يبقى حب الحياة والتعلق بها ما يميّز اللبناني. فالدولة بلا رئيس، والمشكلات السياسية لا تنتهي، ولا إستقرار أمنياً، خصوصاً بعد استهداف «حزب الله» موكباً عسكرياً اسرائيلياً على الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة، والمشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية في تزايد، والفساد الاداري متفشٍ، والله وحده يعلم ما يصل إلى البلاد من بضائع منتهية الصلاحية. وعلى رغم هذه الأزمات، تتوزع في بيروت عروض فنية ما بين المسرح والسينما والموسيقى، فهذه التظاهرات لا تنتهي، وتضاف اليها اليوم مغامرة جديدة، إذ أطلقت الجمعية اللبنانية لتطوير وعرض الفنون (APEAL) حملة وطنية تحت عنوان «متحف في طور الانشاء» لتأسيس متحف فني حديث ومعاصر وسط العاصمة اللبنانية. إذاً بعدما رفدت بيروت العواصم العربية بإنتاجها الابداعي، باتت تبحث عن ملاذ لها في المدينة، لاحتضان أعمال فنانيها، ونشر ثقـــافة المتاحف، واستقطاب جمهور جديد. المشروع كبير ومكلف، خصوصاً أنه قُدّم في وضع أمني غير مستقر، لكن الرهان الأساس يبقى: الشغف وحب الحياة. وبما أن الدعم الحكومي للمشاريع الإبداعية شبه معدوم في لبنان، ستنظم APEAL مزاداً خيرياً مساء اليوم في «كازينو لبنان» تديره دلال قادم من كريستيز - لندن، يعود ريعه لدعم بناء المتحف، وسيقدّم 20 عملاً لفنانين لبنانيين بارزين: عمر أنسي، شفيق عبود، مروان كساب باشي، سيزار جميل، حبيب سرور، ضياء عزاوي، شوقي شمعون، عبدالرحمن كتناني، نديم كرم، أكرم زعتري، مروان سحمراني ايلي كنعان، بول غيراغوسيان، ألفريد وميشال بصبوص، جميل ملاعب، نبيل نحاس أيمن، أسامة بعلبكي، إضافة الى عمل للتركي أزادي كوكر عنوانه «بيروت». ويقول المدير الإقليمي لدار كريستيز للمزادات في الشرق الأوسط مايكل جيها لـ»الحياة»، إنه حضر ليدعم المزاد الخيري مساء اليوم في «كازينو لبنان»، ويساعد في الوصول الى النتيجة المرجوة، مقدراً المبلغ الذي سيجمع بأكثر من 500 ألف دولار، يعود ريعها لبناء «بيروت كونتيمبورري». ويرى مايكل ذو الأصول اللبنانية، والمولود في انكلترا، أن بناء المتحف فرصة جدية، لاحتضان الفنانين المستقبليين داخل بلدهم، ومساحة جديدة للتعريف بالفن وزيادة الوعي لدى الناس حول أهمية الفنون ودورها في المواجهة على كل الأصعدة، واستقطاب فنانين جدد من الداخل والخارج، ومحاولة لاحتضان المواهب الصغيرة وتحفيز الابتكار، ما يساعد لاحقاً في تطور المجتمع، وجذب السياح خصوصاً محبي الفنون. ولكن هل يرى أن الأجواء مثالية في لبنان لبناء متحف؟ يجيب: «الجميع يعلمون أن لبنان يعاني عدم استقرار أمني، لكن الوظيفة الأساس للفن توحيد الشعوب لا تفريقها، ومن هنا ينطلق عشاق الفن والمقتنون، متسلحين بالأمل لإكمال البناء وجمع الأموال اللازمة». ويشير مايكل الى أن مشاركة «كريستيز» في المزاد ودعمها المتحف، يأتيان من الجسور التي بنتها مع أبرز الفنانين في الشرق الأوسط، منذ إفتتاح فرعها في دبي قبل 10 سنوات، خصوصاً مع أبرز الأسماء اللبنانية في مجالي الفن الحديث والمعاصر. ويوضح أن الفن اللبناني يعتبر من الأبرز في الشرق الأوسط لما فيه من حرية في التعبير، وإنعتاق من العادات والتقاليد، والانفتاح على ثقافات جديدة ومختلفة عن واقعه، إضافة الى إرتباطه بهويته وجذوره، والمقاربة ما بين الماضي والحاضر ضمن سياق فني شيق. وسيفتح متحف «بيروت كونتيمبورري» أبوابه عام 2020، ويشيّد عند تقاطع تاريخي وإستراتيجي في بيروت، مقابل مبنى المتحف الوطني، للربط بين ثقافات المدينة المتعددة. وسيضم مجموعة من الاعمال الفنية من لبنان والمنطقة، كما سيستضيف معارض، وبرامج عامة ديناميكية تعني المجتمعات اللبنانية والجمهور الدولي، وسيكون مؤسسة مستقلة تشكل مركزاً للحوار والتعليم، والعمل على تلبية حاجات المجتمعات المحلية. وفي سياق متصل، يشير مايكل جيها إلى أن المزاد المقبل للدار سيكون في دبي (18 آذار/ مارس)، ويضم نحو 150 عملاً تتوزع على عدد من الدول العربية، وستكون حاضرة أبرز الأسماء، ويتوقع أن تتخطى المبيعات تسعة ملايين دولار. وسيكون الفن اللبناني حاضراً بقوة في المزاد من خلال 14 عملاً لرواد اللوحة اللبنانية. ومن هنا يتبادر السؤال: هل من الممكن أن تفتتح كريستيز مركزاً في لبنان؟ يجيب مايكل: «لا أستبعد هذه الفكرة، ولكن ليس في القريب العاجل. نحن موجودون في دبي، وهي محطة أساسية لنا في الشرق الأوسط، نظراً إلى توافر الاماكانات المطلوبة، وخصوصاً الاستقرار والأمان، لكننا في المقابل موجودون في كل مكان، وأنا شخصياً أسافر كثيراً إلى دول عربية لإلقاء محاضرات فنية، والتواصل مع فناني هذه الدول». وعن الطريقة التي تختار فيها كريستيز الأعمال المشاركة في المزاد، يشير الى أنها غالباً ما تكون لأبرز الفنانين، لكن هذا لا يلغي دور الفنانين الجدد، «إذ نعمل باستمرار من خلال أعين لنا في مختلف الدول للبحث عن مواهب جديدة من خلال غاليريات أو تواصلنا مع فنانين مخضرمين». ويعتبر مايكل أن السوق الفنية بدبي في تطور دائم، خصوصاً أن العمل بدأ فقط قبل عشر سنوات، لكن الأمور تتحسن تدريجاً، بغض النظر عن بعض الأمور المرتبطة بالعادات والتقاليد، كعرض لوحة مثلاً لفتاة عارية. ومن الأعمال التي ستعرض في المزاد لوحة «جبل المحامل 2» التي تُعَد من أشهر اللوحات الشرق أوسطية. وكان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور رسم اللوحة الأصلية عام 1973 للتعبير عن صلته الوثيقة ببلدته، وثم رسم النسخة الثانية «جبل المحامل 2» عام 2005. وتُظهر اللوحة مُسناً فلسطينياً يحمل حملاً ثقيلاً على ظهره في شكل عين إنسان، وتتوسَّط العين قبة الصخرة بكل ما تمثله من حقوق شعب فلسطين ومعاناته وإرثه وتاريخه، وتعلقه بهويته ومدينة القدس.
مشاركة :