تنهمر التقارير العالمية التي تؤكد أن الصين بدأت تنفرد بعيدا في صدارة السباق العالمي في معظم ميادين الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا. ويقول بعض المحللين إن فجوة التفوّق الصيني تزداد اتساعا بين جميع القوى الاقتصادية العالمية. لندن - تكشف البيانات الرسمية والتقديرات العالمية عن حقائق تفوق الخيال في المعجزة الاقتصادية الصينية في الذكرى الأربعين لإطلاق القائد الصيني دينغ تشاو بينغ لسياسة “الإصلاح والانفتاح” عام 1978، والتي حوّلت الصين من اقتصاد هامشي ضئيل إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. يكفي أن نشير إلى أن الاقتصاد الصيني تضاعف حجمه أكثر من 42 مرة خلال 37 عاما، ليقفز حجم الناتج المحلي الإجمالي من 305 مليارات دولار في 1980 إلى نحو 13 تريليون دولار في العام الحالي. وأصبحت الصين منذ سنوات أكبر مصدّر في العالم، وابتعدت كثيرا في الصدارة بعد أن تضاعفت صادراتها 118 مرة منذ عام 1980 حين لم تكن تتجاوز 21 مليون دولار لتصل هذا العام إلى 2.5 تريليون دولار متقدّمة بمسافة شاسعة على الولايات المتحدة. كما تتفوّق الصين على جميع دول العالم في معدل النمو الاقتصادي في مجمل الأربعين عاما الماضية حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي متوسط نمو بنسبة 10.2 بالمئة. ومع استمرار تربع الصين على عرش أكبر قبلة للاستثمارات الأجنبية، تحولت في الوقت نفسه إلى قوة استثمارية عالمية رئيسية حيث تغزو استثماراتها معظم دول العالم وبضمنها الدول الغربية، رغم محاولات تلك الدول عرقلة غزو تلك الاستثمارات. 51 تريليون دولار الحجم المتوقع للاقتصاد الصيني عام 2040 مقابل 36 تريليونا للولايات المتحدة وقد تدفقت من الصين إلى الخارج استثمارات تزيد على 168 مليار دولار خلال العام الماضي لوحده، بعد أن كانت منعدمة تقريبا قبل أربعين عاما. ولا يمثل العام الماضي ذروة الاستثمارات الصينية الخارجية، حيث تدفق منها استثمارات بقيمة 216 مليار دولار في عام 2016. ومن المرجّح أن تتضاعف تلك الاستثمارات خاصة في إطار مبادرة طريق الحرير، التي تغدق فيها بكين بالاستثمارات على نحو 65 بلدا رغم تحذيرات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إيقاع تلك الدول في فخ الديون. وتتسلح الصين في استراتيجية توسيع دورها العالمي بفوائض تجارية هائلة على مدى عقود واحتياطات متراكمة تزيد على 3 تريليونات دولار لدى البنك المركزي لوحده.ويقول محللون إن الصين المقرض، التي تملك أكبر حصة من الديون الأميركية مستعدة لشراء معظم الشركات الغربية الكبرى، لولا العوائق التنظيمية التي تحرّكها دوافع سياسية وأمنية. ورغم ميل الصينيين الكبير للادخار فقد تضاعف الاستهلاك المحلي بأكثر من 100 مرة ليقفز من 49 مليار دولار قبل 40 عاما إلى نحو 5 تريليونات دولار في العام الماضي. وتضم الصين اليوم 620 من أصحاب مليارات الدولارات، وهم الأكثر في العالم. وتأتي تلك الأرقام الفلكية رغم أن الصين كانت من أقلّ دول العام من حيث نمو عدد السكان الذي يبلغ حاليا 1.39 مليار نسمة، بعد أن كان يقارب مليار نسمة قبل أربعين عاما بفضل سياسة الطفل الواحد، التي تخلّت عنها قبل 3 أعوام بسبب ارتفاع معدلات الشيخوخة. وترجح وتائر النمو الحالية للاقتصاد الصيني أن يتجاوز الاقتصاد الأميركي ليصبح الأكبر في العالم في عام 2028، وأن يواصل ابتعاده في الصدارة ليصل حجمه إلى 51 تريليون دولار بحلول عام 2040 مقابل 36 تريليون دولار للاقتصاد الأميركي. 118 مرة تضاعفت صادرات الصين منذ 1980 لتصل إلى 2.5 تريليون دولار سنويا في صدارة دول العالم وتذهب بعض التقديرات إلى أن الاقتصاد الصيني يفوق حجم الاقتصاد الأميركي بالفعل حاليا عند الاستناد إلى القيمة الحقيقية أي مقارنة الأصول وإنتاجية العامل وأجوره في البلدين حين يصل دخل العامل الأميركي إلى أضعاف مثيله الصيني. وتنفرد الصين حاليا بصدارة دول العالم في أتمتة المصانع وتطوير البنية التحتية، مثل بناء أكبر شبكة عالمية للقطارات فائقة السرعة والتي يطلق عليها “القطار الرصاصة”. وسبقت الصين دول العالم على صعيد الدراسات البيولوجية والجينية، بالسماح بالتعديل الوراثي والجيني، وهو ما يسمح بإحداث ثورة شاملة في صناعة الأدوية تضع الصين في صدارة السباق العالمي في هذا الميدان. وتشير البيانات إلى أن الصين أصبحت أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم من خلال المزارع البحرية. وقد رصدت ميزانية هائلة تبلغ 364 مليار دولار للاستثمار في مختلف مصادر الطاقة المتجددة. وإذا تواصلت تلك الوتيرة فإنها ستحقق التزاماتها بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بموجب اتفاق باريس للمناخ بحلول عام 2020 أي قبل 10 أعوام من الموعد المستهدف. وفي المجال الزراعي نجح العلماء الصينيون في تطوير نوع من الأرز الذي يمكن زراعته باستخدام مياه البحر، وتمكّنوا من ابتكار أساليب لتحويل الأراضي الرملية والصحاري إلى واحات خضراء تنتج مختلف المحاصيل الزراعية. كما تقود الصين العالم على جبهة إنتاج اللحوم في المختبرات لخفض البصمة الكاربونية لإنتاجها بالطرق التقليدية. وتضم الصين اليوم أكبر عدد في العالم من المباني الخضراء، التي يطلق عليها “الغابات العمودية” بهدف تنقية الهواء والحد من التلوث. وتبني الصين حاليا أكبر مسرع للذرات في العالم “سوبر كولايدر” لتجارب الاندماج النووي البارد، لفتح أبواب ثورة جديدة وغير مسبوقة في أبحاث طاقة المستقبل. وتمتد وتيرة اندفاع الصين إلى الفضاء حيث تخطط بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لبناء أول محطة على سطح القمر. كما بنت أكبر تلسكوب في العالم لرصد الكون وتعمل حاليا على إرسال مسبار غير مأهول إلى المريخ بحلول عام 2020. 42 مرة تضاعف حجم الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 1980 ليصل هذا العام إلى 13 تريليون دولار وتحقق الصين تقدّما سريعا نحو بلوع هدف استخدام مليار صيني لشبكة اتصالات الجيل الخامس في الأعوام المقبلة، وتقود التحول العالمي لتوديع نظام الدفع باستخدام العملات الورقية والمعدنية، وهو ما يجنّبها الكثير من المشاكل المالية. ولم تقف الصين عند إنتاج ما يصل إلى 90 بالمئة من الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية لكبار عمالقة التكنولوجيا، بل اقتحمت شركاتها صدارة المصنّعين بعد أن انتزعت شركة هواوي المرتبة الثانية في المبيعات العالمية متفوّقة على أبل. كما تقود الصين العالم في استخدامات تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد على نطاق واسع، وتقترب من اقتحام صناعة الطائرات التجارية بتسويق أول طائراتها كوماك سي 919 بعد إكمال تجارب التحليق. وتتضح سرعة التفوّق الصيني في تزايد قلق الحكومات الغربية من فقدان زمام المبادرة التكنولوجية والاقتصادية. وتمتد مخاوفها إلى الجوانب الأمنية والعسكرية مع تزايد الهجمات الإلكترونية التي اتضح أن بعضها ناجم عن دفن ثغرات عميقة في مكوّنات الأجهزة الإلكترونية. ويبقى الذكاء الاصطناعي العنوان الأكبر لمعركة بكين لتحقيق التفوّق التكنولوجي. وتؤكد التقارير أن الصين تضخّ أموالا هائلة لتحقيق ذلك الهدف وأنها تنفرد بالفعل في صدارة العالم في هذا الميدان.
مشاركة :