الشارقة: عثمان حسن في قالب فني فرجوي يعيد للحكاية التراثية وهجها، عرضت فرقة مسرح الناس المغربية التابعة لمؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع وبالتعاون مع جمعية المسرحيين الإماراتيين، مسرحية «سيدي عبدالرحمن المجذوب» على مسرح معهد الشارقة للفنون، ويأتي العرض في إطار فعاليات الأيام المسرحية المغربية الثانية من 7 إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول، وإحياء لذاكرة المسرح المغربي في شخص المخرج الراحل الطيب الصديقي.العرض من إعداد وإخراج محمد مفتاح، وتمثيل: آمال الثمار، مصطفى الخليلي، فاطمة إبليج، سناء كدار، جلال قريوا، الصديق مكوار، عمر البحاري، وخالد الناصري، ونفذ سينوغرافيا العرض: محمد عبد الصمد الكواكبي ومحمد الزبير، وقام بتصميم الملابس والإكسسوارات نادية ظهر، أما الإنارة والصوت فهي من تنفيذ محمد الزبير ورشيد طه ياسين.نص المسرحية كتبه الراحل الطيب الصديقي سنة 1966، معتمدا على مقولات سيدي عبد الرحمن المجذوب، خلال أسفاره بين مدن المغرب في فترة ما يعرف بالعهد السعدي، نسبة للدولة السعدية التي حكمت المغرب في الفترة (1554-1659م)، وحينذاك بدأ السعديون في نشر دعوتهم عن طريق الفرق الصوفية في جنوب المغرب، ودورهم معروف في محاربة الاستعمار البرتغالي الذي احتل مراكش وأغادير وفاس، وكان للسعديين دور في طرد البرتغاليين وغيرهم من إسبان وأتراك مرورا بتحرير كافة المدن المغربية.وتستحضر حدوتة العرض سيرة المجذوب بناء على مخيلة مؤلف شاب من العصر الحديث، يعبر أجيالا وقرونا لتعلم فن الحلقة، فإذا به يصادف رواة جامع الفناء، حيث يستحضر الناس في الجامع سيرة سيدي عبد الرحمن المجدوب، فتبدأ الحكايات تتناسل على صيغة أقوال وأشعار وحكم من تراث المجذوب ومنها على سبيل المثال:لا تخمم لا تدبر لا تحمل الهم ديمة/ الفلك ما هو مسمر ولا الدنيا مقيمة. (بمعنى أن الأحوال لا تدوم، يزول الهم والغم، ويأتي الفرج والسرور).وأيضا: راح ذاك الزمان وناسه وجاء هذا الزمان بفاسه/ كل من يتكلم بالحق كسروا له راسه. (وهو يعني أن الزمان قد تغير كما تقلبت الأحوال، فذهب من كان يقبل بكلمة الحق ويستمع إليها وينتفع بها، وجاء زمان يرفض فيه الناس هذا).تظل هذه الحكايات تدور على لسان عبد الرحمن المجذوب، لتكشف عن كثير من العبر والأشعار التي تركها خلفه، وبصيغة أخرى، ثمة حلقة دائرية مفتاحها (الحكاية - الحكمة) في بعدها الصوفي والإنساني والوجودي، وهو الذي استمر المجذوب يركز على نشرها بين الناس في مساجد المدن التي يزورها وخاصة مدينة مكناس، لا سيما أن المجذوب حين أحس بقرب أجله، طلب أن ينقل إلى مكناس، فتوفي كما تؤكد المصادر في الطريق بجبل عوف، أو بين ورغة وأدسبو، ودفن خارج مدينة مكناس بجوار باب عيسى وضريح مولاي إسماعيل، وذلك سنة 976 ه، وما زال قبره موجودا إلى الآن، وبقيت أقواله سائرة على ألسن الناس في جميع أقطار إفريقيا الشمالية.والمجذوب بحسب ما جاء في سيرته، شاعر وصوفي مغربي، له الكثير من القصائد والأمثال الشعبية متداولة في جميع أنحاء بلاد المغرب العربي، اشتهر بأزجاله التي عرفت بالرباعيات، وما زالت تحتفظ بها الذاكرة الشعبية إلى عصرنا هذا، وتتغنى ببعضها الكثير من الطوائف المتصوفة.استمر العرض في تقديم الكثير من مقولات وأشعار عبد الرحمن المجذوب، بصحبة الموسيقى والغناء، حيث لعبا دورا كبيرا في نقل المشاهد إلى أجواء وحكايا التراث، في قالب استعراضي مبهر، كما كان لسرعة التنقل بين المشاهد، والتعبير من خلال الجسد دوره في تقديم إيماءات ذكية لجهة مسرح الفرجة، وهو الذي يدل على براعة الممثلين، ومن جهة أخرى دور مخرج العرض في إدارة المؤدين على الخشبة، وهو الذي تجلى في سرعة الانتقال بين المشاهد، وما تطلبه ذلك من سرعة موازية في تغيير الممثلين لملابسهم الذي حدث مرارا خلال زمن عرض المسرحية.شكلت وفاة المجذوب من وجهة نظر العرض، خسارة فادحة لرجل ترك تراثا ثريا يقوم على قاعدة معرفية، قوامها الزهد، والحكمة، وأخذ العبرة، وتعميق البعد الروحي عند الإنسان في علاقته مع نفسه ومع الآخرين.ومن جهة أخرى، فإن العرض نجح في محاكاة الواقع الاجتماعي والسياسي، الذي نعيشه اليوم، في إطار التركيز على هذا التراث الحكائي والشعري، اعتمادا على تراث المجذوب وسيرته. قام الراحل الطيب الصديقي باستلهام اللوحة الفنية في هذا العرض المسرحي بأساليب فرجوية مغربية، إيمانا منه بأن «الحلقة» هي نوع مسرحي عريق، وقد عرضت المسرحية خلال تجوالها في الإمارات على مسرحي دبا الحصن وخورفكان.
مشاركة :