رحب القادة وعلماء الأديان والمفكرون المشاركون بالدورة الخامسة لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة المنعقد حاليا في أبوظبي بزيارة البابا فرانسيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، مثمنين الدور الريادي لدولة الإمارات في تعزيز السلم العالمي وسعيها الدائم في التقريب بين أصحاب الديانات السماوية وطرح القضايا التي من شأنها ضمان العيش المشترك بين أبناء العائلة الإبراهيمية. وشهد اليوم الثاني للمنتدى 4 جلسات، تناولت الأولى موضوع «الدين والتضامن الكوني»، وترأسها القس ستيف يزنر راعي كنيسة هيوستن، وتحدث فيها معالي الدكتور علي النعيمي رئيس دائرة التعليم والمعرفة بأبوظبي، والحاخام البرفسور ديفيد روزن عضو مجلس أمناء مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة – المملكة المتحدة. وأكد معالي الدكتور علي النعيمي، في كلمته حول «المسلمون والمواطنة»، ضرورة الإقرار والاعتراف بأن لدينا مشكلة، ثم بعد ذلك نبحث عن الحل. وقدم عرضا لمفهوم الدولة، ملاحظاً أن هناك من يخلط بين الدولة الوطنية الحديثة، وبين مفهوم دولة الخلافة، التي كانت تنتمي لعصرها وزمنها. ملاحظاً أن الدولة الوطنية حقيقة واقعية. أما دولة الخلافة فشيء آخر فقد مضى وانتهى. وطلب النعيمي بتحديد الهوية التي ننتمي إليها. وقال معاليه: «أنه يتعين علينا كمفكرين ورواد أفكار وقادة في المجتمع أن نناقش ونطرح قضايانا بالمؤتمرات فيما بيننا، ثم ننقلها إلى الكنائس والمساجد والمعابد، كي تكون مشروعاً فاعلا في حياتنا، لأن العامة قد لا يدركون مرمى الأفكار الكبيرة على وجه الدقة». السلم الداخلي وتناولت رجاء مكاوي سفيرة المغرب لدى الفاتيكان، موضوع «المسلمون والمعاهدات الدولية وعقود المواثيق والمواطنة»، في إطار البحث في جانب تدبير عقود المواطنة في الدولة الإسلامية. ورأت أن لا مستقبل لنا في بناء الفرد والأمة إلا في حالة السلم المجتمعي، ولا بناء من دون سلم. لأن السلم الداخلي هو اللبنة الأولى في البناء والتنمية والازدهار. وطالبت باستحداث أطر أو مؤسسات فكرية ناظمة للمثقفين المبدعين، بحيث تساعد بالحد من الانقسامات والتشتت الفكري. وتساءلت كيف يمكن أن تتفاعل هذه الأطر أو كيف يعمل جهاز المثقفين لتنفيذ مهامه، كما تحدث كل المطران جون كاردينال أونايكان رئيس أرشية أبوجا – نيجيريا، والأخت جوان سارا بونغ رئيسة تحالف الكنائس الأندونيسية، وخولة حسن أستاذة في مؤسسة إمام أون لاين بأميركا. وناقشت جلسة أخرى موضوع «على دروب السلام – من إعلان مراكش إلى إعلان واشنطن»، وأدارها الحاخام بروست لاستينغ الحاخام الأكبر في المعبد العبري بواشنطن. وتحدث فيها كل من: القس روبيرتس مؤسس وكبير قسيسي كنيسة نرثوود بأميركا وديفيد سابيرستين المدير الشرفي لمركز العمل الديني لإصلاح اليهودية بأميركا، والدكتور محمد السنوسي عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، مدير شبكة رجال وصناع السلام التقليديين – فنلندا. خارطة طريق ودعا معالي الشيخ عبدالله ابن بيه رئيس المنتدى، إلى وضع خارطة طريق لتحقيق الأهداف المرجوة والتي تناول جانباً منها في كلمته التأطيرية للمؤتمر في ملتقاه الخامس المنعقد تحت عنوان «حلف الفضول فرصة للسلام العالمي» والذي تتواصل أعماله، وقال «نحن لا نحمل سلاحاً بل نحمل سلاماً وكلاماً، نحن إطفائيون بالحكمة والكلمة الطيبة، وإن الحرب لا غالب فيها، بل الكل مغلوب». واستعرض معاليه أهداف حلف الفضول الجديد. ورأى أن السلم يقع في مقدمة الأهداف لما يمثّله من غاية في ذاته، ووسيلةً للوصول إلى الأهداف الأخرى، التي بتوفُّرها نضمن استمرار السلم وديمومته. مؤكداً أن من أهداف حلف الفضول الجديد، صناعة جبهة من رجال الدين، تدعو للسلام وترفض استغلال الدين في النزاعات والحروب، وتعمل على إعادة التوازن في نطاق كل ديانة، لبناء الجسور بينها على أسس صلبة ودعائم قوية، قابلة للاستمرار والاستقرار. قوافل السلام ودعا معاليه رجال الدين إلى التعاون، لنزع اللبوس الأخلاقي الذي يستقوي به الخطاب التحريضي، وسلبه الشرعية الدينية التي تلبّس بها، وإظهار الدين على حقيقته، قوةً صانعةً للسلام والمحبة، وعامل جذب بين المختلفين، وذلك من خلال إبراز الإمكانات الكبيرة للعمل المشترك بين الأديان. وشدد معالي الشيخ عبدالله ابن بيه على وجوب إعادة القيم المشتركة في حياة الناس، لأن قيم السلم ثابتة لا تتغير، ويزكيها العقل وتقتضيها المصالح الإنسانية، ولا يمكن وصم هذا المستوى المشترك من القيم بالقصور أو العجز، أو ما أسماهُ بول ريكور «الأخلاق الفقيرة»، بل إنها تصلح أساساً متيناً للعمل المشترك، مهما اختلفت المنطلقات اللاهوتية الدينية أو الفلسفية التي يتأسس عليها موقف كل طرف. واعتبر معاليه أن خارطة الطريق التي يدعوا إليها تمثل أفضل رد على المتطرفين من كل الاتجاهات، وخير برهان على أنّ الأخلاق الدينية قادرة من جديد على أن ترشد العالم إلى سبيل الخلاص من مشكلاته العضالية. مؤكداً أنّ نموذج قوافل السلام يمكن أن يؤسس لنوع جديد من الحوار التعارفي. وينبغي لحلف الفضول الجديد أن يرسخ هذا النموذج، ليصبح آلية للتعاون والتعايش أكثر عملية ونجاعة، وتقليداً ينبغي العمل على تعميمه والاستفادة منه من أجل تدشين عهد جديد في العلاقات بين ديانات العائلة الإبراهيمية. مؤكداً أن حلف الفضول الجديد، يريد أن يبرهن عملياً على أن الدين يمكن ويجب أن يكون قوة بناء ونماء ووئام وإطفاء للحريق، يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرّق، يعمّر ولا يدمّر. معالجة أصيلة أكد معالي الشيخ عبدالله ابن بيه قدرة المنتدى على تقديم معالجة أصيلة وعلاجاً ناجعاً، وإثرائه الساحة برؤية جديدة ورواية تجديدية في إطار الأوضاع الاستثنائية المتأزمة التي شهدها العالم الإسلامي، متوقفاً مع حلف الفضول الذي انعقد قبل الإسلام من أجل التضامن والتعاون على تفعيل قيم الخير والمعروف ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف، معتبراً أنّ رمزيته وخصوصيته إنما أتتا من كونه لم يؤسس على المشترك الديني أو الانتماء القبلي أو العرقي، وإنما تأسس على القيم والفضيلة. الوعي بالمأزق وتناول معاليه المحور الأول، ملاحظاً أن الحاجة إلى حلف فضول جديد تتجلى من خلال مقدمتين، أولاهما: الوعي بالمأزق، وثانيهما: القناعة بوجود قيم إنسانية مشتركة. ورأى أن الدعوة إلى حلف فضول جديد تنبني على الوعي المشترك لدى العقلاء بالمأزق الذي تعيشه البشرية، حيث بدأت أصوات كثيرة تتعالى بدق نواقيس الخطر، منبهة إلى عجز النموذج الحضاري المعاصر الذي انخرطت فيه الإنسانية جمعاء عن تلبية آمالها في الازدهار والاستقرار. وأشار معاليه إلى بعض أبرز مظاهر المأزق التي يشترك الجميع اليوم في الشعور بها، منها: العولمة والواقع المعقد بين إلغاء الخصوصيات الدينية والعرقية وبين التشبُّث بالهويات الضيقة. التطور التكنولوجي والقدرة على تدمير الإنسانية ذاتها. انفلات أسلحة الدمار الشامل عن سلطة الدول المسؤولة ورقابتها. الانفصام الحادّ الحاصل في منظومة الإنتاج والتوزيع بين فلسفة الاقتصاد وروح الأخلاق. الإرهاب ونجاعة أساليبه وقوة استقطابه. ما يعني أننا أمام فشل حضاري، يحطُّ من قيمة الإنسان، فما جدوى أن يغزو الإنسان الفضاء ويبلغ أقصى الكواكب، بينما يظلُّ عاجزاً عن التفاهم مع أخيه ونظيره ومثيله في الأرض.
مشاركة :