شبح الفشل السياسي يخيم على المؤتمر الوطني الليبي

  • 12/3/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يأمل الليبيون أن يحقق المؤتمر الوطني الجامع المزمع تنظيمه في الأسابيع الأولى من عام 2019 مصالحة وطنية شاملة، فيما يراهن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، على توفير الظروف لإنجاح المؤتمر وإيجاد مخرج لأزمة معقدة، غير أن الخلافات العميقة بين الأطراف الليبية التي كشف عنها مؤتمر باليرمو المنعقد مؤخرا، والتي أدّت إلى فشل الجهود الدولية في إقناع فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية وخليفة حفتر القائد العسكري الليبي في فتح باب للتوافقات، أمام تعثر جهود توحيد المؤسسة العسكرية وإنهاء سيطرة الميليشيات، صعّبت من مهمة المؤتمر الجامع في التوصل إلى حلول سريعة لإخراج هذا البلد من الفوضى التي يغرق فيها. يأمل غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا، النجاح في توفير الأجواء المناسبة لعقد المؤتمر الوطني الجامع في الأسابيع الأولى من يناير المقبل، ليكلل رهانه على توافق المجتمع المدني في حل أزمة البلد المستعصية، ويثبت أنه استطاع منذ توليه هذا الملف أن يخيّب ظنون الكثيرين، الذين شككوا في رغبته وقدرته على وضع الأزمة في الطريق الصحيح. يحظى المؤتمر الجامع للمصالحة بتأييد ظاهر من المجتمع الدولي، لم ينعكس في شكل تحركات عملية تتيح الفرصة للنجاح، لأن غالبية القوى الإقليمية والدولية وصلت إلى قناعة بأن الأزمة معقدة بما يجعل التعويل على تسويتها سريعا أو عبر مؤتمر هنا أو لقاء هناك عملية غاية في الصعوبة. قد يكون مؤتمر باليرمو في صقلية يومي 12 و13 نوفمبر الماضي، قد منح المبعوث الأممي دفعة سياسية بتأييد انعقاد المؤتمر الجامع، عندما طالب بتأسيس لجنة للتحضير لمؤتمر المصالحة الشاملة، لكنه لم يقدم خطوات عملية حتى الآن تساعده على الخروج إلى بر الأمان. ترك المسألة في أيدي الليبيين يحمل عناصر إيجابية، لأنهم أدرى بشعاب بلدهم، غير أنه أيضا لن يكون توجها صائبا تماما، لأنهم أخفقوا على مدار الأعوام المنصرمة في التوصل إلى حد أدنى من التفاهم، وواصلوا الاقتتال، وأصبحت الأزمة رهينة توازنات متغيرة، ومعادلات مختلة، وتحالفات مرتبكة. تتزايد درجة التجاوب مع المؤتمر، لأن غالبية الدوائر لا تريد تحمّل مسؤولية الاتهام بالتقاعس أو التراخي، فهو يحظى برعاية أممية، ورعاية ليبية رسمية، حيث أصدر فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، قرارا بتسمية اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر برئاسة عبداللطيف الشويرف، وعضوية 22 شخصية يمثلون أكاديميين وخبراء وشخصيات وطنية من جميع المكونات والمناطق، تتولى إجراء مشاورات وحوار مع الأطراف والهيئات الأساسية المنخرطة في المصالحة. لم تقدم اللجنة ما يثبت أنها أدّت عملها، ليس لعيوب في مكوناتها، لكن لصعوبة المهمة، التي بحاجة إلى المزيد من الوقت، والاستقرار الذي يمكنها من ممارسة دورها. غسان سلامة.. البحث عن مخرج للأزمةغسان سلامة.. البحث عن مخرج للأزمة كما أن المؤتمرات المتفرقة التي عقدت برعاية الأمم المتحدة على مستوى المناطق والمدن المختلفة، لم تسفر عن تقدم لافت يشير إلى أن المؤتمر الجامع يمكن أن يحقق تطورا في الأزمة، وسط مكايد وتجاذبات لم تتوقف بين قوى سياسية وعسكرية متباينة. ويقترب الليبيون من المؤتمر الجامع ولم تستطع الجهات المعنية تحديد الشخصيات التي يحق لها حضوره، وتضمن تمثيلا شاملا لجميع أطياف المجتمع، أو التوصل إلى إجراءات حاسمة تساعد على التئامه ونجاحه والقدرة على تنفيذ مخرجاته. يعتقد البعض من المراقبين أن غسان سلامة، قذف بهذه الورقة لإبراء ذمته، أو وضع القوى الليبية أمام مسؤوليتها المجتمعية، أو إتاحة الفرصة للجهات الخارجية للتدخل بصورة أكبر وفرض رؤاها السياسية، ما يعني عدم استبعاد العودة إلى الصدام بين القوى التي تملك كل منها حسابات متباعدة، وأن الهدوء النسبي السائد منذ أسابيع يمكن أن ينقلب إلى صراع أشد ضراوة. يدلف الليبيون إلى المؤتمر الجامع والهوة لا تزال بعيدة بين القيادات المؤثرة، وكل عنصر يحاول أن يحتمي بأطراف خارجية قبل أن يعزز مكانته الداخلية، فقرار مجلس النواب بشأن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، من رئيس ونائبين واختيار رئيس حكومة منفصل، لم يدخل حيز التنفيذ، وقد يحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لإتمام خطوة مهمة لا يعلم من حرضوا عليها كيفية تحقيقها. دخل حفتر والسراج في مرحلة خفية من الاستقطابات، قد تؤثر على مواقف بعض القوى التقليدية، ما يفتح الباب لتبني خيارات ربما تلقي بظلالها على الخارطة الحالية، وتغيير الدفة التي يبتغيها المبعوث الأممي من المؤتمر الوطني الجامع يعوّل المبعوث الأممي على المؤتمر الجامع في حين لا تزال الفجوة بعيدة بين المستويين السياسي والعسكري، وتحتاج إلى معجزة لتجاوزها، فقد فشلت الجهود التي بذلت عبر قنوات إقليمية ودولية لإقناع فايز السراج والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، في التوصل إلى توافقات تفتح الطريق لتسوية الأزمة سياسيا. يسعى السراج حاليا إلى إعادة ترتيب أوضاعه بما يوفر له بارقة أمل ليكون المرشح الوحيد لرئاسة المجلس الرئاسي في تشكيله الجديد، ويحاول إعادة التموضع بما يخفف من اقتراب بعض القوى الإقليمية منه، ونجح في إعادة الدفء إلى علاقته مع القاهرة، ويأمل أن يحقق قدرا من الهدوء الأمني والتحسن الاقتصادي وضبط الاستنزاف المادي، لتكون أمامه فرصة مواتية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وعلمت “العرب” أنه من المتوقع قيام السراج بزيارة إلى القاهرة في الأيام المقبلة، بعد فترة طويلة من الانقطاع والتجاهل، بسبب تحفظات على ميوله القوية ناحية تركيا وقطر، ومرونته في التعامل مع الميليشيات المسلحة في طرابلس. بدد لقاء رئيس حكومة الوفاق مع مسؤولين مصريين، على هامش مؤتمر باليرمو الشهر الماضي، الكثير من الغيوم، لأن القاهرة أدركت أن تجاهل السراج يدفعه إلى المزيد من التعاون مع أنقرة والدوحة، ومن مصلحتها أن تحتفظ بعلاقات متوازنة مع جميع القوى الفاعلة. Thumbnail يبدو أن شعور المشير خليفة حفتر بأهمية الدور الذي يلعبه في مكافحة الإرهاب، وضبط الأمن في الشرق، واقترابه من الجنوب الليبي، جعله يتمسك بعدم التفريط في منصب القائد الأعلى للجيش الوطني، ويتشدد في مواقفه، بعدما تمكن من تطوير علاقته مع جهات إقليمية ودولية عديدة، أضافت إليه قوة سياسية إلى جانب قوته العسكرية. دخل حفتر والسراج في مرحلة خفية من الاستقطابات، قد تؤثر على مواقف بعض القوى التقليدية، ما يفتح الباب لتبني خيارات ربما تلقي بظلالها على الخارطة الحالية، وتغيير الدفة التي يبتغيها المبعوث الأممي من المؤتمر الوطني الجامع، الذي يرمي أساسا إلى الاقتراب من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، في ربيع العام المقبل، دون اعتداد بمدى القدرة على إجرائها بشكل سليم. وتجري عملية الاستعداد للمؤتمر والكثير من العلامات السلبية تزداد كثافة، فلم يتحدد المصير النهائي لتوحيد المؤسسة العسكرية، التي يتسع نطاق دعمها دوليا ومساندة الخطوات التي انتهجتها القاهرة، لكنها بحاجة إلى تحركات على الأرض تنهي المشكلات التي تقف حائلا دون ممارسة المهام المنوطة بها. لن يستطيع المؤتمر الجامع تبنّي رؤى سياسية صائبة ما لم تكن هناك وسائل متوافرة لتعميمها وحمايتها وتنفيذها، وتعد المؤسسة العسكرية الليبية الضامن الرئيسي الذي يستوجب العمل سريعا على وضع اللمسات النهائية لتوحيدها، فكيف يتم اختيار أعضاء مجلس النواب أو رئيس للجمهورية عبر الانتخابات والبلاد لا تملك مؤسسة عسكرية وطنية وقوية تستطيع الدفاع عن البلاد، وجبهتها الأمنية مخترقة من جانب كتائب وعصابات مسلحة؟ يمثل اتجاه الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى استخدام سلاح العقوبات على قادة الميليشيات خطوة مهمة في مجال الحد من خطورتهم، ومن الضروري زيادة رقعة الشخصيات المستهدفة، لأن هناك المئات من القيادات التي تسترزق ماديا من وراء انتشار العنف. وهناك رموز سياسية لجأت إلى التعاون مع هذه القيادات رغبة أو اضطرارا، ما وفر لها غطاء أضفى عليها نفوذا أعاق توجهات استئصالهم، لذلك سوف تظل الصعوبات متناثرة على طريق التسوية ما لم يتمكن المجتمع الدولي من وضع نهاية لعملية انتعاش سوق الكتائب المسلحة، التي تتحالف مع جماعات إرهابية في الغرب والجنوب، وكي يستطيع المؤتمر الجامع أن يصبح نقلة نوعية فمن الضروري التخلص من ظاهرة الميليشيات. لذلك سوف يظل شبح الإخفاق السياسي يلاحق المؤتمر الوطني، إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من وضع الحصان أمام العربة، عبر ضبط الكثير من الأمور قبل حلول موعده، لأن الفشل في تسوية الأزمة هذه المرة قد يدفع إلى اللجوء لسيناريوهات أشد قتامة.

مشاركة :