لست أول ولا آخر من تناول هبوط بعض الإرسال الفضائي في منطقتنا. لكن أقول إن الذكاء التجاري للقائمين عليه عرفوا النوعية في قاعدة المشاهدين فأعطوهم الهابط من المواد، ووضعوا الفواصل الإعلانية لمخاطبة العقل الاستهلاكي للأمة. وما دام سيل الإعلان جارفا فذوق المشاهد لا يدخل ضمن الصفقة. ضمن ذلك البث الرديء.. شاهدتُ مقطعا من مسلسل يتلو البطل شعرا لأبى الطيب المتنبي، معروفا ومُتداولا فقال : - إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ . فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ . وقد قرأها بطل الفيلم (أَنا).. (ضمير متكلم) فهل سمعتم بعبارة (ليت أنا) باللغة العربية ؟ أقول أين المصحح، ومراقب النص، والإدارة المالية والمخرج، من ذلك الممثل الذي ذبح اللغة العربية ونحر شعر أبي الطيّب؟! بعض تلك المحطات – فيما يظهر – تجمع جهازها الفني من مقاهي الأرصفة (أرخص !) ، ولا يهمهم قطاع المثقفين ، أو أنهم لا يرون مثقفين بتاتا في هذا البلد .. او " الموجود يستاهل ". أعتب على شبكات أخذت قصب السبق في الفضاء لكنها هبطت دونه فى الجودة ورعاية ذوق المشاهد. ومع تلك التجارب والخبرة الطويلة يُفترض فيها الغيرة على اللغة العربية، فالحريّ بها أن تُعطي المثقف والأديب الكفؤ ما يستحقه من مراعاة ذوقه. وتُعطي اللغة العربية والأدب والشعر مكانته ، ولا تستأجر الرخيص من قُراء النصوص وتجعلهم يقرأون شعر ابي الطيب بهذا الشكل المُقزز. فحتى الذكاء التجاري ووسائل جمع المال لها آدابها ومهنيتها، ألا يجب على مخرجي وكتاب ومنفذي ذلك البث أن يمتحنوا ابطال مسلسلاتهم باللغة العربية قبل أن يتعاقدوا معهم، رحمة بنا وبلغتنا وبذوق المثف؟ في الماضي كانت النبرة محسوبة، وحركة العين والجفون محسوبة، ويُعاقب البطل لو تجاوز المقبول من الكلام نحواً ولغة وبلاغة.. أما الآن فيتركون الممثل أو البطل يقرأ بالطريقة التي يقوده إليها جهله باللغة، واستهتاره بأرباب نعمته دققوا بذاك الفيلم وستجدون أننا وصلنا إلى دور صار فيه ممثل الدرجة الثالثة لايعبأ بذوقنا.
مشاركة :