ماكرون «رئيس الأغنياء» يواجه غضبا .. وشعبيته تتهاوى

  • 12/6/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن الاحتجاجات العنيفة ليست غريبة على الساحة السياسية الفرنسية، إلا أن سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإصلاح قانون العمل أو السكك الحديدية أو نظام الضرائب على مدى الـ 18 شهرا الماضية، لم تجد مقاومة تذكر. وكان ضعف الرفض الشعبي لإجراءات ماكرون الإصلاحية، عاملا مشجعا له ولحكومته للمضي قدما نحو اتخاذ مزيد من التدابير لإكمال عملية الإصلاح الهيكلي، ظنا منه بأن هناك قبولا أو في أقل تقدير تفهما شعبيا لأهمية وضرورة تلك الإصلاحات والتداعيات الاجتماعية الناجمة عنها. لكن ما إن أقدم الرئيس الفرنسي على رفع أسعار الوقود، إلا واتسعت رقعة خيبة الأمل وتدنت شعبيته بشدة مع تزايد أخطاء الحكومة وسط العاصمة الفرنسية، وساحتها الرئيسية القريبة من قوس النصر وشارع الشانزليزيه الشهير، إلى ساحة "حرب" أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل. وكان من المفترض أن تكون الخبرة الاقتصادية لأصغر رئيس منتخب في تاريخ فرنسا، كفيلة بأن تنجيه من أيام حرب الشوارع في باريس مع أصحاب "السترات الصفراء" الذين عاثوا في شوارع العاصمة تخريبا وفسادا وتحطيما لأيام وليال. فالرجل الذي شغل منصب وزير الاقتصاد، قبل توليه زمام الرئاسة الفرنسية، لم يكن مبتدئا في عالم السياسة أو الاقتصاد، فقد دخل معترك السياسة عام 2006 عضوا في الحزب الاشتراكي، وبذكائه وبحكم انتمائه الطبقي لعائلة مثقفة من الطبقة المتوسطة، واختياره ضمن لجنة دعم الاقتصاد المالي التي أسسها الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، ثم عمله في مصرف "روتشيلد"الفرنسي، بدا لكثيرين كأن فرنسا ستشهد ميلاد شخصية اقتصادية مميزة، تولد من رحم النظام المصرفي، حتى إن لم يتوقع له أحد في ذلك الحين أن يصبح في سنوات سيد الإليزيه. وتجلت قدرات ماكرون الاقتصادية التي أكسبته شهرة كبيرة وسمعة حسنة بعد نجاحه في إتمام صفقة شهيرة عام 2012، استحوذت بموجبها شركة نستله على قطاع الأغذية في شركة فايزر مقابل 12 مليار دولار. إلا أن تلك النجاحات، وكما يصفها الدكتور جاكوب جاك أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة أدنبرة، كانت وبالا عليه لاحقا. ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "عنف التظاهرات يوضح بجلاء أن هناك حالة شديدة من الإحباط والاحتقان بين القطاعات الدنيا، والطبقة المتوسطة الفرنسية، التي راهنت على أن ماكرون ولأصوله الطبقية ينتمي إليها، وأن نجاحاته السابقة التي دفعتها إلى مناصرته والتصويت له في الانتخابات الرئاسية، تؤكد امتلاكه رؤية واضحة المعالم لإصلاح الاقتصاد الفرنسي وتحديثه، وأن وعوده في انتخابات الرئاسة العام الماضي، بشأن تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة كانت بمنزلة آمال حقيقية لها، لكن على أرض الواقع ذهب كل ذلك أدراج الرياح، بعد أن أظهر ماكرون انحيازا سافرا للأثرياء". ويستدرك جاك قائلا، "إن قرار خفض الضرائب على أرباح الأسهم والمدفوعات الخاصة بالشركات، تحت مبرر تحفيز الاستثمار وتشجيع التوظيف، لم تصاحبه تخفيضات ضريبية مماثلة على العمال والفقراء، والنتيجة أنه بدا في نظر الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة الذين أوصلوه إلى سدة الحكم، رئيسا للأغنياء وليس رئيسا لجميع الفرنسيين". بالطبع لا تحظى وجهة النظر تلك بتأييد الجميع، فعديد من الاقتصاديين يعتبرون الغضب الشعبي ضد الرئيس الفرنسي مرتبطا بأخطاء في التنفيذ، أكثر منها خلل في الرؤية. إيمالي توماس، المختصة الاستشارية في اللجنة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، تعتقد أنه إذا كان هناك خلل في الأداء الاقتصادي لماكرون، فإنه ما زال لديه الوقت والفرصة لإصلاحه. وتقول لـ "الاقتصادية"، "إنه يحلو لخصومه خاصة من اليسار واليمين الشعبوي الترويج إلى أن رؤية ماكرون الاقتصادية والرئيس الأمريكي دونالد ترمب متطابقة، وهذا ليس بصحيح.. نعم هناك بعض أوجه التشابه الخارجي والسطحي مثل خفض الضرائب على الشركات والأثرياء، لكن هذا جزء بسيط للغاية، الرئيس الفرنسي لديه برنامج متوازن لإعادة هيكلة الاقتصاد الفرنسي للتفاعل مع المنافسة العالمية في القرن الحادي والعشرين، ماكرون يهدف من خفض الضرائب على أصحاب الثروات، إلى جعل فرنسا أكثر ملاءمة للأعمال، لكن هذا يترافق أيضا مع رؤية تتضمن الاستثمار في رأس المال البشري عبر تحسين التعليم خاصة في الأحياء الفقيرة، وإضافة خدمات لأصحاب الاحتياجات الخاصة، ودعم التدريب المهني للعاطلين، وتمويل ذلك يتطلب كبح جماح النمو المتزايد في المعاشات التي تمولها الدولة.. باختصار إنه يسعى لعملية تحديث اقتصادي.. وتلك العملية لها تكلفة اجتماعية بلا شك". لكن بعيدا عن تلك التحليلات، فإن السؤال المطروح حاليا: هل فشل برنامج ماكرون الاقتصادي مبكرا، أم أنه يترنح، ويمكن له استعادة توازنه من جديد؟ ربما أحد أكثر الاتهامات الموجه إلى الرئيس الفرنسي في الوقت الحالي هو الانعزالية، وتبدو أحيانا في خطابه السياسي المتعالي على المواطنين، والبعيد من وجهة نظر كثير من أعضاء حزبه الذي أسسه عام 2016 تحت مسمى "ماضون قدما"، الذي ساعده على الفوز بالرئاسة الفرنسية، خطاب بعيد عن الهموم الشعبية. ولاستعادة شعبيته في الأمد القصير، فإن حكومته مطالبة بمزيد من الاهتمام بالأسر الفرنسية خاصة الفقيرة منها، كما أن مشكلة البطالة يجب أن تحتل الأولوية للحكومة، خاصة بعد أن بلغت نسبتها 10 في المائة، وسيبقى معدل البطالة المؤشر الرئيسي على مدى شعبية الرئيس الفرنسي. لكن حتى مع اتخاذ تلك التدابير، فإن الاقتصاد الفرنسي تلقى ضربة قوية جراء أعمال الشغب التي اجتاحت مناطق حيوية من العاصمة باريس، وقد انعكست تلك الضربة بقوة على السياحة والتسوق المحلي في الربع الأخير من العام الجاري. ويعتقد دامين مايسن أستاذ النظم السياسية في جامعة أكسفورد، أنه حتى ولو تلاشت أعمال الشغب في فرنسا، فإن مستقبل برنامج الإصلاح الاقتصادي لماكرون، بل وماكرون ذاته قد تعرضا لهزة عنيفة، وتنفيذ مزيد من الإصلاحات لتعزيز النمو سيكون أكثر إثارة للجدل في المستقبل. ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "نجاح ماكرون السياسي لم ينبع فقط من خططه الطموحة لإصلاح سوق وبيئة العمل في فرنسا، لكن أيضا من دعم الجمهور الواضح لهذا البرنامج، وهذا الدعم يتآكل الآن، وقرار رئيس الوزراء إدوارد فيليب بتعليق الزيادة على ضرائب الوقود لمدة ستة أشهر على الأقل، لن يكون مجديا، ولن يساعد على استعادة الدعم الشعبي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي للرئيس ماكرون". ويشير مايسن إلى أن "الرئيس وضع العربة أمام الحصان عندما بدأ تنفيذ الشق الخاص بالأثرياء في برنامجه الإصلاحي أولا، وكان عليه أن يضع الحصان أمام العربة، بأن يبدأ بتنفيذ الشق الاجتماعي الخاص بالفقراء أولا، فهذا كان سيتضمن رسالة للأغلبية بأن ماكرون رئيسا للجميع، بدلا عن الصورة التي ارتسمت حاليا في أذهان الجميع، بأن أصحاب السترات الصفراء، كانوا في حالة من الغضب والتمرد ضد سيد الإليزيه المدافع عن حقوق الأثرياء فقط".

مشاركة :