يتربى الإنسان ويستلهم ويستقي في تكوين شخصيته وتراكم وعيه واكتساب ثقافته من مصادر عدة، أهمها الأسرة والمجتمع والمدرسة والمؤسسات الدينية.لكن هل تستوى هذه المصادر فى الدرجة والدور؟ لا شك أن المؤسسات الدينية لها السبق الأول والأكثر تأثيرًا على القيام بهذا الدور المهم، ذلك لأن الدين يمثل أهمية لا تقارن بأى شيء آخر بالنسبة للمتدين ما يجعل تلك المؤسسات فى مكان خاص، ويضع لها قداسة خاصة، الشيء الذى ينسحب على رجال الدين والذين يقومون بأداء المهمات الدينية والتعليمية فى هذه المؤسسات الدينية.والأهم أن باقى المصادر سواء كانت الأسرة أو المجتمع أو المدرسة تتلقى وتتأثر وتقتنع وتؤمن بما يُقال فى المؤسسات الدينية فى إطار هذا الفكر الدينى، سواء كان هذا الفكر صحيحًا أم كان غير ذلك، وهذا يعنى أهمية هذه المؤسسات، بل الأكثر أهمية هو ذلك الفكر الدينى الذى يُبث من هذه المؤسسات الدينية، لأنه يؤثر فى كل صنوف المصادر والأساليب التعليمية والتربوية والثقافية، فذلك التأثير يصل إلى أقصى مداه فى تكوين الشخصية المصرية بشكل عام خاصةً فى إطار قبول الآخر أو فى مجال تكوين الشخصية ومدى وعيها ودرجة تفكيرها، إذا كان تفكيرًا علميًا أو تفكيرًا خرافيًا وأسطوريًا.ومن المعروف أن تقدم الإنسان والمجتمعات لم يبدأ ويتسارع إلا بعد أن نفض الإنسان عن كاهله ذاك الفكر الخرافى والأسطورى، خاصة أن هذا النوع من التفكير ارتبط بشكل مباشر بالأديان بشكل عام، ولنا أمثلة عديدة فى ذلك الصراع بين رجال الدين والعلماء فى العصور الوسطى فى أوروبا، حيث رفض واستنكر، بل كَفرَ، رجال الدين العلماء متصورين خطأً أن العلم ومكتشفاته تتناقض مع الدين، فى الوقت الذى يُجيز فيه الدين بل يشجع على العلم، لكنه هو ذلك الفكر الدينى الخاطئ والمتخلف الذى تناقض وما زال يتناقض مع كل ما هو جديد ومفيد ومتقدم، خاصةً لو كان هذا الجديد يقوض ويزلزل سلطتهم الدينية التى يستمرونها، ويحافظون عليها عن طريق تكريس وتجذير ذلك الفكر الدينى الخاطئ الذى لم يعد يناسب الزمان والذى لم يعد له أى مكان.فهل ما زال هناك أفكار دينية تعتمد على الفكر الأسطورى والخرافى حتى الآن؟ نعم ما زال هذا الفكر هنا، وهناك يعتمد على موروثات تخطاها الزمن وتجاوزها العلم، تلك التى يمكن أن نطلق عليها ما يسمى بالتدين الشعبى الذى يعتمد سرد حكايات وقصص وخرافات وأساطير يتم إضفاء السمة الدينية عليها بهدف دغدغة العواطف الدينية لدى المتدينين حتى أصبحت هذه الأفكار جزءًا من الدين المقدس، ولذا يصبح من يناقشها أو يدعو إلى رفضها أو تعديلها ضد الدين المقدس، وليس تصحيح لفكر دينى غير مقدس ولا يتوافق مع صحيح الدين. هنا هل يوجد ذلك الفكر الدينى الأسطورى حتى الآن وبعد ما وصل إليه العلم والثورة التكنولوجية والاتصالية؟ نعم ما زال هناك فى بعض الأماكن من يتصور بثبات الأرض مثلًا، هناك من يروج لفكر المعجزات المرتبط بجوهر العقيدة حتى يضفى على هذه المعجزات قداسة تُخرس السنة المستنيرين بعد وصفهم بالهرطقة، خاصةً أن المعجزات جاءت بالإنجيل وعلى يد السيد المسيح بل أقر القرآن هذه المعجزات التى يصنعها السيد المسيح بأذن الله. هنا نريد أن نقول لا أحد البتة من المؤمنين حقًا بالمسيحية ينكر معجزات السيد المسيح الإنجيلية، فهذه بنصوص مقدسة لا نقاش فيها، وهذا غير مناقشة فلسفة وهدف هذه المعجزات.فالمعجزات الإنجيلية جاءت فى البداية لإعلان ماهية ودور السيد المسيح الذى كان فردًا عاديًا يعمل نجارًا فى مجتمعه، فكانت معجزة الخمر فى عرس قانا الجليل ثم تتابعت المعجزات، وكل معجزة كانت تهدف إلى إيصال رسالة بعينها وفى توقيتها ولها ما يبررها، مثل إقامة الموتى وشفاء المرضى، ولم تكن هناك معجزات طوال الوقت، لكن ما نراه الآن حالة من الاسهال والاستسهال والادعاء فى وجود هذه المعجزات «عمال على بطال»، بلا مبرر، أحدثت نتائج خاطئة ساهمت، وتساهم فى تكوين ذلك الفكر الخرافى والأسطورى.بدايةً نريد أن نقول إن المعجزات لا تتكرر طوال الوقت وألا تكون قد فقدت فلسفتها وإعجازيتها، فالمعجزة عمل إعجازى استثنائى غير مكرر، وتكراره يفقده سمة الإعجاز، فالإنسان فى حد ذاته معجزة الله فى الكون، فدقات القلب والدورة الدموية ونظام الأكل وفكرة النمو وغير ذلك قمة فى الإعجاز الذى لا يتصوره بشر، ولكن لتكرار هذا طوال الوقت لم يعد معجزة بل حياة عادية يعيشها الإنسان ثم يموت، كما أن شكل وطريقة المعجزات قد تغيرت.. كيف؟ لقد ميز الله الإنسان بعقله، والإنسان بعقله هو خليقة الله، وهذا العقل بالعلم والتقدم استطاع الآن أن يوجد ما يسمى بالإعجاز الطبى الممثل فى ذلك التقدم الطبى غير المتصور فى لحظة من اللحظات، مثل عمليات العظام وتغيير الأعضاء وطب العيون.. إلخ. أليست هذه معجزات أرادها الله عن طريق الإنسان ونعمة العقل؟هنا نجد وحتى الآن من يدعى أن هناك رملًا بجوار مقبرة أحد القسس تشفى من يتناولها، ومع كامل احترامنا لكل رجال الدين، بحق، واحترامنا لبساطة الإيمان للمتدين البسيط وغير المثقف، إلا أن هذا لا يتسق مع العلم ومع معجزة العقل الذى منحنا إياه الله، والغريب أن هناك أطباء ومثقفين ومتعلمين يؤمنون بذلك بل يمارسون ذلك تحت حد سيف ذلك الفكر الدينى الخاطئ، وهناك ادعاء بأن صور القديسين ينزل منها زيت، ولا نعلم لماذا وما الفلسفة المقصودة بهذا الزيت؟ ولى تجارب شخصية فى كشف زيف هذه الادعاءات وتلك الخرافات بمشاركة قيادات كنسية.هذه نماذج قليلة من كثير لتأثير هذا الفكر الدينى الخاطئ الذى يشكل وجدان وثقافة ووعى المواطن المصرى، ذلك الفكر الذى ينتج لنا مواطنًا قد تجمد فكره وخمد عقله وحاصرته الخرافة، وسيطرت عليه الأساطير التى لا علاقة لها بالدين، لكن لها علاقة بالمتاجرة بالدين، فله نعى ونتحرك لحماية الدين من تجار الدين فى كل دين؟
مشاركة :