عززت الصين نوافذها التجارية في جنوب أوروبا باستقطاب البرتغال إلى مبادرة طريق الحرير، التي تواجه تحفظا من الأطراف الأوروبية الرئيسية، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على غزو الاستثمارات الصينية لدول جنوب أوروبا التي عانت ولا تزال تعاني من أزمات مالية. لشبونة- ابتعدت الحكومة البرتغالية خطوة عن الموقف الأوروبي المشكك بمشروع الحزام والطريق الصيني العملاق بالتعهد بالتعاون في نسج “طرق الحرير الجديدة” رغم أنها لم تعلن الانضمام صراحة إلى المبادرة التي أطلقتها بكين لتنمية علاقاتها التجارية حول العالم. وشهدت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للبرتغال توقيع 17 اتفاقية تعاون ثنائية، تتعلق إحداها بمبادرة طرق الحرير الصينية، وهي مجموعة من مشاريع للاستثمار في البنية التحتية تهدف إلى ربط آسيا وأفريقيا وأوروبا. وتعهد شي في ختام زيارته بمواصلة “العمل بروح الانفتاح وتحقيق مكاسب مشتركة وخلق مزيد من الترابط بين استراتيجيات الصين التنموية وتعزيز بناء طرق الحرير الجديدة”. وعبرت الحكومة البرتغالية في موقف مغاير للموقف الأوروبي المعلن من المبادرة الصينية حين ذكرت في بيان أن الزيارة حددت “طرق التعاون الثنائي في مجال المبادرة الصينية… وشملت مجموعة واسعة من القطاعات خاصة في ما يتعلق بالسيارات الكهربائية”. فيليب لو كور: دول جنوب أوروبا جذابة بالنسبة للصين من منظر استراتيجي بعيد المدىفيليب لو كور: دول جنوب أوروبا جذابة بالنسبة للصين من منظر استراتيجي بعيد المدى وكشف رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا وجود خطط لدمج ميناء سينيس جنوب غرب البلاد، مع “طرق الحرير الجديدة”. وأكد “أهمية الدور الاستراتيجي للبرتغال في دمج طرق الحرير مع جميع نقاط الربط بين أوروبا وآسيا”. وينقسم الأوروبيون بشأن مشروع طرق الحرير الجديدة الذي انضم إليها بعضهم مثل اليونان والعديد من بلدان أوروبا الشرقية، في حين تخشى القوى الاقتصادية الكبرى أن يمد النظام الشيوعي نفوذه السياسي إلى الغرب. وهكذا تقدم البرتغال دعما متفاوتا، مثل إسبانيا المجاورة التي زارها الرئيس شي في الأسبوع الماضي. ورفضت حكومة مدريد التوقيع على مذكرة تفاهم حول “طرق الحرير الجديدة” وقالت إنها تفضل العمل في إطار “مبادرة التواصل مع آسيا” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لكنها قالت إنها في الوقت نفسه ملتزمة بإيجاد مجالات للتعاون بين المشروعين. وبعد التضرر الشديد جراء أزمة الديون في منطقة اليورو في عام 2011 تلقت البرتغال دعم كبير من الصين في شكل استثمارات في الشركات الاستراتيجية التي تعمل في قطاعات الكهرباء والمصارف والتأمين وغيرها من المجالات الحيوية. ويبدو الانشقاق البرتغالي واضحا في إحدى الاتفاقيات، التي جرى توقيعها هذا الأسبوع بين شركة “ميو” البرتغالية للاتصالات وشركة هواوي الصينية بهدف “تسريع تطوير شبكة الجيل الخامس (جي5) في البرتغال”. وتكمن رمزية هذا الاتفاق في أنه يتعارض مع الحظر الذي تفرضه واشنطن على هواوي بسبب خشيتها من التجسس ودعوة حلفائها للابتعاد عنها. وقد أعلنت شركة بريتش تلكوم أمس إزالة المعدات التي تصنعها هواوي من شبكات اتصالاتها وانضمام دول كثيرة إلى الحظر الأميركي. واتفقت دول الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي بدفع من باريس وبرلين على إطار لمراقبة الاستثمارات الأجنبية ولا سيما الصينية. وأقر كوستا بأن البرتغال لا تؤيد ذلك “ومن حسن حظنا أن الصيغة النهائية لا تنص على أي حق فيتو”. وأكد أن البرتغال “ليست قلقة حيال مصدر الاستثمار الأجنبي” ودعا الاتحاد الأوروبي إلى “عدم سلوك طريق الحمائية لفرض ضوابط على العولمة”. وعانت البرتغال بشكل مباشر من أزمة الديون في منطقة اليورو وحصلت في 2011 على قرض بقيمة 78 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، مرفقا بخطة تقشف مالي صارمة وبرنامج خصخصة واسع النطاق مهد لأولى الاستثمارات القادمة من الصين. وتلقت البرتغال نحو 6 مليارات من الاستثمارات الصينية التي تهيمن اليوم على أكبر شركاتها من حيث الأسهم “إينيرجياس دي برتغال” وأكبر مصرف خاص في البلاد “بي.سي.بي” وأكبر شركة تأمين “فيديليدادي”، إضافة إلى شركة رين المشغلة للشبكة الكهربائية. أنطونيو كوستا: للبرتغال دور استراتيجي في طرق الحرير وربط أوروبا وآسيا تجارياأنطونيو كوستا: للبرتغال دور استراتيجي في طرق الحرير وربط أوروبا وآسيا تجاريا وأكدت الباحثة يو جي في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن على ضرورة “تحليل الاستثمارات الصينية في القارة الأوروبية بشكل دقيق. فبعضها استراتيجي وبعضها الآخر يعكس ببساطة البحث عن المردودية”. ويفرض فيه الاتحاد الأوروبي قيودا على الاستثمارات الصينية لكن دول جنوب أوروبا التي شارفت على الإفلاس منذ عشر سنوات تتمرد على تلك القيود وترحب بتلك الاستثمارات. وتشير بيانات جمعتها وكالة بلومبيرغ إلى أن استثمارات وصفقات استحواذ الشركات الصينية في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان تجاوزت وتيرة الاستثمارات الصينية في كل من الولايات المتحدة وباقي دول أوروبا خلال العام الحالي. ويرى فيليب لو كور، الباحث في جامعة هارفارد الأميركية ومؤلف كتاب “الهجوم الصيني في أوروبا” أن تلك الدول من الأماكن الجذابة بالنسبة للصين من منظر استراتيجي بعيد المدى، وأنها أصبحت بالفعل من الداعمين للصين على الصعيد الدولي. وأعلنت إيطاليا أنها ترغب في أن تكون شريكا في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. ووقفت اليونان ضد إدانة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لسجل الصين في مجال حقوق الإنسان. وفي المقابل تتبنى ألمانيا الموقف الأكثر تشددا في أوروبا تجاه الصين. وقد عبرت عن قلقها من استهدافها شراء حصص في الشركات الألمانية الكبرى مثل دايملر للسيارات وكوكا المتخصصة في صناعة الروبوتات وهي تدرس وضع سقف للحصص التي يمكن لمستثمرين أجانب شراؤها في الشركات الألمانية.
مشاركة :