اضطر السودان إلى الرضوخ لقسوة التضخم على موظفي الدولة بزيادة رواتبهم اعتبارا من بداية العام المقبل. ويرى مراقبون أن الخرطوم تغامر بمفاقمة الخلل الكبير في التوازنات المالية، في ظل الانحدار القياسي المتواصل للجنيه أمام العملات الأجنبية. الخرطوم - اعتبر محللون قرار الحكومة السودانية زيادة أجور موظفي الدولة في العام المقبل خطوة نحو المجهول، ستؤدي حتما إلى تعميق أزمات البلاد الاقتصادية ومضاعفة التحديات التي تواجهها في معالجة اختلال التوازنات المالية. وأعلنت الحكومة أمس عن ذلك القرار لمواجهة مؤشرات غلاء المعيشة والتضخم الذي يحلق في مستويات فلكية منذ سنوات، والذي تجاوز الشهر الماضي حاجز 68 بالمئة، وفق الأرقام الرسمية. ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية لرئيس اتحاد عام نقابات عمال السودان يوسف عبدالكريم قوله إن “الزيادة ستكون بواقع 500 جنيه (10 دولارات) لأقل درجة في هيكل الرواتب”. وأوضح أن الاتفاق تم خلال اجتماع مع وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء، معتز موسى، حيث تصل الزيادة حتى 2500 جنيه (52 دولارا) للدرجات العُليا. وبحسب البيانات الحكومية الرسمية، يبلغ الحد الأدنى للأجور في السودان 425 جنيها (8.9 دولار)، ولم تتم زيادته منذ العام 2013. الزيادة في الأجور ◄10دولارات لأقل درجة في سلم الرواتب ◄52دولارا للدرجات العليا في سلم الرواتب ويقول المحلل الاقتصادي محمد الجاك أحمد إن الجدوى من زيادة أجور العاملين بالدولة مرتبطة بزيادة الإنتاج في القطاعات الاستراتيجية، التي تحقق قيمة مضافة، مثل الزراعة، للحد من معدلات التضخم، وهذه هي النقطة الغائبة في سياسات الحكومات المتعاقبة. ورأى أن الضرائب الباهظة على العديد من القطاعات والمضاربة على الدولار في السوق السوداء زادتا من تعميق الأزمات المزمنة التي تعاني منها الدولة بعد أن تراكمت خلال الحظر الأميركي طيلة عقدين وانفصال الجنوب آخذا معه ثلثي الإنتاج المحلي الإجمالي. ويأتي قرار زيادة الأجور، فيما تحاول السلطات النقدية كبح تهاوي العملة المحلية، التي تراجعت إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية. وطالب الجاك الحكومة بالتدخل السريع لإحكام الرقابة على الأسواق وتحديد أسعار السلع لتكون أقل من الأسعار السائدة حاليا مع تنشيط الأعمال على كافة المستويات وتوسيع مظلة التأمين الصحي والاجتماعي لتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين. ويعاني السودان من أزمات في الخبز والطحين، والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية إلى أرقام قياسية تجاوزت أحيانا 65 جنيها مقابل الدولار. ولكن العملة المحلية تراجعت خلال الأيام الأخيرة ليتجاوز سعرها في السوق السوداء للمرة الأولى حاجز 77 جنيها للدولار عبر الشيكات المصرفية. وقال تجار ومتعاملون إن هناك تفاوتا في السعر بعد الارتفاع حيث تراوح بين 77 إلى 80 جنيها للدولار، مقارنة بنحو 74 جنيها خلال مطلع هذا الشهر. وأرجعوا أسباب ارتفاع أسعار صرف العملة السودانية إلى استمرار أزمة السيولة في السوق المحلية مع ارتفاع الطلب على النقد الأجنبي من قبل المستوردين. وأكدت مصادر سودانية الأسبوع الماضي أن مجموعة من التجار في الأسواق توقفوا عن عمليات البيع والشراء، كما علقت شركات غذائية كبرى إنتاجها مؤقتاً في أعقاب الارتفاع المتزايد لأسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه خشية تكبدها خسائر مالية في ظل التردي المستمر للوضع الاقتصادي. وفي أكتوبر الماضي، أجازت الحكومة حزمة من الإجراءات الاقتصادية لقطاع الصادرات والواردات، بينها تحديد سعر صرف جديد للجنيه السوداني، للتحويلات الخارجية وعائدات الصادرات كافة. محمد الجاك أحمد: ينبغي ربط رفع الأجور بزيادة الإنتاج وهذه النقطة غائبة عن الحكومة محمد الجاك أحمد: ينبغي ربط رفع الأجور بزيادة الإنتاج وهذه النقطة غائبة عن الحكومة وتضمنت إجراءات بنك السودان المركزي، إنشاء آلية جديد مستقلة من خارج الحكومة، لتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، تتكون من عدد من مديري المصارف وأصحاب متاجر الصرافة، وخبراء اقتصاد. وأقرت آلية صناع السوق 47.5 جنيه سعرا رسميا للمصارف التجارية ومكاتب الصرافة الرسمية لجذب عوائد الصادرات ومدخرات السودانيين العاملين بالخارج. ويؤكد المحلل الاقتصادي محمد فتحي أن التصاعد المستمر في أسعار صرف الدولار يأتي نتيجة لعدة أسباب منها ضعف الإنتاج الذي يؤدي إلى هشاشة الاقتصاد وينعكس بدوره سلبا على صادرات البلاد من السلع والخدمات، وبالتالي ضعف احتياطات البلاد من النقد الأجنبي. وأوضح أن الأصل في تحديد سعر العملات هو آلية السوق القائمة على العرض والطلب، مشيرا إلى أنه كل ما زاد معدل التضخم قل الاستثمار. وفي المقابل، فإن زيادة تدفق الاستثمارات تؤدي إلى زيادة السيولة النقدية في السوق. وفتحت الخرطوم جبهات عديدة باستخدام إجراءات مالية قمعية لمحاصرة السوق الموازية للعملات بالتزامن مع فرض قيود على الواردات بهدف الحد من تآكل احتياطات النقد الأجنبي. وفرض المركزي، الذي لا تتجاوز احتياطاته النقدية حاجز المليار دولار وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، في وقت سابق هذا العام قيودا مشددة على عمليات سحب الأموال، وهو ما جعل الكثير من المواطنين غير قادرين على سحب أموال من البنوك. ولا يزال السودانيون يترقبون جني ثمار رفع العقوبات الأميركية للدخول في عهد جديد رغم غيمة الشكوك التي تلقي بظلالها على الإصلاحات، والتي تقول السلطات إنها ستنعش اقتصاد البلاد المنهك.
مشاركة :