الشارقة: محمد ولد محمد سالم عرض مساء أمس الأول ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي ، العرض الموريتاني التبراع لميلح، من تأليف وإخراج التقي سعيد لفرقة مسرح الرواد، وجمعت المسرحية بين عدة أنماط فولكلورية شعبية، استندت إلى حكاية حب بين شاب وشابة، برع كل واحد منهما في التعبير عن عواطفه تجاه الطرف الآخر من خلال حوار شعري شائق مسترسل ينساب تارة باللهجة الحسانية وتارة باللغة العربية الفصحى. انطلق العرض بالشاب وهو يلقي بعض قصائد الحب، يظهر فيها ولهه، وحزنه على فراق حبيبته، التي يبدو أن أهلها رحلوا من مكانهم الذي كانوا نازلين فيه إلى مكان جديد لا يعرف أين هو، فأصبح تائهاً يبحث في كل مكان، ويصعد على كل مرتفع يطيل النظر في كل الاتجاهات، لعله يرى أثراً يدل عليهم، ثم تظهر خيام ويقترب منها، فإذا هي مضارب أهل الحبيبة، ولا يلبث أن يلتقي بحبيبته، فينثر بين يديها أشعار الحب، ويعبر لها عما في قلبه من وله، فتجيبه بأشعار من التبراع، هو نوع من الشعر ارتبط بالنساء في مجتمع البيضان بالصحراء وموضوعه الغزل المحتشم، وهو يتيح للمرأة أن تعبر عن مشاعرها تجاه من تحب من الرجال من دون أن تصرح باسمه أو تعيّنه بشكل مباشر، وأثناء السجال الشعري، تبدو الفتاة غير مطمئنة إلى صدق مشاعر حبيبها، ومشغولة بالبحث عن الماء في تلك الصحراء الجافة، وتشترط عليه لكي تصدقه أن يأتيها بالماء. على الفور يخرج الشاب طلباً للماء لكي يسقي حبيبته وأهلها العطاش، وأثناء بحثه تتوالى مشاهد كثيرة معبرة عن العطش، والتيه في الصحراء بحثاً عن بئر تنجد الناس، ويبدو الجميع مشغولين بذلك الشيء المصيري، وهو البحث عن الماء، وأخيراً يعثرون على بئر، ويبادر الشاب بجلب الماء لحبيبته، وينشدها أشعار الحب الصادقة، فتعبر له بأشعارها عن حبها، وغرامها به. قامت المسرحية على لوحات استعراضية من الفولكلور الشعبي، جمعت بين أسلوب رقص السبينيات المعروف في الجنوب الموريتاني، وجلسة الطرب الموريتانية، التي قادتها الفنانة العالمية بنت السيد، وكانت اللوحات باهرة، فقد أدى رباعي الراقصين المؤلف من شابين وشابتين رقصات متقنة وبتناسق مدرب شد الجمهور وأمتعه، وجرى على أنغام إيقاعية راقصة من الفرقة الموسيقية. كما أدت الفنانة العالمية بنت السيد بصوتها الصافي، وآلتها الموسيقية العذبة آردين مقامات من الطرب الموريتاني الأصيل، قدمتها على شكل فواصل بين المشاهد. حاول المخرج أن يجمع بين الحكاية الأساسية للعرض والفقرات الفولكلورية الاستعراضية، لكنّ الطرح الدرامي كان ضعيفاً، وضاع في خلال قوة المشاهد الاستعراضية والطربية، التي بدت بارزة، وكانت هي البطلة الحقيقية للعرض، وارتفعت به، وجعلته بحق فرجة فولكلورية موريتانية. يمثل عرض التبراع لميلح نموذجاً مهماً لطرح سؤال مسرح الصحراء، فهل الدرامية شرط لازم في هذا المسرح، أم أن الفرجة هي الأساس، وكيف يمكن تجميع عناصر الفولكلور المختلفة لجعلها وحدة كلية متماسكة من دون الالتزام بقواعد المسرح الغربي؟ وأين نضع تجاوب الجمهور واستمتاعه بالعرض في سياق تقييمنا له؟ هذه الإشكاليات تعرضت لها الندوة التطبيقية التي نظمت لنقاش العرض، وبدى الاختلاف واضحاً في وجهات النظر بين من يرى أن المطلوب هو فرجة مستمدة من التراث الشعبي والممارسة الفولكلورية وجميع الظواهر الاحتفالية لمجتمع الصحراء، والمجتمعات الريفية بشكل عام، وتوظيف تلك الظواهر لإمتاع وشد انتباه المشاهد المعاصر عن طريق الاستعانة بالتقنيات الحديثة، واستند أصحاب هذا الرأي إلى الدراسات المسرحية الحديثة التي تقول بمفهوم التنظيم الظواهر المسرحية الشعبية، بدلاً من مفهوم الإخراج، فالمخرج لا يطالب عند أصحاب هذا الاتجاه بتقديم رؤية إخراجية، بل عليه فقط أن ينسق الظواهر الشعبية وينظمها لكي تبدو متماسكة، وبين من يرى أن الأولوية ينبغي أن تتجه إلى الصياغة الدرامية أولاً، وأن توظف الظواهر الفولكلورية لمجتمع الصحراء في إطار رؤية درامية متماسكة، تبنى على قصدية ورسالة موجهة إلى المتلقي، فلا يكفي مجرد الاستعراض، لأنه عندما نكون في إطار المسرح، ينبغي أن ننطلق من الأساس الأول للمسرح، وهو كونه رسالة وعي وتنوير، وما لم تكن هناك رؤية درامية، فإن الرسالة تصبح متعذرة.ومهما كان الاختلاف فإن المسرح لا يمكن أن يستغني عن طبيعته الدرامية، ولو استغنى عنها أو تجاوزها، فإنه يؤول إلى ظواهر فنية أخرى، ليست هي المسرح، ويمكن إعادة كل عنصر منها إلى أصله.
مشاركة :