بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحليفه دولت بهجلي لعبة تبادل أدوار في التصعيد ضدّ الدول العربية المتزعمة لجبهة مواجهة التشدّد والإرهاب في المنطقة، وتحديدا السعودية والإمارات اللتين تطوّع زعيم حزب الحركة القومية في تركيا بكيل الاتهامات لهما، وكالة عن زعيم العدالة والتنمية الذي استنفد ما لديه حول جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي دون أن يحقّق أهدافه وعلى رأسها محاصرة الأمير محمّد بن سلمان وعزله إقليميا ودوليا. أنقرة - تولّى زعيم حزب الحركة القومية في تركيا دولت بهجلي، مهمّة فتح “جبهة” فرعية ضدّ السعودية وحليفتها الأقرب في مواجهة التشدّد والإرهاب دولة الإمارات، بعد أن استنفد حليفه رجب طيب أردوغان وسائل مواجهته للرياض ومحاولة ابتزازها باستخدام قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول مطلع أكتوبر الماضي. واتّهم بهجلي السعودية والإمارات بدعم من سمّاهم بـ”الإرهابيين”، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردي بشمال وشرق سوريا بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. ويحاول بهجلي، المغضوب عليه داخل العائلة القومية في تركيا، باتهامه للسعودية والإمارات تقديم خدمة لأردوغان العائد من قمّة مجموعة العشرين في الأرجنتين بخيبة أمل كبيرة، حيث كان يأمل في أن يشهد خلالها عزلة ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان ومحاصرته، وهو ما حدث عكسه تماما من خلال لقاءات الأمير محمّد ومحادثاته مع كبار قادة ومسؤولي الدول المشاركة في القمّة، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وغيرهم. ويركّز زعماء الحركة القومية الذين تحالفوا مع إسلاميي حزب العدالة والتنموية ودعّموا رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية بعد تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، على استثارة مشاعر العداء العرقي ضدّ الأكراد. وقال بهجلي في كلمة له أمام أعضاء كتلته الحزبية في البرلمان التركي “إن صحت ادعاءات دعم السعودية والإمارات، ماليا، لما يسمّى قوات حرس حدود شمال وشرقي سوريا بالتنسيق مع أميركا، فهذا يعني أنّ السعودية التي لم تستفق بعد من تأثير صدمة خاشقجي، وأن الإمارات التي لا تخفي عداءها لتركيا، تفيان بالديّة المستحقة عليهما للولايات المتحدة”. وكشف زعيم حزب الحركة القومية عن خلفيات هجومه المفاجئ على الرياض وأبوظبي، بتطرّقه لقضية مقتل الصحافي السعودي، رغم عدم وجود أي رابط منطقي بينها وبين الأوضاع في شمال وشرق سوريا والتي ساهمت تركيا نفسها في خلقها عبر دعمها لإرهابيي تنظيم داعش وجبهة النصرة ما اضطر الأكراد إلى حمل السلاح والاستعانة بالولايات المتحدة دفاعا عن مناطقهم. أردوغان حاول خلال قمة العشرين مناقشة قضية خاشقجي من منظوره المسيس لكنه اصطدم بمنظور مضاد وتبنّى بهجلي الخطاب الديني لحزب أردوغان قائلا “أين الإسلام من دول أصبحت رهينة الإمبريالية.. لتعلم هذه الأنظمة التي تناصب العداء لتركيا وشعبها، أنها ليست سوى خنجر مسموم في ظهر الإسلام”، مضيفا “إن كانت السعودية تخشى الله وتستحي من عبدالله فعليها أن تتحمل عواقب الجريمة الوحشية بحق خاشقجي. أين سنجد في الإسلام والإيمان مكانا لدعم الإرهابيين والاصطفاف مع الأعداء في خندق واحد ضد تركيا”. ومنذ تفجّر قضية مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول قبل نحو شهرين حاولت أنقرة التي تواجه تحت حكم حزب العدالة والتنمية أزمات متعدّدة سياسية واقتصادية، وتخوض صراعات في عدّة اتجاهات، استخدام القضية في الضغط على السعودية لتحصيل مكاسب مادية وسياسية، ووجّهت هجومها بشكل مباشر ضدّ ولي العهد الأمير الشاب محمّد بن سلمان الذي يقود عملية تحديثية في بلاده مضادّة لتوجّهات جماعة الإخوان المسلمين المدعومة بقوّة من قبل تركيا وقطر. ووصلت الجهود التركية القطرية إلى طريق مسدود بعد أن أظهرت مجريات قمة العشرين إصرار القوى الكبرى على الحفاظ على علاقاتها مع السعودية وقيادتها حفاظا على مصالح حيوية تكفلها تلك العلاقات. وانعكس ذلك الفشل في الخطاب المتشنّج للرئيس التركي الذي بدأ فور انتهاء القمة في الأرجنتين حملة تصعيد جديدة ضدّ السعودية محاولا إعادة تسليط الأضواء على قضية مقتل الصحافي بعد تراجعها الواضح في سلّم الاهتمام الدولي وفقدها الزخم الذي اكتسبته بادئ الأمر بفعل الضجيج الإعلامي الكثيف الذي أثير حولها. وطالب أردوغان السعودية بتسليم أنقرة المشتبه بهم في مقتل خاشقجي، الأمر الذي اعتبره مراقبون انعكاسا لرغبة الرئيس التركي في التصعيد مجدّدا ضدّ ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان الذي أظهرت جولته الإقليمية ومشاركته الأخيرة في قمّة مجموعة العشرين بالأرجنتين ولقاءاته بعدد من كبار القادة والمسؤولين، أنّه بمنأى عن العزلة الدولية التي أرادت كل من الدوحة وأنقرة فرضها عليه، عبر الزجّ باسمه في قضية مقتل الصحافي. وتحقّق السلطات السعودية مع واحد وعشرين شخصا موقوفين على ذمّة القضيّة، بينما وجّه النائب العام السعودي الاتهام إلى أحد عشر فردا من بينهم، وطلب عقوبة الإعدام لخمسة منهم، لتأخذ القضية بذلك مجراها القانوني والقضائي بعيدا عن المجرى السياسي الذي بدا أن أنقرة تريد بالتعاون مع الدوحة توجيهها نحوه، رغبة في الضغط على الرياض ومساومتها على ملفات أخرى غير متصلة بمقتل خاشقجي. وقال الرئيس التركي، الثلاثاء، إنّ قضية مقتل الصحافي السعودي “كانت حاضرة بقوة في لقاءاتنا الثنائية التي عقدناها خلال قمة مجموعة العشرين”، لكن مصادر مطلّعة على كواليس قمة الأرجنتين قالت إنّ أردوغان حاول فعلا خلال لقاءاته بمختلف القادة والمسؤولين المشاركين في القمة مناقشة قضية خاشقجي من منظوره ذي الخلفيات السياسية الواضحة، لكنّه اصطدم بمنظور مضاد متمثّل في رغبة الدول الكبرى في ترك القضية تأخذ مجراها القانوني ورفضها إصدار إدانة مسبقة لأي طرف.
مشاركة :