شفيق الغبرا في «الثورات العربية وأعداؤها»

  • 12/21/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت – انديرا مطر – عن دار «رياض الريس للكتب والنشر» في بيروت، صدر حديثا للكاتب والاكاديمي شفيق ناظم الغبرا كتاب «الثورات العربية واعداؤها». الكتاب هذا، كما يقول الغبرا، «محاولة لمعرفة الحالة العربية، واجتهاد في التعامل مع التناقضات التي تجعل العرب اليوم في مرحلة تغيرات لا تُبان لها حدود». يتضمن الكتاب مجموعة أفكار كان المؤلف قد عرضها في ندوات ومقالات ومحاضرات على مدى السنوات العشر الماضية. ويرصد في اثني عشر فصلاً التحولات العربية منذ 2011، وما قبلها، حتى يومنا هذا. يبحث الكاتب في خلفيات الثورات التي اندلعت في كل من سوريا ومصر، راصدا مآلاتها وأبرز تحدياتها، كما يتطرق للحرب في اليمن والتدخل العسكري فيه، ويخصص فصلاً للأزمة الخليجية مع قطر، إلى جانب تناوله مسائل الحرية، والارهاب، وسلوك الجيوش العربية في ظل الربيع العربي. جيل ثورات 2011 يفتتح الغبرا الفصل الاول من كتابه «في فهم الثورة العربية والتحول العربي» بحادثة احراق محمد بوعزيزي جسده احتجاجا في ديسمبر 2010، وهي الشرارة التي اطلقت طاقات حبيسة وحقوقا مهضومة لجيل جديد في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن. ويلحظ الكاتب ان جيل ثورات 2011، «ولد في الزمن العربي الضائع بين جيلين: جيل مقاومة الاحتلال الاسرائيلي الذي نشأ بعد حرب 1967 وقاوم ببطولة، رغم تاريخه الحافل بالانكسارات التي كان ذروتها احتلال اسرائيل لبيروت 1982، والجيل الذي جاء بعد ذلك في ظل انكسار العالم العربي أمام الخارج وانكساره أمام التسلط الداخلي». ثورة سوريا: قلب المشرق العربي في مقاربته لخلفيات الثورة السورية، يشير الكاتب الى ان نجاح التوريث في عام 2000 عمّق من الأزمة التي وقع فيها النظام، ذلك أنه تزامن مع وعود اصلاحية رفعت آمال السوريين بأن عهد بشار الاسد سيكون مختلفا عن عهد والده. غير ان التوريث أدى الى جعل السلطة بيد فئة اصغر من تلك التي تحالفت مع النظام في زمن الرئيس حافظ الاسد، وهو ما اسهم بتحويل الاقتصاد الوطني والقطاع العام لمصلحة المتنفذين الجدد الذين استفادوا من سياسات الخصخصة المرتبطة بالفساد. والى مجموعة العوامل التي مهدت لانتفاضة الشعب السوري مثل فرض حالة الطوارئ على مدى عقود، وتركيز السلطة بيد فئة صغيرة فرضت نفسها بمركزية شديدة على الحياة السياسة والمجتمع (على اساس مذهبي غالبا)، يذكر الكاتب عاملاً اساسياً فجر التناقض في سوريا بين القديم والجديد، هو عدم قدرة النظام على الاصلاح في ظل التغيرات التي عاشها المجتمع في مجال التكنولوجيا والمعرفة والتواصل، وظروف التفكير والوعي الاجتماعي والسياسي، وفي ظل الفقر وفقدان الحقوق في صفوف اغلبية السوريين. يكتب الغبرا ان سوريا في 2011 كانت أشبه بدول أوروبا الشرقية في عام 1989، فما شهدته فيه كثير من نسيم الثورات الديموقراطية في مجتمعات اخرى. والشعارات التي رفعها الشعب السوري، والمطالبات باسقاط النظام، عكست وعيا جديدا لدى الشعب السوري جعلته لا يتقبل نظاما ينتمي الى الزمن الستاليني.. ويتوقف الغبرا عند النقطة الاكثر خطورة في مسار الثورة السورية، وهي اطلاق النظام سراح المتطرفين من عناصر القاعدة من سجونه وسعيه لاضعاف الأطراف الوسطية في المعارضة لمصلحة الأكثر تطرفا، مكررا اللعبة التي سبق ان نجح فيها: ذهاب النظام السوري سيؤدي الى سيطرة شاملة للمتطرفين، لانه بالرغم من دكتاتوريته يبقى صمام الامان في مواجهة تنظيم «القاعدة» والتطرف. ويخلص الكاتب الى ان اكبر التحديات التي تواجهها سوريا راهنا هي خروج القضية السورية من يد السوريين، فلا النظام بصورته الحالية يملك مصيره، ولا المعارضة نجحت في ان تكون العامل الحاسم، وذلك بسبب الداعمين الاقليميين والدوليين وتناقض مصالحهم. فلسطين المحتلة: قلب المشكلة الكتابة عن فلسطين تتخذ شكلا مغايرا عن كل فصول الكتاب، فهي انعكاس لتجربة شخصية يروي فيها الكاتب انطباعاته إثر زيارات متكررة لفلسطين بين الاعوام 2012 و 2016. في هذا الفصل تتداخل الوجدانية بالوقائع الميدانية، فترانا نطارد الكاتب في جولته في شوارع القدس المحتلة، ومنها الى حيفا التي ترعرع فيها والده حتى يوم النكبة، ثم الى طبريا حيث منزل جده لوالدته الذي سكنه لأعوام طويلة رئيس دائرة الشرطة الاسرائيلية، ومنها الى شوارع الناصرة وعكا ويافا. يكتب الغبرا ان زيارة فلسطين ستغير أفكاره حول امكانية قيام دولة فلسطينية، الأمر على أرض الواقع بحكم الاستيطان الكثيف أدى الى تدمير هذه الامكانية وقضم المناطق المحتلة، لكن «قضية فلسطين ستكون آخر النزاعات التي تحيط بشرقنا، وستبقى بعد ان تنتهي الثورات والاصلاحات والحروب العربية كلها. ستتجدد الهوية الفلسطينية، لا بصفتها عرقا لجماعة، بل بكونها ميزان عدالة يشمل ضحايا الصهيونية، وكل من يشعر بألمهم وأنينهم من العرب ومن مناصري العدالة في العالم». واللافت ان الكاتب اهدى مؤلفه هذا «الى جيل التغيير العربي الذي أشعل منذ 2011 أسئلة الحرية ومطالب الشعوب». هذا الجيل الذي لا يشعر بالتمكين الا في الساحات العامة والمواجهات مع الانظمة ورموزها، ويقف في مجرى تاريخي إجباري في ظل تنامي الاسئلة الصعبة وانسداد السبل والشعور بالتمييز والعنصرية.

مشاركة :