلك منذ نشأتها قبل أكثر من ستة عقود. وتوصف هذه العمليات بأنها أكبر حالة طوارئ إنسانية في عصرنا الراهن. وتمارس المفوضية السامية أنشطتها في سورية من خلال 425 موظفاً، يعملون في سبعة مكاتب، جرى افتتاحها في كل من دمشق وحمص وحلب والحسكة وطرطوس والسويداء والقامشلي. وفي دول الجوار السوري الأربع ومصر، هناك ما يزيد على 150 منظمة تعمل مع اللاجئين السوريين، من بينها المفوضية السامية ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية وطنية ودولية، الصليب الأحمر، الهلال الأحمر، ومنظمة الهجرة الدولية. ويوجد في لبنان أكبر تركيز للاجئين بالنسبة لعدد السكان، وقد بدأ تطبيق قواعد جديدة على الهجرة عبر حدوده مع سورية في محاولة للحد من تدفق النازحين. وانتقل لبنان من المرتبة 69 للدول التي تستضيف أكبر عدد لاجئين إلى المرتبة الثانية في غضون ثلاث سنوات ونصف. ويشكل حالياً الفلسطينيون والسوريون ثلث سكان لبنان. وقد وصفت الناطقة باسم المفوضية السامية، ميليسا فليمينغ، الوضع في لبنان وكأن "الشعب الألماني لجأ بكامله للعيش في الولايات المتحدة في ظرف ثلاث سنوات". وقالت فليمينغ إن "لبنان هو البلد الأكثر كرماً مع اللاجئين السوريين. وهناك تعاطف كبير معهم في كل المناطق. وهذا وضع لم نر له مثيلاً من قبل". وطالبت فليمينغ المجتمع الدولي بالإسراع في إيجاد التمويل اللازم، وتقديم المساعدات إلى الدولة اللبنانية، من أجل تمكينها من مواجهة العدد المتعاظم من اللاجئين، وخاصة لجهة تحديث البنية التحتية وصيانتها، وتشييد مدارس جديدة، وتسهيل الوصول إلى الطبابة والاستشفاء. ويواجه اللاجئون السوريون في لبنان منظومة واسعة من المعاناة، على المستويات المعيشية والصحية والتعليمية. وتعيش 59% من الأسر السورية اللاجئة في شقق ومنازل مستقلة، في حين يعيش أكثر من 40% منها في خيام وملاجئ جماعية، ومبان غير منتهية ومواقف للسيارات، ومنشآت عشوائية وغرف منفصلة. ووفقاً لوزارة الداخلية والبلديات اللبنانية، هناك حالياً 1400 مخيم عشوائي للاجئين السوريين في لبنان. وعلى صعيد المعاناة الصحية للاجئين السوريين، يُمكن ملاحظة أن أغلب المستشفيات في لبنان تُعد خاصة وباهظة التكاليف، مما يضطر اللاجئين للاعتماد على الرعاية الصحية التي تدعمها الأمم المتحدة. ونظراً لقلة التمويلات اضطرت المنظمة لتقديم معايير كثيرة لمن يُمكن علاجهم في المستشفيات. ولكن حتى عندما يوفي اللاجئون بالشروط المطلوبة للعلاج في المستشفيات، يدفع معظمهم 25% من تكلفته. وأكثر أنواع المساعدة التي تقدمها المنظمات الإنسانية في مجال الرعاية الصحية للاجئين تتمثل بتقاسم التكاليف مع المريض. وقد استفادت نحو 16% من الأسر من الرعاية الصحية الأولية المجانية التي تقدمها الجهات الفاعلة الإنسانية، في حين عجزت حوالي ثلث الأسر عن الوصول إلى هذه المساعدات. كذلك، يُمكن ملاحظة أن الكثير من المستشفيات اللبنانية لا تستقبل حالات الولادة لدى اللاجئات السوريات، مما اضطر العديد منهن لأن يلدن في البيوت، والمساكن المهترئة التي يقمن فيها، وأحياناً يلدن على أبواب المستشفيات. ولا تختلف الحالة الإنسانية كثيراً بالنسبة للوضع السائد في الأردن، الذي يحتضن أكثر من 1.39 مليون لاجئ، بينهم 622 ألفاً مسجلين كلاجئين لدى الأمم المتحدة، بينما دخل البقية قبل بدء الأزمة بحكم القرابة العائلية والتجارة. ولا يعيش من اللاجئين داخل المخيمات المخصصة لهم سوى 97 ألفاً. وفي تقرير جديد أصدرته حول الواقع المعيشي للاجئين السوريين في الأردن، تحت عنوان "العيش في الظل"، قالت المفوضية السامية إن اللاجئين الذين يعيشون في المناطق الحضرية والريفية في الأردن يواجهون ظروفاً سيئة بشكل متزايد، وثلثاهم يعيشون تحت خط الفقر الوطني. وأوضح التقرير أن نحو 84% من لاجئي سورية في الأردن يعيشون خارج المخيمات. وبينما يعيش أغلبهم في شقق أو منازل، فإن 10% منهم تؤويهم الخيام أو المنازل المتنقلة. وهناك نحو 35% من الأسر السورية اللاجئة بالأردن تعولها امرأة. وفي السياق ذاته، أشارت دراسة أخرى أجريت في الأردن على حوالي 40 ألف عائلة سورية، إلى أن ثلثي اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر المدقع. ويعتبر الأطفال مكوناً كبيراً بمجموع اللاجئين السوريين في دول الجوار. وتشير الأمم المتحدة إلى أنه جرى تسجيل ما يزيد على 1.1 مليون طفل سوري حول العالم كلاجئين. وهناك حوالي مليوني لاجئ سوري دون ال18 عاماً. وقد يواجه عدد كبير من الأطفال السوريين الذين ولدوا في المنفى خطر انعدام الجنسية. ومن جهة أخرى، تبرز مسألة التعليم كتحد آخر يواجه اللاجئين السوريين. وحالياً تضم المدارس الرسمية بدول الجوار ومصر نحو 350 ألف طفل سوري. وتشير الأمم المتحدة إلى أن معدلات الالتحاق بالتعليم بين الأطفال السوريين منخفضة للغاية على مدار العام في كافة البلدان المضيفة. ووفقاً لبيانات المنظمة الدولية، فإن ما يزيد على مائة ألف طفل سوري في الأردن لم يلتحقوا بالتعليم النظامي. وقد يكون في لبنان ضعف هذا العدد من الأطفال اللاجئين الذين لا يحصلون على التعليم. وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن مزيداً من التحديات تطل بنفسها كل يوم على اللاجئين السوريين في دول الجوار، وإن ما يقدمه المجتمع الدولي من عون إغاثي لا يرقى إلى مستوى الأزمة القائمة، بأي حال من الأحوال. والمطلوب هو مزيد من الدعم لهؤلاء اللاجئين، والدفع، في الوقت ذاته، باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية، ذلك أنه من دون مثل هذا الحل فإن معاناة السوريين سوف تتفاقم. وقد آن الأوان لأن يقتنع الجميع أنه ليس هناك من حل أمني للأزمة، وعلى المجتمع الدولي تشجيع السوريين على الجلوس سوية على طاولة الحوار، فهذا هو السبيل الوحيد لخلاص سورية، ونجاة المنطقة من هذا المنزلق التاريخي الذي انحدرت إليه، بفعل التداعيات الكارثية للأزمة السورية.
مشاركة :