فلسفة الحياة في فكر محمد بن راشد

  • 12/8/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قائد استثنائي، كبير في المقام والعقل والتفكير والتدبير وإدارة الحياة، ولديه خبرات وتجارب ويمتلك من المعارف والعلوم ما يجعل سموه يدور في دائرة الكمال، والكمال المطلق طبعاً لله وحده. كما أن سموه صاحب فلسفة يقينية في الحياة لا يحيد عنها، بنى استراتيجيته عليها منذ أن كان طالباً وإلى أن عاد عام 1968 من بريطانيا وتسلم أول مناصبه، ولا يزال يصعد في معراج الكمال والجمال. عقلية القائد نعم.. منذ ذلك اليوم وضع في حسبانه أنه لن يكون في المستقبل مُداراً ولا مديراً بل قائداً للمجموعة، وعقلية القائد غير عقلية المدير، وعقلية المدير غير عقلية الموظف المُدار، ويتبين لنا هذا من خلال قراءتنا لكتاب «رؤيتي»، حيث وضع فروقاً جوهرية بين المدير والقائد أبرزها: ـــ  القائد يقود الشعب لكن المدير يقود مجموعته. ـــ  القائد الجيد محل ثقة الناس فتراهم يتبعونه في الطريق الذي حدده لهم حتى عندما لا يرون نهاية هذا الطريق، لكن الإداري لا بد أن يرى الطريق أمام مجموعته. ـــ  القائد يضع الرؤية ويرسم الخطوط العريضة بينما المدير حلقة في سلسلة التنفيذ. ـــ  المرجع الأخير للقائد شعبه وضميره، بينما المرجع الأخير للمدير اللوائح والأنظمة. يعمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في صمت، ويشتغل في هدوء، ويؤثر ولا يتأثر، ولا تختلط عليه الأوراق، لأنه يعطي كل شيء حقه، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب الآخرين، ومن يتتبع حياة سموه يجد الحقائق التالية: 1- الدين عنده أعلى المقدسات، فلا انتقص يوماً من الدين في شيء أو انتقص أهله، في حين نرى آخرين يدّعون أن لهم استراتيجية وفلسفة في الحياة، يتجرأون على الدين، ظناً منهم أنهم بذلك يكملون النقص الذي فيهم. 2- رغم أن سموه.. فاق والده في الإنجاز والإبداع وسعة المعرفة والفكر، فإنه يرى والده الرمز الذي يرجع إليه كل الفضل في دبي. 3- يحترم سموه قائده الأعلى، لاعتقاده أن الوقوف خلف القائد ضمان لاستمرار الحياة واستتباب الأمن والأمان، فالمجموعة من غير قائد كسفينة من غير ربّان. 4- يعتز سموه بأسرته الصغيرة وبالأسرة الكبيرة التي يتكون منها مجتمع الإمارات، بل يعتز بالأمة العربية جمعاء، فأي إنجاز يحققه ينسبه إلى هؤلاء جميعاً وليس إلى نفسه فقط، ونقرأ ذلك في كتاب «رؤيتي»، حيث يقول سموه: «أنا فخور بديني، فخور بوطني، فخور بأمتي، فخور بقائدي الشيخ زايد بن سلطان، وفخور بوالدي الشيخ راشد بن سعيد، وبشقيقي الشيخ مكتوم بن راشد، وفخور بأسرتي وبجميع بنات وأبناء الإمارات، وأبناء وبنات الأمة العربية». 5- لا يحب سموه الأنانية والاستبداد بالرأي، رغم أنه قادر لو أراد ذلك، لكنه يشاور ويحاور ويحب العمل ضمن الفريق، ولذلك استطاع أن يقيم دبي على نظام مؤسسي، فتؤول المرجعية في مؤسسات دبي إلى اللوائح والنظم، وليس إلى ديوان الحاكم، في حين نرى في بلدان أخرى، أنه لا بد من مراجعة ديوان الحاكم حتى في أمور صغيرة، ثم ينتظر أشهراً حتى تأتي الموافقة أو الرفض. 6- يعتقد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أن المواهب نعمة من الله زود بها الكثيرين من خلقه، وليست محصورة في طبقة دون طبقة، أو في جنس دون جنس، وأن الصواب قد يوجد عند الموظف الصغير الذي قد لا يقف عنده مديره، فلماذا لا نستمع إليه ونبرز دوره؟ لذلك فإنه أوجد «المتسوق السري» الذي يدخل بين المراجعين، ليختبر عمل الدوائر ومدى فهم المسؤولين لواجبهم الوظيفي. ومن خلال هؤلاء المتسوقين أصبح سموه يقيّم مسؤولي دوائره ومؤسساته في دبي، فيُخرج سنوياً إلى منصة التكريم عدداً مثل العدد الذي يرشَّحون من قبل المدير رسمياً وعلنياً، ولولا المتسوق السرّي لذهبت جهود كثير من المخلصين المجهولين في مهبّ الريح. اغتنام الفرص 7- يتميز سموه بأنه رزق الحاسة السادسة، فيدرك ما لا يدركه غيره، كما أنه قادر على العمل في الوقت الذي يتوقف فيه الناس عن العمل، لماذا؟ لأن من فلسفته كما في كتاب «رؤيتي» أن القائد يجب أن يغتنم الفرصة الكبيرة عندما يراها، وإن لم تكن هذه الفرصة قائمة، فعليه أن يكون مستعداً لصنعها، لأن الفرص تصنع ولا توجد. 8 - لا يؤمن سموه بالحظّ قدر إيمانه بأن القائد الناجح هو الذي يصنع حظّه بيده بإذن الله، ويتخذ القرار الصائب في الوقت الصائب، فمن المسلّمات التي يؤمن بها في كتاب «رؤيتي» أنه لا يوجد قالب يمكن أن نضع فيه الخصال والخصائص في النفس البشرية فنحصل على القائد. ولقد قال سموه: «فليس كل من ولد يوم الجمعة يصبح قائداً، ولا كل من يولد مطلع الشهر ولا كل من تخرّج في كلية ساندهيرست في بريطانيا أو ويست بوينت في أميركا يصبح قائداً». 9- الحياة جميلة ونافعة ومليئة بالطاقات الإيجابية في نظر سموه، لولا أن الإنسان بتصرفاته السلبية يحولها أحياناً إلى شرور وآثام ويأس وانكسار، وفي الحديث الشريف: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون». نعم.. ويلاحظ أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد رجل يعيش الواقع العملي بأسلوب علمي، بعيداً عن النظريات والجدليات العقيمة غير القابلة للتطبيق والممارسة. فلسفة الإدارة 10- الإدارة في فكر سموه ليست كلاماً مرسلاً بل هي علم قائم بذاته، لذلك كلما كانت الإدارة جيدة كان الاقتصاد جيداً، وكذلك التعليم والإعلام والخدمات والثقافة والفنون، لذلك فإن سموه يقرر في كتاب «رؤيتي» بأن أزمة الأمة العربية ليست أزمة مال أو رجال أو أخلاق أو أرض، بل أزمة إدارة، فمن يريد أن يكون قائداً قدوة، عليه أن يؤمن بالمثل الذي يؤمن به سموه، وهو: كن قدوتهم تضمن قدرتهم. 11- يملك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، روح المبادرة، وبما أنه يحب المركز الأول، فإنه يسبق الناس إلى كل هدف، بل يسبقهم في التفكير أيضاً، وقد لاحظت عليه أنه لا يحب التقليد ولا الروتين ولا يحب المواكبة، بل يحب السبق في القول والفعل، فكل ما يفعله هو ابتكار، ويلاحَظ عليه ذلك حتى في لباسه، حيث يختار اللون الذي لم يعتد الناس على لبسه، وبعده نتفاجأ بالناس وقد لبسوا اللون نفسه، فهو إذن قائد مؤثر يرغّب الناس في الشيء الذي لم يرغبوا فيه من البداية. فلسفة الجودة 12- الجودة والإتقان في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، دين يتعبد به قبل أن يكون خُلقاً يتخلق به، لأنه مقتنع تماماً في إدارته بالحديث الشريف: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». وفي اعتقادي أن هذا هو سر نجاح المشاريع في دبي، فسموه لا يقدم على أي عمل إلا بعد اقتناعه تماماً بأن المشروع ناجح، وإذا شرع فيه فإنه يتابع العمل بنفسه ولا تنام له عين حتى يتم إنجازه وفق ما أراد. ويُلاحظ أنه في كثير من المواقف يدقق في أشياء لا تلفت أنظار الناس، ولكنه يراها عصب النجاح في ذلك المشروع، وعلى سبيل المثال: عند افتتاح مركز تجاري كبير تتجه أنظار الناس إلى زخارف الجدران، بينما يتجه نظر سموه إلى تفاصيل دقيقة في المشروع تصل إلى حد الأخذ في الاعتبار تخصيص جزء في هذا المركز كمسجد لمرتادي المركز من الجنسين. وبالمناسبة بالأمس القريب زرت القرية العالمية مع صديق لي، فقال لي نصلي المغرب، فقلت نعم، فدخلت مسجد القرية العالمية فدهشت لما رأيته أنظف وأرتب وأجمل من كثير من المساجد داخل المدينة بل حتى من بيتي. إذن، هكذا ينظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى الجودة والإتقان بعين غير عيني وعين فلان وعلان، فالجودة عنده ليست مناظر خلّابة تُعلق على جدران المشروع، بل روح تتجسد في ذلك المكان قادرة على جذب الناس وتسهر على راحتهم، والنظافة من الإيمان. 13ــ سموه لا يجامل صديقه على حساب مصلحة بلده، فطالما ينشد إتقان العمل للوصول إلى الجودة والتميز، فإنه مستعد أن يفاجئ أصدقاءه على ملأ بقرارات صادمة، وقد فعل ذلك فعلاً عام 1998 عندما أطلق برنامجه لتطوير الأداء الحكومي، وتم يومئذٍ تكريم أوائل الموظفين والإدارات المتميزة. لكنه عندما أعلن النتائج بدأ بالأدنى، فذكر أسوأ الدوائر أوّلاً، فكان الإعلان مفاجئاً وصادماً، وقال سموه على هذه الإدارات المتدنية مراجعة نفسها خلال سنة، فإذا لم يتغيروا سوف تتخذ الحكومة قراراً بتغيير الطاقم كله. يا ترى ماذا حصل بعد ذلك؟ حصل أن تغيّر الأسوأ إلى الأفضل وأصبح في المقدمة، والآن يضرب به المثل، وصدق المتنبي إذ يقول: لعلّ عَتبك محمودٌ عواقبه                      فربما صحّت الأجسام بالعِلل فلسفة الرياضة 14- سموه يحتفي بالعلم والأدب والرياضة، لكنه يصر على تعلم ما يفيد المجتمع ويمارسه فعلياً، فهو لا يكتفي على سبيل المثال بالرياضة التي يمارسها الإنسان متى شاء أو بالقدر الذي هو يريد، لأن فلسفة الرياضة عند شيخنا أن تؤدي في النهاية إلى الرشاقة وتنشيط الذهن وصحة الجسم، وإلا فوجودها كالعدم. ولو أخذنا مثالاً آخر وقلنا إن مدارس تعليم السياقة تعلّم المتدربين في البداية كل ما يحتاج إليه السائق من المهارات النظرية والعملية ثم تمنحه الرخصة، لكن نفاجأ فيما بعد بكثرة الحوادث المرورية رغم تعلمه كل تلك المهارات، لماذا لأن المتدرب التزم بتلك التعليمات ليحصل على الرخصة، ولم يضع في الاعتبار الفلسفة المنوطة بتزويده بكل تلك التعليمات، وهي العمل على إبقاء جماليات الحياة والتقليل من الحوادث، وأن ما يدرسه يجب أن يطبقه في حياته، فلا يزعج الناس ولا يتهور ويلتزم باللوحات الإرشادية. من هنا، فإن فقه الواقع ضرورة من الضروريات، واهتم علماء المسلمين في صدر الإسلام بدراسة علم أصول الفقه وأصول السيرة، وأصول علم الحديث وأصول علم التفسير وأصول علم اللغة، وليس الفقه وحده ولا اللغة وحدها، وألفوا كتباً في مقاصد الشريعة، لماذا لأن هذا النوع من العلم يدعو إلى التعمق في الفلسفة المرجوة من تلك المادة، وهذا هو فقه الواقع. فَفِقه الفقه، وفقه السيرة، وفقه الحديث وفقه التفسير وفقه اللغة على سبيل المثال، كلها دراسات تأملية فلسفية تعيننا على فهم الحياة بالشكل الصحيح، وأي جيل يدرس ما لا يطبقه في عصره، فإنه يظل يجتر الماضي ويعيش زمناً غير زمنه. نعم.. درس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، غور التاريخ وسَبر أغوار الناس، فقرر عندئذٍ أن اللغة العربية في يوم من الأيام كانت لغة العلوم والرياضيات والطب والسياسة والدبلوماسية، وظل العلماء والرياضيون والبناؤون والأطباء والمؤرخون المسلمون والعرب أساتذة الأساتذة وفلاسفة الفلاسفة ومعلمي المعلمين نحو 1000 عام. لكن اليوم اللغة العربية هي السادسة في ترتيب لغات بلغ أهلها أكثر من ستة مليارات شخص، فهل يعني هذا أن نستسلم بانهزامنا ولا نتعلم اللغات الأخرى ولا نتقدم بغيرها لأنها ليست لغتنا. 15- يقضي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ما يقضيه من وقته في الرياضة أكثر من الوقت الذي يقضيه في راحته أو عمله، ويجهد نفسه، حتى إنه يمارس المشي ورياضة السيكل فيقطع مسافة 12 كيلومتراً، يومياً، والسيكل يلازمه، وقد أصدر أمراً بإعداد مسارات خاصة بالمشي ورياضة الدراجات في الأحياء السكنية، لأن فلسفة المشي عنده هي تنشيط الذهن دائماً ومحاربة السمنة التي جلبت لنا كل الأمراض. وسألت ذات يوم مسؤولاً كبيراً عن جدوى هذه المماشي أو مسارات الدراجات التي لا تُستخدم، فقال إننا درسنا جدواها فوجدنا أن الملايين التي نصرفها على مماشي الرياضة أقل بكثير مما نصرفه على علاج المرضى الذين يهملون أنفسهم ولا يمارسون الرياضة فيعانون من مرض السكري والقلب وغيرهما. فهم واحترام وبعد هذا ألا نفهم أن سموه يحترم كل الثقافات وكل الحضارات، ويعتز بحضارة أمتنا العربية المسلمة أيضاً، ويعتقد أن الأمة العربية من أعظم الأمم، لكنه لا يقف عند هذا الحد، لأنه قائد محنك لا يعترف بالهزيمة ولا يستسلم للانكسار والكبوة، فلو كبا فلابد أن ينهض من جديد، ولو انهزم لابد أن ينتصر من جديد. لذلك، فإنه يعيش التحدي تلو التحدي دائماً، ويواصل مغامراته من أجل التغلب على المستحيل، ويحاول دائماً أن يوجد البدائل القابلة للتوظيف في حياتنا المعاصرة، وهذا هو الفأل الحسن الذي دعانا إليه ديننا الحنيف. اللهم ارزقنا إيماناً كإيمان العجائز، وتحدياً كتحدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي يقرر لنا أن الحياة فرص والفرص الكبيرة لا تأتي إلا مرة واحدة، وقد رأيناه في احتفال الدولة باليوم الوطني السابع والأربعين الذي أقيم في أبوظبي بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسائر الحكام. رأيناه على الشاشة يتابع فقرات الحفل والهاتف في يده، يبعث من هاتفه تغريدات من وحي الموقف مثل: «علّمني زايد كذا وكذا»، فهو لا يزال يتتلمذ على زايد ويدعونا إلى التتلمذ على أقوال زايد وأفعاله وترجمتها إلى واقع نعيشه في حياتنا.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App

مشاركة :